إسرائيل والحروب إلى … الأمام!

عبد الحميد جماهري

أحسن أنطونيو غوتيريس عندما وصف الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط بأنه دخل «دورة التصعيد المروعة» .
وهي دورة مجنونة، تواصلت فيها غريزة الإبادة والدم والجرائم ضد الإنسانية في حق شعب أعزل محاصر في غزة والضفة، وفتحت ست جبهات على الإسرائيليين، يسعى أكثرهم حمقا ودموية إلى أن يُتوِّجها بحرب مع إيران.
حلم نتانياهو هو الحرب مع إيران، التي قدمها للغرب بأنها تهدد وجود دولة إسرائيل نفسها.. وبالتالي أعاد الحياة لعقدة الذنب الدفينة التي تطارد الغرب منذ المحرقة!
الغرب ليس منافقا فقط، بل هو أيضا انفصامي: يتسامح مع الإبادة الإسرائيلية لكي يحمي نفسه من عقدة الذنب، ويبقي على أحاسيسه حية إزاءها .
ويبدو أن نتانياهو قد وجد من يشتري منه بضاعته… حيث يقدم إبادة الشعبين الفلسطيني واللبناني بعده، بأنها مجرد وضعية جيوسياسية لا تخضع لمشرط الأخلاق، التي تفصل بين المحتل وبين الشعب المضطهد.
عندما يريد القاتل أن يحرر نفسه من أي التزام، يقدم الحرب على أساس أنها مجرد دفاع عن النفس. والذي يهدف من ورائه إلى جر الغرب إلى الجبهات التي يفتحها: يريد من الدول الغربية أن تتولى حروبه ضد شعوب المنطقة…
بيد أن هذه العواصف الحديدية، والأمطار الباليستية التي تمطر على إسرائيل وإيران، وعلى غزة وعلى بيروت والضاحية، قد تشوش الرؤية، وتخلق تقاطبات حادة، يعجز التحليل، مهما تراكم فيه من معطيات، عن الإحاطة بها.
هاته العواصف سبقتها أخرى، مهما كانت عالمية،كانت عين الإعصار في الشرق الأوسط.: الحرب العالمية الثانية، الحروب العربية – الإسرائيلية وما بعد سقوط الجدار وحرب العراق الأولى والثانية، والانهيارات العربية على هامش ربيع متردد وخضرته مرتعشة..
لكن كل هذه المحاذير لا يمكنها أن تغطي على حبة الرمل الحقيقية الوحيدة التي تظل ثابتة:فلسطين. وحق الفلسطينيين في بناء دولتهم.
إسرائيل دولة احتلال، ولا يمكنها أن تواصل هروبها (أو حروبها بالأحرى ) إلى الأمام مهما حاولت تعويم المعادلة..
وإذا لم تدرك بأن صرة العالم والمنطقة، خصيصا، هي فلسطين، فلن تدرك بأن الحروب لن تعبر بها إلى وجود هادئ وسليم.
وعندما تقتل السلام، كما جنحت إليه منظمة التحرير في زمن عرفات الشهيد، فعليها أن تنتظر من يفكر مثلها بالتسوية الحربية!
نتانياهو، محاط اليوم بمن قتلوا رابين وأحد أهم حلفائه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، حاليا، كان من أشد المعارضين لإسحاق رابين.
»وقد شارك بن غفير عندما كان عمره 20 عاما في احتجاجات ضد رابين، واستطاع مع آخرين الوصول إلى سيارة رئيس الوزراء وقتها والاعتداء عليها، وصرح حينها بأن بإمكانهم الوصول إلى رابين نفسه ما داموا وصلوا إلى سيارته«،على حد ما كتبه الكاتب الإسرائيلي دورون ويبر ..
قتل السلام، كان بلا ثمن بالنسبة لإسرائيل إلى حدود سابع أكتوبر، واليوم بدأت في دفع الحساب..ولن يقف الأمر عن هذا الحد. فقد تمنت إسرائيل الهيمنة بعد اغتيال صدام حسين وتدمير العراق، لكن الذي خرج من الدمار يفوق مخاوفها. هذه حقيقة يرددها العقلاء من الغربيين علي مدار الساعة. وما قد ينجم عن المستقبل لا أحد يصفه:دورة هوجاء من الدمار …

= أعادت الحرب فتح السجال حول معادلة الوطني والقومي والأممي في استجماع المعطيات، ثم في محاولة فهم مجريات الواقع، ثم في النهاية تحديد الموقف منها.
وإذا كان هناك من تلخيص، فهو أن عزل المغربي اليوم عن مجريات الشرق العربي ليست فكرة عملية ولا جدية ولا عاقلة. لأن فصله عن موقف من قضية نبيلة هو فصله عن تيار عالمي أخلاقي وإنساني ضد الدمار، وضد الظلم التاريخي الذي يطول فلسطين. كما أنها محاولة لن يكتب لها النجاح، باعتبار أن المغاربة يقدرون بأن فلسطين قضية وطنية، وهذا اتفاق واضح بين القمة والقاعدة، بين المغرب الرسمي والمغرب الشعبي، بين كل التيارات.
ما لا يقبل هو أن يتم التشكيك في الدفاع عن المغرب، كلما اختلف تقدير الموقف بينه وبين غيره من الدول التي تدافع في نهاية المطاف عن مصالحها.
إن الأممي الحقيقي، كما القومي الحقيقي، هو أولا وطني حقيقي!
وليس صدفة أننا كنا نصف كل المواقف الأخلاقية والمناهضة للاحتلال وللامبريالية بمواقف وطنية.
وكل دفاع عن التراب، موقف وطني.
ولعله من الهروب إلى الأمام كذلك، الاحتماء بشعارات جوفاء تهاجم كل من أبدى نوعا من ضرورة استخدام العقل والتحليل بموازين القوى بدل الرومانسيات السياسية:دينية كانت أو ثورية أو رومانسيات قومية..

3ـ في لحظة من لحظات الخلط والدمار
تكون الحرب لا هي عادلة ولا هي ظالمة،
بل خطيرة وقيامية..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/10/2024