صدر كتاب» ربيع تونس ..رحلة الإنسان والأدب» للأديب المغربي مصطفى لغتيري في طبعته الثانية 2024، عن منشورات غاليري الأدب
جاء الكتاب في 93 صفحة موزعة إلى سبعة فصول : التوق إلى تونس، في رحاب تونس العاصمة،الطريق إلى توزر،في أحضان توزر،من أجواء المهرجان،سمفونية الفنون في مهرجان الجريد،طريق العودة.
يندرج الكتاب في إطاره العام ضمن أدب الرحلة ، وهو غني بالمعطيات التاريخية والجغرافية والمعارف الثقافية، ويطغى عليه الطابع السردي الوصفي.
رحلة إلى أعماق تونس الخضراء، جسر الاختلاف والتباين في الوصف والحوار، مصاغة بلغة انسيابية مشوقة ممتعة ماتعة، تجعلك تغوص في عوالم الأمكنة وصخب الأماكن وتعدد الفضاءات الزمكانية كلوحة فنية لتونس الخضراء» ربيع تونس».
العنوان بأسلوبه التشويقي السردي والوصفي الدقيق، والمحاكاة المتناغمة أضفت على المتن السردي جمالية وسلاسة في السرد .
« التوق إلى تونس»
أهو انعتاق للذات من ومضات أيام ولت؟ أم هو سيل جارف بنا إلى أحضان تونس الخضراء؟
نستشف ذلك جليا من خلال العلاقة الوطيدة التي تربط الرحالة الأديب المغربي مصطفى لغتيري بالناقد الشاعر التونسي «عبد الدائم السلامي» ،وحجم الترحاب الذي لقيه من قبل صديقه وكأنه في بلده المغرب،مما أضفى على العلاقة المغربية التونسية إضافة إلى الطابع السياسي رمزية أدبية تجسد عمق الصلة والوصل بين الأدباء والمثقفين المغاربة وتونس،و التشابه الكبير في العادات والسلوك والاهتمام عند البلدين.(هذا التشابه يطول عادات الناس وسلوكهم واهتمامهم ص:4).
برسالة مشفرة يعتبر البطل نفسه في بلده الأم من خلال دلالات الأمكنة والفضاءات، فقد وجد الرحالة في تونس الدار البيضاء والرباط والصويرة وأكادير وطنجة وغيرها من الأماكن الزخمة المتشابهة.
توجيه دعوة للرحالة للمشاركة في المهرجان الوطني للأدب والفنون من طرف اتحاد كتاب تونس فرع توزر،كان بداية التحول بداية الاستعداد واغتنام ما تبقى من الوقت لعيش مغامرة الإبداع بكل شغف وواقعية وشوق.
«في رحاب تونس العاصمة»
أو بالأحرى عند وصول الرحالة إلى جانب صديقه عبد الدائم المستقبل له بالعناق والترحاب ،وهذا إن دل فإنما يدل على متانة الصداقة وقيمتها عند الصديقين،سرعان ما يحدث تحول في مجريات المتن الحكائي نتيجة سلوك شرطي من خلال استفساره عن كمية الكتب الكبيرة،ومحاولة قارئة منه للغوص في أعماقها واكتشاف المجهول.
وصف الرحالة بدقة ما رآه العين وخالج القلب، ونقله لفسيفساء أجواء البلده ( الأعلام الوطنية التونسية المرفرفة على المباني وفي الأزقة وفي أماكن لايمكن توقعها ص:12)،مما يعطي للنص السردي إيحاء ورمزية أساسها البوح الصادق المنفتح على ذاتية المتلقي.
عن المحبة المتبادلة التي زادت شغف الرحالة لاكتشاف أغوار الأمكنة.( كنت أشعر وكأنني أبدا لم أغادر المغرب ص: 13)،تشابه الأمكنة (تشعر وكأنك في أحضان مدينة أكادير أو مدينة طنجة ص:15).
الغنى الثقافي وتنوع اللهجات وثراؤها ،وهذا ما نستشفه جليا من خلال تلميح الرحالة أكثر مما صرح ،لهجة غنية أثارت إعجابه
« باهي بارشا» أي جميلة جدا زوينة بزاف بلهجة المغاربة .
توظيف التاريخ حاضر بقوة في رحلة الرحالة (العلاقة بين الدول كانت ولا تزال مبنية على المصالح ومنطق الغلبة .
كما لا يفوت الرحالة أن يشيد بدور الأدب والأديب في التعريف بوطنه وثقافة بلده بكل صدق ومعيارية .
يعتمد الرحالة لغة سردية إيحائية المعنى والدلالة ،تثير زوبعة ذهنية لدى المتلقي(ومن أباح نفسه للغير فلا يلوم غير نفسه ص: 18).
نهج الرحالة كذلك منهج الاستبطان والمقارنة،نستشف ذلك من خلال حضور المغرب للمقارنة مع الجارة التونسية، واستحضار التاريخ والجغرافيا والفضاءات الزمكانية والثقافية،كما حاول توظيف تقنية التغدية الراجعة المحايدة من خلال توجيه دعوة للاهتمام بالشعراء والأدباء المغاربة بعد موتهم على غرار تونس،وهو غرض موظف لأجل تحسين وتطوير الاهتمام بهم أكثر.
الطريق إلى توزر
محطة من محطات الرحالة نحو ‘بابا عليوة’ الجنوب التونسي ،ووصفه لأجواء ركوبه الحافلة التي ستنقله لتوزر،مع إبراز دور المرأة الريادي من خلال نقله لصورة المرأة التونسية الجريئة كما وصفها احتجاجا على الوضع في الحافلة من الرجال.
في أحضان توزر
أو توزر بطعم الشعر المدينة الشاعرية كما وصفها الرحالة، حظي بين أحضانها باستقبال الشاعرين شكري وميعادي وأسماء بصمت الثقافة التونسية المجسدة في اتحاد كتاب تونس مركزيا ومحليا.
الانتقال من مكان إلى آخر بأسلوبه التشويقي السهل الممتنع نعيش معه تفاصيل يومياته بتونس الخضراء،هذه المرة اختار دار الثقافة للتوجه ،مرورا بزيارة ضريح الشاعر الكبير أبي القاسم الشابي ،منوها بالاهتمام الوافر بالضريح ومتأسفا على واقع الإهمال الذي يطال الشعراء والأدباء المغاربة بعد المغادرة.
ينتقل بنا الرحالة إلى منهج آخر اعتمده للتواصل وخلق جسور التلاقح الثقافي من خلال تجواله في توزر،واستحضاره مدن المغرب الجنوبي، مدينة البصرة والكوفة، واقتباسه من التحليل النفسي ‘لسيغموند فرويد’ أسطورة الصراع حول النساء في عائلة مفترضة.
جنات النخيل مدينة الشعر المنقوشة على جدرانها أبيات شعرية من كل فن وفي كل مكان.
من أجواء المهرجان
لقاء متجدد في رحاب الثقافة مع الأدب والأدباء من شعراء تناوبوا على المنصة يقرؤون أشعارهم (الدكتور محمد الغزالي الرجل المعطاء الذي منح نفسه للناس والأدب).
الشاعر خير الدين الشابي، صريع الغيواني، الشاعر شكري الميعادي وما جادت به قريحة الرحالة مصطفى لغتيري.
الزخم والخيال الواسع والعطاء المتفرد المتنوع طاغ في كتابات الكاتب مصطفى لغتيري ،وليس بغريب عنا إن أسهب في توظيفها.
الاقتباس الشعري بغرض الحجاج والبرهنة ،من خلال إدراج نصوص شعرية، تميز أدب الرحلات الذي تتداخل فيه الخطابات المتعددة.
توظيف تقنية التناص إشارة إلى سعة إطلاع الكاتب ومعرفته الثقافية وقراءاته المتعددة(على الأقواس أبيات شعرية خطت بأناقة ملفتة…ص:40) ،(أعجبتني قصائد شكري ووقرت في القلب وذكرتني بالشاعر أمل دنقل ص: 54).
يختتم الرحالة أمسيته الشعرية بالاستمتاع بالهدوء والسكينة وجمال الطبيعة والبشر.
سمفونية الفنون
في مهرجان الجريد
اختيار الرحالة ضمن لجنة تحكيم المهرجان يدل على الثقافة الواسعة للأديب المغربي مصطفى لغتيري وأدباء المغرب،ولا نستثني من ذلك المرأة المغربية من خلال شخصية الأستاذة المغربية التونسية آمال اليملاحي كعضوة في اللجنة.
حضور شخصيات في مجالات متعددة لمهرجان الجريد يدل على عمق الثقافة التونسية والاهتمام الكبير لدولة تونس بمثقفيها وأدبائها.
بروز قوي للمرأة في المشهد الثقافي الفني كذلك المرأة التونسية المعطاءة المبدعة من خلال إقامة معرض تشكيلي للفنانة سهير بادي(ص:73).
اختتم المهرجان بسمفونية التقاء وتبادل أطراف الحديث بين الأدباء،تجانست فيه مختلف أشكال التعبير من رقص وغناء وحكي وتشويق وتوصيف.
‹طريق العودة›
استوجب على الرحالة مغادرة توزر، وتقديم هدايا له من بعض الأصدقاء كالشاعر شكري ميعاد الذي أهداه مجسما لشجرة الزيتون ودلالته الرمزية على السخاء والتسامح والقاسم المشترك بين مختلف شعوب البحر الأبيض المتوسط باختلاف لغاتهم وأديانهم وثقافتهم.
لحظة وداع الأصدقاء والصديقات،مازال الرحالة دائم الترحال والتجوال والتعارف والاكتشاف حتى في خطواته الأخيرة.
مازال يقارن عبق وطنه بمدن تونسية استوطنت ذاكرته(في تونس العاصمة يداهمك إحساس بأنك في مدينة الدارالبيضاء..).
ظاهرة من الظواهر الاجتماعية أثارت انتباه الرحالة التحرر من القيود الثقافية والمجتمعية للمرأة التونسية بالمقارنة مع المرأة المغربية(في تونس يدخن على الرصيف بدون عقد،فيما يقمن بذلك مختبئات في جوف المقاهي).
رحلة العودة للمغرب ووصف دقيق لإجراءات المراقبة بمطار محمد الخامس.
اعتزاز وافتخار بالانتماء للمغرب والانفتاح على الرحلة التونسية التي عمت بالمتعة والفائدة على الرحالة الأديب المغربي مصطفى لغتيري.