ثمار الحراك العربي ومطالبه التقدمية جناها المحافظون
حضرت ضمن وفد اتحادي أشغال مؤتمر الصف الديموقراطي العربي، هلا حدثتنا أولا عن المناسبة وجدول أعمالها في هذا الظرف الدقيق؟
– هو في الحقيقة ليس فقط لقاء، و لكن الأمر يتعلق بالمؤتمر العام للمنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي، الذي يضم في صفوفه الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والاجتماعية من مختلف البلاد العربية كالمغرب و مصر والعراق والصومال وتونس وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان والجزائر وأقطار عربية أخرى.
لقد حضر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لهذا المؤتمر الذي انعقد بالعاصمة المصرية القاهرة في ضيافة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أيام 27 و 28 شتنبر 2024 ، بوفد هام ترأسه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، وضم في عضويته الإخوة أحمد مهدي مزواري والحسين الحسني وعبد ربه .
وللتذكير، فإن المؤتمر التأسيسي للمنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي كان قد نظم في المغرب، في ضيافة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 2013 . وقد كان المؤتمر التأسيسي تتويجا للقاءات عديدة لبعض الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية الاجتماعية بعد ما سمي بالربيع العربي ، والتي انتبهت في حينه إلى أن ثمار ذاك الحراك ومطالبه التقدمية قد جناها المحافظون، وبالتالي كان على القوى التقدمية أن تستجمع قواها وتوحد صفوفها ورؤاها وتخلق الإطارات التي تمكنها من ذلك.
تأسس المنتدى إذن، ولكن و للأسف الشديد فإن ظروفا لا حاجة للعودة إليها عطلت مسيرته، ولو أن الإطار العام والفكرة التأسيسية بقيا قائمين .
و قد عشنا في المنتدى مفارقة غريبة، إذ بقدر ما توسعت دائرة الأحزاب الراغبة في الالتحاق به ، بقدر ما أصابه الوهن .
فلقد انطلق المنتدى بأحزاب تنحدر من خمسة أو ستة أقطار عربية وهو الآن يضم أحزابا من 14 بلدا عربيا، بل إن هناك بلدانا عربية ممثلة داخله بثلاثة أحزاب ( فلسطين والعراق) .
أمام هذا التوسع التنظيمي وأمام الحاجة الملحة لإعطاء المنتدى حياة جديدة، وأمام حاجة شعوبنا ومجتمعاتنا لقيم وغايات الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية الاجتماعية بما هي كرامة وحرية وعدالة اجتماعية، فقد بادرت قيادات الأحزاب المؤسسة وبعض من الملتحقة إلى عقد لقاءات و مشاورات أسفرت عن اتخاذ قرار عقد المؤتمر، وهو ما تم أيام 27 و 28 شتنبر 2024 بالقاهرة.
وبالنظر لأهمية الظرفية العربية وأهمية المؤتمر، فقد مثلت معظم الأحزاب التي حضرت المؤتمر بتمثيليات رفيعة المستوى بقيادة الصف الأول من القادة ، كما هو حال حزبنا ( إدريس لشكر ) والحزب المستضيف ( فريد زهران) وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني ( أحمد مجدلاني ) والمبادرة الفلسطينية ( مصطفى البرغوتي ) ، وحزب التكتل التونسي ( خليل الزاوية) ، والحزب الاشتراكي اليمني ( محمد المخلافي ) والحزب الاجتماعي الديمقراطي بكردستان العراق (رزكار غفور)، والاتحاد الوطني الكردستاني ( زانا بستون علي)، وحركة فتح الفلسطينية ( فرج زيود )، وكذلك كان بالنسبة لباقي الأحزاب المشاركة.
كانت على جدول أعمال المؤتمر قضايا التنظيم والمشروع والبرنامج، ولكن وبالنظر للظرفية العربية الصعبة التي انعقد فيها المؤتمر وخصوصا فلسطينيا ولبنانيا، فقد كان طبيعيا أن تغطي هذه الظرفية على ما عداها من الانشغالات .
ونحن في المؤتمر وصلنا خبر مقتل حسن نصر الله ، فكان طبيعيا أن نتألم لما سيتجرعه أشقاؤنا اللبنانيون، وقبل مجيئنا للمؤتمر كان مقتل إسماعيل هنية، فكان طبيعيا أن نحزن لمعاناة إخواننا الفلسطينيين، ولهذا غطت قضيتا فلسطين ولبنان على أشغال المؤتمر بشكل كبير، وبالإضافة لهذين الموضوعين المشتعلين، فقد طرحت على جدول أعمال المؤتمر، قضايا الديمقراطية الاجتماعية والمجالية والمناخية وحقوق الإنسان والمساواة والشباب والنساء والتنمية، وسبل النهوض باليسار العربي لمواجهة المد الرجعي المحافظ وكثير قضايا أخرى تحظى بالاهتمام.
ما الذي أفرزته أشغال هذا اللقاء، لاسيما في ما يخص تقدير الموقف حول مجريات الوضع في الشرق الأوسط، على خلفية الحرب على غزة، ثم الهجوم على لبنان؟
– بعدما حسم المؤتمر في قضاياه التنظيمية، تغيير الاسم إلى التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي، وبعدما اعتمد قادة الأحزاب كهيئة عليا للتحالف ، وبعدما اعتمد الرفيق فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي رئيسا للتحالف بصفته رئيسا للحزب المستضيف للمؤتمر، وبعدما اختير الرفيق باسم كمال منسقا للجنة التنسيق التي عين فيها كل حزب ممثلا له ، باعتبارها هيئة تدبيرية مساعدة للهيئة العليا ، وبعدما حسم المؤتمر في من سيمثل التحالف الديمقراطي الاجتماعي بالعالم العربي في أجهزة التحالف التقدمي الدولي الذي سيعقد مؤتمره في العاصمة الشيلية سانتياغو في ما يستقبل من الأيام ، فقد وجهت الجهود إلى صياغة بيان عام ختامي للمؤتمر انصب في مجمله على إبراز وتأكيد دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني وإدانة العدوان الإسرائيلي ومطالبة المنتظم الدولي بتحمل مسؤولياته في إعمال ما صدر عنه من قرارات بشأن القضية الفلسطينية.
وأما الجزء الآخر من البيان العام الختامي للمؤتمر، فقد تطرق للقضايا السالف ذكرها في السؤال السابق ، وهي القضايا التي تهم الشعوب العربية، أي قضايا الديمقراطية والتنمية والحرية والعدالة الاجتماعية و المجالية والمناخية وعلاقات شمال – جنوب، وأسئلة التشبيب والجندرة في الحياة السياسية العربية.
ما هي الرؤية لدى الشريك الفلسطيني على وجه الخصوص في تقدير ما يجري وما ستتفرع عنه الحرب الجارية الآن؟
بأسف وألم عميقين، وعن تجربة ودراية ومعاينة في كثير ملتقيات ومؤتمرات من قبيل هذا الذي حضرناه، يمكنني الجزم بأن شقاق وفرقة وتصدع الصف الفلسطيني صار ظاهرة بادية.
قد أتفهم أن يكون هناك خلاف بين هذا الطرف الفلسطيني وذاك ، لو كان الطرفان الحاضران يمثلان فتح وحماس ، أو حماس والجبهتين الشعبية والديموقراطية، أو الجبهتين وفتح ، ولكن أن يقع ما يفوق الخلاف، وليس حتى الاختلاف، بين أحزاب تنتسب لنفس الفضاء والمرجعية والأفق، فذاك أمر غير مستحب بل ومضر ومسيء لهم وللقضية.
هل من المنطقي أن نطالب نحن بالتوحد وراءهم ومعهم وهم متنافرون، متباعدون !؟
لقد لعب وفد الاتحاد الاشتراكي وكاتبه الأول دورا إيجابيا كبيرا في اجتياز طائرة المؤتمر لاضطرابات مقلقة كادت تعصف به بفعل التوتر الفلسطيني – الفلسطيني ، أو الفلسطيني – الأردني ، وبفعل بعض الطموحات المواقعية المغالية، فبفضل المجهود الاتحادي المتجرد من أي رهان أو حساب، استطاع المؤتمر أن ينجز كل مهامه، وأن يضع على رأس أولوياته القضية الفلسطينية وأن ينتخب الأجهزة المسيرة للتحالف، وأن يعطي القدوة والنموذج في كيفية التعاطي المبدئي مع القضية الفلسطينية. ومن باب العتاب الأخوي ، سأقول لإخواننا الفلسطينيين، وخاصة الذين شاركناهم وقاسمناهم وما زلنا التاريخ والتشخيص والرؤية والطموح والألم وحتى الدم ، إذا كان التاريخ والتضحية والرؤية والوسيلة والمرجعية والغاية قد جمعتكم وتجمعكم ، فمن العيب والعار أن يفرقكم موقع هو أصغر وأتفه بكثير من قضيتكم.
ومع ذلك، دعني أقول بأن إخواننا الفلسطينيين الذين حضروا المؤتمر، ورغم حدة ما رشح من خلافاتهم المواقعية فقد توفقوا بدعم الجميع بطبيعة الحال في أن يضعوا القضية الفلسطينية والمستجدات اللبنانية على رأس أولويات واهتمامات المؤتمر من الناحية السياسية.
كانت لك فرصة للاحتكاك بالمصريين والشارع السياسي والإعلامي المصري، ما هو توصيفك لأوضاع المحروسة وتفاعلات الشارع المصري مع الحرب؟
سبق لي أن شاركت باسم الاتحاد الاشتراكي ومثلته في كثير لقاءات ومؤتمرات دولية خارج المغرب وداخله ، ولكن سعادتي كانت غامرة وقد وقع علي الاختيار لأكون ضمن الوفد الاتحادي المشارك في المؤتمر العام للمنتدى الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي بقاهرة المعز عاصمة أم الدنيا / مصر.
لقد منحتني هذه الفرصة الجميلة فرصا أجمل منها لأساهم إلى جانب الكاتب الأول لحزبنا والأخوين مهدي مزواري والحسين الحسني في حسن تمثيل حزبنا ووطننا ، وشهد الجميع بأننا خصصنا كل وقت المؤتمر للمؤتمر، نقاشا واقتراحا وتذليلا للصعاب، وتوطيدا لعلاقات حزبنا وتعريفا بتطورات بلدنا .
في ما يخصني شخصيا، فبالإضافة إلى مساهماتي في كل جلسات ونقاشات المؤتمر ، فقد حظيت بشرف المشاركة بعرض في ندوة «تحديات اليسار العالمي أمام صعود اليمين المتطرف «، كما شاركت في الصياغة النهائية للبيان العام للمؤتمر.
وبموازاة مع ذلك، فقد مكنتني هذه الزيارة إلى قاهرة المعز من تجديد اتصالي بأصدقاء تعرفت عليهم في ما مضى من لقاءات ومؤتمرات ودورات تكوينية حضرتها سابقا وظلت العلاقة معهم متوطدة دافئة ، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ سيد عبد العال رئيس حزب التجمع، أب اليسار المصري، لمؤسسه المرحوم خالد محيي الدين ، والرفيق صلاح عدلي رئيس الحزب الشيوعي المصري، والفاضل أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري. تجدد لقائي بهؤلاء الأصدقاء وغيرهم من المثقفين والإعلاميين والفنانين وعشرات المواطنين مكنني من الإطلاع على بعض ملامح المزاج العام المصري، المطبوع في عمومه بحلاوة وطيب الكلام رغم قسوة الواقع ( تضخم من مستوى غير مسبوق، غلاء، بطالة، لاجئون بالملايين من السودان والعراق وليبيا وسوريا وفلسطين ، الدخول المدرسي والجامعي الذي لم ينطلق إلا يوم 30 شتنبر بما له من متطلبات، المحيط الجغرافي المضطرب…) .
وكلما علم أي ممن التقيناهم وجالسناهم وحاورناهم أو فقط صادفناهم ( نادل مقهى ، سائق طاكسي ، تاجر ، رجل أمن ، بائع كتب …) إلا وعبروا بتلقائية وابتسامة عن تقدير وحب كبيرين للمغرب بعبارات من قبيل أحسن ناس، أهلا بكم في بلدكم الثاني، وكثيرا ما جرى الحديث عن إنجازات المنتخب المغربي لكرة القدم خلال كأس العالم الأخيرة، وهزيمة منتخبهم الأولمبي أمام المنتخب المغربي بستة لصفر في ألعاب باريس الأولمبية واللاعبين المغاربة الذين يزاولون بالدوري المصري، وفريقي الوداد و الرجاء خصوصا ، أما المدن المغربية فهم يعرفونها ويحفظون أسماءها كما نعرف نحن المغاربة أسماء مدنهم و فنانيهم، وكمثال على ما أقول فقد سنحت لي الفرصة للقاء الممثل المصري الكبير أحمد توفيق، وبمجرد ما عرف بهويتي المغرب انشرحت أساريره ووحدثني عن ولعه بزيارة المغرب ساردا علي المدن التي زارها ، كفاس ومكناس ومراكش والبيضاء والرباط وطنجة والداخلة .
حقيقة وطيلة مقامي بمصر، سواء بالقاهرة أو بالإسكندرية، لم ألحظ أي اهتمام زائد عن حده بالوضع الملتهب بالشرق الأوسط، عدا عن متابعة عادية لما يبثه الإعلام. الناس في غالبيتها العظمى منشغلة بتدبر لقمة العيش في حركية شبه دائمة للمجتمع ، لدرجة تحس معها بأن هاتين المدينتين لا تنامان ، بل وأكثر من هذا هناك احترام وتقيد بالأجندات التي كانت مبرمجة سلفا رغم الأجواء الملتهبة في محيط مصر ( مهرجان الإسكندرية الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط، الذي تشرفت بحضور افتتاحه، مؤتمرات وأنشطة دولية كثيرة ، مقابلات رياضية، وفود سياحية كثيرة ) .
على أن ما أجمع عليه كل من تحدثنا إليهم، من خاصة وعامة، هو أن مصر، وبعد انزياح الغمة التي كادت تجثم عليها بعدما سمي ربيعا عربيا ، هي ذاهبة نحو نهضة تنموية واقتصادية و تجهيزية حقيقية ، وهو ما وقفنا عليه أثناء تنقلنا بين أرجاء القاهرة ، وحين تنقلنا من القاهرة إلى الإسكندرية ..
قد لا يكون ما سمعناه وشاهدناه كافيا لإصدار أحكام أو تقييمات، ولكن مصر بموقعها التاريخي والجغرافي و الحضاري والبشري والعسكري و الاقتصادي و الجيوساسي ، كانت وستظل في قلب كل تطورات وتحولات عالمنا العربي، وحاسمة في علاقة العالم العربي بجواره وبغيره من العوالم .
وبالنسبة لنا كمغرب وكمغاربة، ومنذ أن انتفى الزمن الفاطمي، فقد أجمع كل من التقيناهم على أن مصر ودولتها وأهلها وشعبها ونخبها سيظلون خير إخوتنا و»حبايبنا» .