أصدرت محكمة الاستئناف الأوروبية، بتاريخ 04/10/2024، قرارها في الطعن الذي تقدم به كل من اللجنة الأوروبية والمجلس الأوروبي ضد الحكم الذي سبق للمحكمة الاوروبية الابتدائية أن أصدرته بتاريخ 26/09/2021 المتعلق بالاتفاق حول تبادل الرسائل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية المتعلق بالتعديلات على بروتوكول رقم 1 ورقم 4 للاتفاق الأوروبي المتوسطي الذي أنشا شراكة بين الاتحاد الأوروبي ودوله من جهة والمملكة المغربية من جهة أخرى التي ابرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب بخصوص الصيد البحري.
لم تتأخر وزارة الخارجية في التعبير بشكل عميق ومدقق عن موقف المغرب الرسمي السياسي والدبلوماسي حول ذاك القرار، وبالخصوص الإعلان بشكل واضح على أن ذلك القرار لا يهم المغرب، ولن يؤثر على موقفه الثابت من قضيته الوطنية؛ وهو الموقف الذي أتى ترجمة لما سبق لجلالة الملك أن رسم به حدود تعامل الدول مع المغرب عندما أكد أن المغرب ينظر في علاقاته الخارجية من منظار وحيد هو قضية المغرب والمغاربة الأولى، وهي القضية الوطنية.
ومن المفيد الإشارة، بالإضافة للموقف الرسمي لبلادنا، إلى أن الاهتمام بالجانب القانوني له كذلك أدوار فاعلة ومؤثرة، وأن اعتماده والاستناد إليه في كل التحركات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية من شأنه أن يعزز النجاحات الكبرى التي حققها المغرب ويذكر بالشرعية القانونية التي يعتمدها المغرب في الدفاع عن أرضه.
إن ذلك القرار وضع المحكمة أوروبية خارج الاتحاد الأوروبي، وخارج القانون الدولي ومؤسساته الأممية، من عدة وجوه، كما يتبين مما يلي:
الوجه الأول:
عدم انتباه المحكمة للتحول الذي عرفته الدول الأوروبية بخصة القضية الوطنية
إن المستجد اليوم هو أن قرار محكمة الاستئناف الأوروبية لم ينتبه للتحول الذي عبرت عنه عدة دول أوروبية بالتحاقها وتدعيمها لموقف المجلس الأوروبي واللجنة الاوربية في معارضتهما لإلغاء الاتفاقية المبرمة مع المغرب.
وهكذا وبالرجوع الى الحكم الابتدائي يتبين منه أن المجلس الأوروبي لم يكن مدعما إلا من طرف الدولة الفرنسية وحدها.
لكن بالرجوع إلى قرار محكمة الاستئناف الأوروبية يتبين منه أن عدة دول التحقت بالدولة الفرنسية وعبرت عن إرادتها القوية في الدفاع من أجل الابقاء على الاتفاقية مع المغرب. وهذه الدول هي: الدولة الاسبانية، والدولة البلجيكية، والدولة الهنغارية، والدولة السلوفينة. وهذا التنوع الجغرافي للدول التي تدخلت أمام محكمة الاستئناف الأوروبية لدعم الإبقاء على الاتفاقية مع المغرب يترجم اتساع عدد الدول التي أصبحت تتفهم موقف المغرب من قضيته الوطنية. كما يترجم التحول في المواقف الذي بدأت تعرفه عدد من الدول الأوروبية.
إن الوجه البارز لهذا التحول هو الموقف الذي اتخذته اليوم الدولة الاسبانية بتدخلها في الدعوى القضائية كطرف للدفاع عن الإبقاء على الاتفاقية مع المغرب. وهو موقف مختلف بشكل جذري عن موقفها يعد إصدار المحكمة الأوروبية الابتدائية للحكم، عندما صرح ممثل وزارة الخارجية الاسبانية بأنهم سيحترمون قرار المحكمة.
الوجه الثاني
عدم انتباه المحكمة الأوروبية إلى أنها ليست محكمة دولية
إن محكمة الاستئناف الأوروبية ليست هي محكمة العدل الدولية التي تعتبر مختصة في إصدار أحكامها ضد كل الدول باعتبارها آلية تابعة للأمم المتحدة. بل هي، أي المحكمة الأوروبية، مقصور اختصاصها مجال النفوذ الترابي للدول الأوروبية، وفي الأشخاص المنتمين للدول الأوروبية.
وان ما لم تنتبه له تك المحكمة هو أن اهم واكبر الدول الأوروبية التي أسست الاتحاد الأوروبي وأسست تلك المحكمة كلها اليوم تعترف بسيادة المغرب على اقاليمه الصحراوية. وعلى رأسها اسبانيا المانيا وبلجيكا وأخيرا فرنسا. وهو ما يجعل تلك المحكمة متناقضة مع المواقف الرسمية لأكبر الدول المكونة للاتحاد الأوروبي.
الوجه الثالث
عدم انتباه المحكمة لتناقضها مع قرار سابق لها
وهو أن المحكمة في قرارها المشار إليه أعلاه عندما قبلت الدعوى التي قدمتها ما يسمى بـ” البوليزاريو” للطعن في اتفاقية ليس هي طرفا فيها تكون قد تناقضت مع قرار سابق للمحكمة الأوروبية.
ذلك أن أهم معيار للتحقق من إضفاء الشرعية على أي حكم قضائي لأي هيئة قضائية وطنية أو إقليمية أو دولية هو البحث في مدى احترامها للأحكام التي سبق لها أن أصدرتها وألا تتناقض معها، حتى لا تفقد مصداقية ذلك الحكم، وبالتالي تفقد الشرعية التي تغطيه.
غير أن الأمر مختلف عندما نعود إلى القرار الصادر في 04/10/2024 والذي اعتبر أن ما يسمى بـ “البوليزاريو” هو ممثل للمغاربة المقيمين في الأقاليم الصحراوية، بدون أن يستحضر ما سبق لنفس المحكمة أن وقفت عليه بخصوص الوضعية القانونية لما يسمى بـ”البوليزاريو”.
فبالاطلاع على حكم سابق لنفس المحكمة الأوروبية صدر في 10/12/2015 عن الغرفة الثامنة بلوكسمبورغ تحت رئاسة القاضي D.GRATISIAS، والذي هو نفس القاضي الذي عين كمقرر في الحكم الابتدائي للمحكمة الأوروبية بتاريخ 26/09/2021، يتبين منه أنه وقف على أن ما يسمى ب” البوليزاويو” ليس لها أي وضعية قانونية تؤهلها لرفع أي دعوى أمام المحكمة الأوروبية.
وبالرجوع إلى الحكم الأول الصادر في 2015 يتبين منه أنه وقف على انتفاء صفة وأهلية ما يسمى “جبهة البوليزاريو” بعدما تحقق من كونها ليست لها الشخصية القانونية، وهو الامر الثابت مما ضمنه حكم المحكمة الأوروبية الصادر في 10/12/2015 المشار إليه أعلاه ان من بين الشروط المنصوص عليها في المادة 263 منTFUE (Traité De Fonctionnement De Union Européenne) أن تكون الجهة التي تطعن في أي قرار من قرارات المجلس الأوروبي معنية بصفة مباشرة وفردية به. إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
“Les actes dont elle ont destinataire ou qui la concernent directement et “individuellement.
والغريب في الأمر أن المحكمة الأوروبية تحققت من عدم توفر ما سمي بـ “جبهة البوليزاريو” على أي من الشروط المذكورة في المادة 263 في حكمها الأول.
وبالفعل فإنه بالرجوع إلى الفقرة 23 من قرار المحكمة الاوروبية الصادر في 10/12/2015 يتبين منه أن هذه الأخيرة لاحظت أن ما سمي بـ “جبهة البوليزاريو” لا تتوفر على الشخصية القانونية وهو ما دفع بالمحكمة الأوروبية الى مطالبة هذه الأخيرة بإثبات أنها تتوفر على وضعية قانونية تؤهلها لتقديم الطعن. هو ما ضمنته في تلك الفقرة التي ورد فيها ما يلي:
” 23- A la suite du dépôt, le 16 Novembre 2013, du mémoire en défense du conseil, le Tribunal a demandé au requérant, dans le cadre d’une mesure d’organisation de la procédure de répondre à certain questions, dans ce contexte , il a notamment “invité à indiquer, preuve à l’appui, s’il était constitué en personne moral selon le droit d’un état internationalement reconnu.
غير أن ما سمي ” بالبوليزاريو” لم تستطع تقديم أي حجة على كونها تتوفر على الشرط القانوني المذكور في المادة 263 المشار اليها أعلاه. وهو العجز الذي أشهد عليه حكم المحكمة الأوربية الأول في الفقرة رقم 38 التي ورد فيها:
“Le requérant n’avant pas joint à sa requête de document tels que ceux prévues à l’article 44, paragraphe 5 du règlement de procédure du 2 mai 1991 à la suite de la fixation d’un délai par le greffe aux fins de régularisation de la requête il a produit des extraits de ses statuts, un mandat à son avocat établit par une personne habilité à cet effet par les dits statuts, à savoir par son secrétaire général, ainsi que la preuve de l’élection de ce dernier.
En revendre, il n’a pas produit de document additionnels pour prouver qu’il disposait de la personnalité juridique.
بل إن حكم المحكمة الأوربية الأول تضمن تأكيدا واعترافا من قبل ما سمي ب ” جبهة البورليزاريو” بكونها لا تتوفر على أي وضع قانوني إذ ورد في الفقرة 40 من القرار ما يلي:
“40, En réponse aux questions du Tribunal, le requérant a déclaré ce que suit :
Le front Polisario n’est constitué en personne moral selon le droit d’aucune Etat internationalement reconnu ou pas, pas plus qu’un état étranger ou que l’Union Européenne, elle- même, le Front Polisario ne serait tiré son existence légale du droit interne d’un état.
وبالرغم من اعتراف ما يسمى بجبهة البوليزاريو بكونها لا تتوفر على الشخصية القانونية، وبالرغم من إشهاد المحكمة على كل ذلك، إلا أن هذه المحكمة الأوروبية ستبحث لها عن تبريرات من ملفات تتعلق بشركات ذات طابع تجاري.
ذلك أنه بالرجوع إلى الفقرات 46 إلى 54 من حكم المحكمة لسنة 2015 سنلاحظ أن المحكمة الأوربية ذهبت إلى الاعتماد على “اجتهادات وسوابق” jurisprudences” قصد البحث لما سمي بـ “جبهة البوليزاريو” عن ما يبرر قبول طعنها بالرغم على كل ما سبق بيانه.
لكن بالاطلاع على كل الاجتهادات التي اعتمدتها المحكمة الأوربية سيلاحظ أنها تتعلق:
1-بشركات تجارية أو مقاولات وليس بنزاع بين الاتحاد الاوروبي ودول أخرى
2-أن كل هذه الشركات والمقاولات هي أوروبية كانت في نزاع مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي
بينما الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوربي ليس بين شركات أوروبية فيما بينها، وليس بين المغرب و شركة تجارية أوروبية خاصة، بل هو نتيجة علاقة سياسة خارجية مندمجة بين الاتحاد الأوروبي كفضاء لكل الدول الأوروبية من جهة، والمملكة المغربية غير العضو فيه من جهة أخرى.
فكيف تطبق على وضعية المغرب الأحكام التي صدرت بين شركات تجارية خاصة أوروبية. وهو السؤال الذي لم يستطع الحكم الجواب عليه في حيثياته. وهو العجز الذي ضمنته المحكمة الأوروبية في حكمها الأول في الفقرة 60 منه الذي تشهد فيه بكون ما سمي بجبهة البوليساريو ليس لها الشخصية القانونية لكن ومع ذلك حكمت بأنه يجب اعتبار أن لها تلك الشخصية، إذ تنص الفقرة على ما يلي:
“Compte tenu de ces circonstance fort particuliers , il convient de conclure que le Front Polisario doit être considérer comme une personne morale au sens de l’article 263,quatrième alinéa ,TFUE et qu’il peut introduit un recours d’annulation devant le juge de l’Union Européenne, quand bien même il ne disposerait par de la personnalité juridique selon le droit d’un état membre où d’un état tiers. En effet, ainsi que cela a été relevé ci-dessus, il ne serait disposé d’une telle personnalité que conforment au droit du sahara occidentale, qui n’est tout fois, à l’heure actuelle, pas un état reconnu par l’Union et ses état membre et ne dispose pas de sa propre loi.
الخلاصة من هذا التعليل هو أن حكم المحكمة الأوربية الأول وقف على عدم توفر ما سمي ب “جبهة البوليزاريو” على الشخصية القانونية وهو ما صرحت به هي نفسها أمام تلك المحكمة.
وبالرجوع إلى قرار محكمة الاستئناف الصادر في 04/10/2024 في فقراته رقم 72 و89 و90 وما بعدها نجده تبنى التعليل والتفسير المخالف لكل القوانين الأوروبية التي ذهب إليها حكم المحكمة الأوروبية الأوربية الصادر في 29/09/2021 القضية 19/209. مع انه صدر عن نفس القاضي المقرر السيد D.GRATISIAS الذي كان مكلفا بنفس القضية في الحكم الصادر في سنة 2015. لكنه تراجع عن كل ما سبق أن أثبته من انعدام صفة وأهلية ما يسمى ب “جهة البوليزاريو”، أي انعدام الشخصية القانونية كما هي مفصلة أعلاه، وضمن الحكم الصادر في 26/09/2021 في الفقرات 82 إلى 101 من حكمه الجديد كون أن ما يسمى بـ “جبهة البوليزاريو” هي الممثل الوحيد والشرعي للصحراويين.
وفعلا فإنه بالرجوع إلى الفقرات 82 إلى 101 من الحكم الصادر في 26/09/2021 يتبين بكل وضوح أن حكم المحكمة الاوروبية الأخير اختار فقرات من قرار محكمة الاستئناف الأوروبية، الذي سبق أن الغت حكم المحكمة الأوروبية الأول، التي تتكلم عن الشعب الصحراوي بخصوص الإجراءات التي يرعاها مجلس الأمن للأمم المتحدة، والتي هي إجراءات سياسية صرفة وليست قانونية، ترمي إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن الرامية إلى الوصول إلى حل سياسي مقبول في جميع الأطراف.
لكن، اعتماد المحكمة الأوروبية على إجراءات سياسية ليس الاتحاد الأوروبي طرفا فيها ولا هو من يشرف عليها، لإضفاء الشخصية القانونية على ما سمي بـ “جهة البوليزاريو”، أي أن تصبح هي المثل الشرعي والوحيد لما سمي بـ ” الشعب” الصحراوي، هو تعليل فاقد للشرعية القانونية التي يجب أن تحكم قرار المحكمة الأوروبية.
وإنه مما يعزز كون المحكمة أوروبية عجزت عن الوصول إلى سند قانوني لإضفاء صفة الممثل الشرعي والوحيد على ما سمي بـ ” جهة البوليزاريو” هو اضطرارها للإشارة إلى ما اعتبرته موقف كل من المجلس الأوروبي واللجنة الأوروبية الدولية الفرنسية والفدرالية المغربية للفلاحة من كونهم لم ينازعوا في الإجراءات السياسية التي يشرف عليها مجلس الأمن للأمم المتحدة، كما هو واضح من الفقرة 102 من حكم المحكمة موضوع كهذا المقال التي ورد فيها ما يلي:
102 les arguments du conseil, de la république française, de la commission et de la Comader ne remettent pas en cause cette conclusion.
لكن هذا التبرير ستغيره المحكمة الأوروبية في حكمها الأخير وستتراجع على سبق لها أن وقفت عليه من انتفاء الوجود القانوني لما سمي بـ ” جهة البوليزاريو”، من أجل أن تحشرها ضمن الأشخاص الذين لهم الصفة والأهلية القانونية للطعن في قرارات مؤسسات الاتحاد الأوروبي المحددين حصرا في المادة TFVE 263، إذ ضمنت المحكمة الأوروبية هذا التراجع في الفقرة 101 من قرارها والتي ورد فيها ما يلي:
Au vu de l’ensemble de ces circonstances le requérant ((أي ما يسم بجبهة البوليزاريو doit être qualifié de personne morale, au sens de l’article 263 quatrième alinéa, TFUE , disposant de les capacité d’ester en justice devant la juridiction de l’Union aux fins d’introduire le présent recours…….
وهذا التبرير يثبت تناقض المحكمة الأوروبية بين ما سبق لها أن وقفت عليه في حكمها الأول الصادر بتاريخ 10/12/2015 من انعدام الشخصية القانونية لما يسمى بـ “جبهة البوليزاريو”. مع حكمها الصادر في 26/09/2021، ومع قرارها الأخير الصادر في 04/10/2024، الذي قبلت فيه طعن من جهة تحقق من عدم توفرها على أي وضعية قانونية، وتحقق من كونها غير معترف بها كدولة لا من قبل الأمم المتحدة ولا من قلل الاتحاد الأوروبي التي تعتبر المحكمة جزء منه.
الوجه الرابع
عدم انتباه المحكمة الى تناقضها مع وثيقة تأسيس الاتحاد الأوروبي
من المعلوم ان الاتحاد الأوروبي أسس بين الدول الأعضاء فيه بناء على وثيقة التأسيس التي هي بمثابة دستور للاتحاد الأوروبي والتي تحكم علاقته مع الدول الذين ينتمون اليه وعلاقة الدول التي تنتمي اليه فيما بينها. والمسماة) TFUE) اي(Traité De Fonctionnement D l’Union Européenne)
وانه بالرجوع الى المادة 275 من تلك الوثيقة نجدها تمنع على المحكمة الأوروبية التدخل في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
La Cour De Justice de l’Union Européenne n’est pas compétente en ce qui concerne les dispositions relatives à la politique étrangère et du sécurité commune, ni en ce qui concerne les actes adoptés….
وانه يتبين ان دستور الاتحاد هو نفسه يمنع على المحكمة الأوروبية التدخل في المقتضيات المتعلقة بالسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وانه من غير المنازع فيه ان المعيار في تحديد التفرقة بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية هي ان هذه الاخيرة تهم العلاقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد. بينما السياسة الخارجية تتعلق بالأعمال التي يقوم بها الاتحاد او الاتفاقيات التي يبرمها الاتحاد الأوروبي كمجمع للدول مع دولة اجنبية على أعضاء الاتحاد.
غير ان المحكمة الأوروبية تدخلت في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبية من جهة. كما حشرت ما يسمى “جبهة البوليزايريو” في قضية وكأنها دولة اوربية. مع انه تبث لها بكونها لا تتوفر على الشخصية القانونية لأي دولة من دول العالم. وهو ما اعترفت به تلك الجبهة كما سبق بيانه.
غير انه من الملفت ان في ذلك الحكم ان المجلس الأوروبي واللجنة الأوروبية لم يتمسك أيا منهم بكون المحكمة الاوربية غير مختصة وخرقت الفصل 275 المشار اليه أعلاه. وهو امر مثير التساؤل.
وان المحكمة الأوروبية امام عدم تمسك أي طرف بعدم اختصاصها , دافعت ضمنيا على اختصاصها وبصفة تلقائية عبر تبرير وضع يدها على القضية بالإشارة الى الفصل 263 من TFUE من أجل إعطاء شرعية لتدخلها في موضوع يتعلق بالسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وبالفعل فإنه بالرجوع الى الفقرة 82 من حكم المحكمة الصادر في 26/9/2021 الذي تبناه القرار الصادر في 4/10/2024 يجده تتضمن ما يلي:
A titre liminaire, il convient de rappeler qu’au terme de l’article 263 quatrièmes alinéa, TFUE toute personne physique ou morale peut former, dans les conditions prévues aux premières et du deuxième alinéa de cet article, un recours contre actes dont elle est le destinataire
وانه يتبين من هذه الفقرة ان المحكمة الأوروبية قررت تلقائيا وفي مستهل حكمها (A titre liminaire)
بكونها مختصة, ليس بناء على الفصل 275 , بل اعتمدت على الفصل 263 من TFUE الذي يتعلق بمن له الحق في الطعن من أعضاء الاتحاد الأوروبي او مواطنيه الذي تمسهم بصفة فردية individuelle بعض القرارات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي.
وانه حتى إذا ما سايرنا ما ذهبت اليه المحكمة الاوربية من اعتماد الفصل 263 فإن هذا الفصل يتعلق فقط ب (Les actes) أي عندما يصدر الاتحاد الأوروبي ) Acte ( وليس اتفاقية (traité). مع بلد أجنبي عن الاتحاد الأوروبي. علما ان هناك فرق بي(les actes ) التي يتخذها الاتحاد الأوروبي و بين(les traités)
و انه مما يعزز ان (les actes) تتعلق وتهم أعضاء الاتحاد الأوروبي من دول او مواطنين هو ان TFUE تلزم الدول بان تدخل تلك (Les actes) في قوانينها الداخلية وتنشرها في وثائقها الداخلية. لأنها تتعلق بكل شخص ذاتي او اعتباري أوروبي تضرر منها وبالتالي يحق له الطعن فيها.
لكن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ أي قرار الحق ضررا بأي مواطن او دولة أوروبية واستفاد منه المغرب حتى يمكن للمحكمة الأوروبية التدخل فيه وتقرر الغاؤه. مما يتبن ان ما قامت به المحكمة الأوروبية هو خرق للقانون الأساسي للاتحاد الأوروبي.
غي انه لم يظهر لي, وقد أكون مخطأ, ان المجلس الأوروبي واللجنة الأوروبية قد تمسكا بالدفع المتعلق بعدم اختصاص المحكمة الأوروبية أمام محكمة الاستئناف ما دامت الاتفاقية المبرمة من الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية تدخل في اطار السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبية التي تخرج عن اختصاص المحكمة الأوروبية طبقا للمادة 275 من TFUE.
الجانب الخامس
عدم انتباه المحكمة لتناقضها مع قرارات البرلمان الأوروبي:
أن ما قضت به المحكمة الأوروبية لم يقف عند تناقض هذه الأخيرة مع حكمها السابق ولم يفق عند تناقضها مع القانون الأساسي للاتحاد الأوروبي، بل أن ما قضت به تناقض حتى مع قرارات أهم مؤسسة في الاتحاد الأوروبي وهي البرلمان الأوروبي, باعتبار ان هذا الأخير هو المعبر عن إرادة الأمة الأوروبية. على جميع افراد الاتحاد الأوروبي.
ويتجلى ذلك التناقض في كون البرلمان الأوروبي يعترف بسلطة المغرب على كل أقاليمه بما فيهم الاقاليم الصحراوية. وهو الاعتراف المتجلي:
1-في اشهاده على صحة ومصداقية الاستفتاء على دستور 2011 الذي شارك فيه المواطنون المغاربة في اقاليم الصحراوية.
2-في اعتباره أن الانتخابات التشريعية والإقليمية والجهوية التي أجريت في اقاليمنا الصحراوية هي انتخابات صحيحة ومطابقة للشرعية ومعبرة على الإرادة العامة لسكانها.
وبالفعل فإنه بالرجوع إلى التقرير الذي قدمه المجلس الأوربي “Conseil” إلى البرلمان حول تقييمه لحقوق الإنسان في العالم لسنة 2014 نجده يتضمن الخلاصة التي وصل إليها خبراء الاتحاد الأوربي الذين ساهموا في أنجاز تقرير حول حقوق الانسان في المغرب قدم للبرلمان الأوربي , والذين وقفوا على واقع حقوق الانسان في التراب المغربي بما فيه أقاليم الصحراء المغربية, معتمدين على المعايير الدولية في صياغة التقارير التي ينجزها الخبراء والتي تعتمد في نقل الوقائع كما هي على ارض الواقع بدون اي تحيز و بكل موضوعية.
فالتقرير الذي يتكون من 384 صفحة انجزه الممثل الخاص للاتحاد الاوربي لحقوق الانسان السيد Stavros Lambrinidit والذي اشتغل تحت سلطة وإشراف نائب رئيس المجلس الأوربي معتمدا على التوجيهات التي رسمها السفراء أعضاء اللجنة السياسية والأمنية COPS بالمجلس الأوربي وبتنسيق مع SEAE (Le service européen pour l’action extérieure) ومصالح اللجان والبرلمان الأوربي.
فذلك التقرير لا ينقل خواطر لبعض الأطراف التي قد تكون لها ميول أو حسابات سياسية، وإنما هي خلاصة لعمل علمي لمؤسسات البحث والتقصي مختلفة عن بعضها البعض اعتمد عليها الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الانسان لإنجاز تقريره حول حقوق الإنسان في العالم من منظور الاتحاد الأوروبي لسنة 2014, بما فيها المغرب الذي خص بالصفحات 184 ونصف الصفحة 185.
كما تناول ذلك التقرير وضعية حقوق الانسان فيما سماه “Sahara occidental ” وخصص لها نصف الصفحة 185 والصفحة 186، اي مباشرة بعد تناوله للمغرب مع خلاصاته حول وضع حقوق الانسان بالمغرب. اي ان المقرر اعتبر ان تناول حقوق الانسان في المغرب مع ما سماه بالصحراء الغربية هو وحدة لا تتجزأ.
غير أن الملفت في هذه الفقرة هو أن التقرير يعترف بسلطة الدولة المغربية ومؤسساتها على ما سماه ب “Sahara occidental ” وهو الاعتراف الواضح مما ضمن في تلك الصفحات كما يتبن فيما بعد.
فبعدما أكد التقرير على الانشغال بطول أمد الصراع في القضية الصحراء شدد على ما يخلقه ذلك الوضع من آثار على الأمن وعلى احترام حقوق الانسان والتعاون في المنطقة، معتمدا على الخصوص على قرار مجلس الأمن رقم 2099 (2013) الذي اكد على ان حل النزاع المفتعل في الصحراء لن يكون إلا سياسيا و مقبولا من طرف الجميع مشيرا الى الاقتراح الذي تقدم به المغرب من أجل وضع حد لهذا النزاع .
غير أن ما يلفت النظر هو اعتراف التقرير بالمؤسسة الدستورية المغربية اي المجلس الوطني لحقوق الانسان باعتبارها تشتغل في كل من الداخلة والعيون إذ ورد في الصفحة 186 من ذلك التقرير:
……”Et a salué le renforcement des commissions du conseil de l’homme présent à Dakhla et Laayoune
بل أن التقرير المذكور لم يكتف بالاعتراف بشرعية اشتغال مؤسسة دستورية للدولة المغربية في كل من الداخلة والعيون، بكل ما يعني ذلك من اعتراف ببسط سلطة الدولة المغربية في تلك المناطق، بل أن التقرير ذكر بكون الاتحاد الاوروبي مول ودعم ماليا هذه المؤسسة الدستورية للدولة المغربية في مهامها في كل من الداخلة والعيون إذ ورد في الصفحة 187 من ذلك التقرير ما يلي:
“En 2013 UE a signé un programme d’aide à la coopération bilatérale intitulé “Protection et promotion des droits de l’homme ce programme، en cours de mise en œuvre contribue notamment à renforcer les capacités institutionnelles du Conseil National des Droits de l’Homme )CNDH( et de ses commission régionales ainsi que celle présents à Dakhla et à Laayoune.
بل ان التقرير سيعترف بكون المجلس الوطني لحقوق الانسان مؤهل لمراقبة ومتابعة قضايا حقوق الانسان في هذه المنطقة إذ اضاق الممثل الخاص الاوروبي في تقريره ما يلي:
le CNDH sera renforcé en ce qui concerne ses compétences professionnelle et sa capacité à observer la situation des droits de l’homme.
فإذا كان التقرير المنجز من قبل الخبراء والهيئات العليا في الاتحاد الاوروبي تعترف لمؤسسة من مؤسسات الدستورية للدولة المغربية بشرعية وقانونية تواجدها في اقليمنا الجنوبية وحقها في اشتغالها في كل من الداخلة والعيون، بل واعترافها بأن تلك المؤسسة مؤهلة لملاحظة وتتبع قضايا حقوق الانسان في الصحراء.
غير إنه بالرجوع الى قرار المحكمة الأوروبية نجده نقل في حيثياته عدد من القرارات والتقارير بينما لم يشر لهذا التقرير المهم مع انه له صله بالنزاع المعروض عليه.
وبالفعل فإن البرلمان الاوروبي أو أي دولة أو هيأة دولية عندما تعترف بمشروعية اجراء انتخابات في منطقة معينة ومن طرف دولة معينة, فإنها تعترف بكون تلك الدولة التي نظمت تلك الانتخابات لها السيادة على تلك المناطق. وتملك شرعية تمثيلية مواطني تلك المناطق. وشرعية تواجدها في تلك المناطق وتملك شرعية بسط سلطتها على تلك المناطق.
وبالعودة للبرلمان الاوروبي نجده اعترف بشرعية تنظيم المغرب للانتخابات في أراضيه الصحراوية سنة 2011 وهو ما يعني، في القانوني الدولي, بكونه يعترف للمغرب ببسط سيادته وسلطته على تلك المناطق.
وبالفعل فإنه بالرجوع إلى مقررات البرلمان الأوروبي المتعلق بتقييم علاقة الشراكة من أجل الديموقراطية بينه وبين المغرب المنجز اخير نجدها تضمنت في الفقرة 6 منه ما يلي:
“L’assemblée note avec satisfaction que le Maroc à fait un pas important sur le voie des réformes démocratiques en adoptant en juillet 2011, la nouvelle constitution qui concerne certains principes essentiels comme l’attachement aux droits de l’homme universellement reconnus…..
فهذه الخلاصة هي اعتراف من البرلمان الاوروبي بسيادة و سلطة المغرب على كل ترابه لان دستور 2011 استفتي فيه الشعب المغربي بما فيه اخواننا في المناطق الصحراوية .
بل أن البرلمان الأوروبي ذهب في ذلك الاعتراف الى أبعد من ذلك عندما اعترف بحق المغرب في تنظيم الانتخاب التشريعية في المناطق الصحراوية سنة 2011 وهي انتخابات التي نظمها المغرب في جميع ترابه بما فيه مدن الصحراوية من العيون والداخلة ولكويرة وغيرها، إذ نص البرلمان الأوروبي في الفقرة 10.6 على ما يلي:
“10.2 : note que, en dépit des irrégularités signalées la plupart des observateurs nationaux et internationaux y compris une commission ad hoc de l’assemblée ont fait un bilan positive des élections législatives anticipé de 2011.
فالبرلمان الأوروبي عندما اعترف بشرعية الانتخابات التشريعية التي نضمها المغرب في سنة 2011 فهو يعترف بسيادة وشرعية تواجد الدولة المغربية من جهة. ويعترف بان المنتخبين في تلك الانتخابات هم الممثلون الشرعيون لكل مواطني الأقاليم الصحراوية.
وفي هذا السياق اي سياق الاعتراف بسيادة المغرب وبتواجد واشتغال المؤسسات الدستورية للمغرب (المجلس الوطني لحقوق الانسان). من جهة. والاعتراف بحق الدولة في تنظيم الاستفتاء والانتخابات البرلمانية والإقليمية في المناطق الصحراوية، يكون البرلمان الأوروبي قد اعترف بحق المغرب في التواجد وتمثيل كل التراب المغربي بما فيه المناطق الصحراوية. وحقه في مراقبة وضمان حقوق الانسان مثلما يقوم به في باقي مناطق المملكة.
وهذه الحقائق الثابتة في وثائق البرلمان الأوروبي ابعدها حكم المحكمة الأوروبية. ولم يلتف اليها مع انها توجد رهن اشارته. في الوقت الذي بدل جهدا للبحث على ما يثبت توفر ما يسمى بجبهة البوليزاريو على الشخصية القانونية. وعندما استحال عليه الامر تجاوز كل الحجج واسند لها تلك الشخصية القانوني من عنده. كما سبق بيانه أعلاه.
الوجه السادس
تناقض المحكمة الأوروبية مع قرارات مجلس الامن
بالرجوع الى الفقرات من 1 الى 18 من حكم المحكمة الأوروبية الذي تبناه قرار المحكمة الاستئناف الاوروبية في 4/10/2024 نجد ان هذه الأخيرة نقلت فيه ما اعتبرته تاريخ للنزاع تحت عنوان (Contexte international)
غير ان المتمعن فيما ضمن في الفقرات الثمانية عشر سيلاحظ انها توقفت في سنة 1990. بينما لم تشر الى التحول الذي عرفتها قرارات مجلس الامن بعد سنة 1990 وعلى الخصوص ابتداء من سنة 2007 عندما حذفت من قرارات مجلس الامن الاشارة الى الاستفتاء كحل للقضية الوطنية.
وبمان مجلس الامن لم يصدر بعد أي قرار يعترف فيه بما يسمى بالجمهورية الصحراوية , فان اعتبار المحكمة الأوروبية بان ما يسمى بجبهة البوليزاريو هي الممثل لما للشعب الصحراوي تكون تلك المحكمة قد تدخلت فيما الاختصاص الحصري لمجلس الامن وهو الاختصاص الذي اتفقت عليه كل دول العالم وكل المنظمات الدولية بما فيها الاتحاد الافريقي.
وانه يتبين من كل ما سبق ان قرار المحكمة الأوروبية صدر في تناقض مع كل الشرعيات المشار اليها أعلاه.