بعد عام من الصمود .. سكان غزة يعيشون بين 17 مليون طن من الأنقاض

 

لنتحدث عن «غزة»، المنطقة التي دمرتها (بشدة) سنة (7 أكتوبر) من الحرب.. حيث تترك كل قنبلة ندوبًا عميقة على المدن والحياة والناس.. وبين الركام واليأس، تبدو إعادة الإعمار أملا (حلماً) بعيد المنال، بينما يكافح الغزاويون (ساكنة غزة) من أجل البقاء.

عام من الحرب: غزة مدمرة في كل شبر!

منذ 7 أكتوبر 2023، انزلقت غزة في حرب لا نهاية لها، تميزت بطوفان من القصف الإسرائيلي، ردًا على هجوم «حماس» على «إسرائيل». ففي عام واحد، خلفت التفجيرات ما يقرب من 42 ألف قتيل، (وفقًا لوزارة الصحة في غزة). في هذه الرقعة من أرض «فلسطين»، والتي تعتبر مكتظة بالسكان لحد لا يمكن تصديقه (تبلغ مساحتها 360 كيلومتر/مربع)، والتي كانت تؤوي قبل النزاع أكثر من 2 مليون نسمة، تحولت اليوم إلى أرض جرداء وساحة خراب متناهية الكبر.
فعلى مدار الأشهر الأخيرة، أجبر الدمار الهائل لقطاع «غزة» أكثر من 95 % من السكان (أو 1.9 مليون شخص)، على مغادرة منازلهم وفقًا للأمم المتحدة، بينما لا يزال 11% فقط من الأراضي صالحة للسكن، حيث يضطر السكان إلى العيش في مناطق مكتظة، وتحت وطأة وضغط قبضة أزمة إنسانية غير مسبوقة.

التدمير الممنهج والمتعمد للهوية الجماعية الغزاوية/الفلسطينية

لا تنحصر عواقب التفجيرات والهجمات الإسرائيلية على قطاع في كونها جسدية فقط. ذلك أن «غزة» (اليوم كما في السابق) تشهد «إبادة حضرية» حقيقية – مصطلح يشير إلى «التدمير المنهجي للبنية التحتية للمدينة ورموزها الثقافية» – حيث تصف عالمة الأنثروبولوجيا «فيرونيك ناحوم جرابي» هذه الفكرة بأنها: «قتل للمدن، حيث يتم تدمير أماكن العبادة والمساحات الثقافية وحتى أماكن التواصل الاجتماعي عمدًا».
فقد أثرت التفجيرات المستهدفة لكل من: المستشفيات، المدارس، دور العبادة، على البنية التحتية الأساسية، والمنازل بطبيعة الحال. كما يواجه السكان- المحرومون أصلا من الرعاية الطبية- نقصاً حاداً في أساسيات الحياة: مياه الشرب، الغذاء والدواء. إذ أصبحت أرض «غزة» التي كانت تعج بالحركة في يوم من الأيام الآن «أرضًا قاحلة من الأنقاض».

الحطام على مد البصر: غزة، قنبلة بيئية موقوتة!

أجرى «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» تقييما (شهريا) للحطام في «غزة». في نونبر 2023، بلغ حجم الحطام المتراكم 3.9 مليون طن، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 37.5 مليونًا في مارس 2024، قبل أن يصل إلى مستوى قياسي يبلغ 42.2 مليون طن في يوليوز 2024 (ما يعادل 11 هرما بالجيزة).
تعد غزة اليوم، واحدة من أكثر «حقول الأنقاض» كثافة على الإطلاق، متجاوزة مدنا مدمرة أخرى مثل: «حلب» أو «الموصل». ووفقا للمتحدث باسم نفس البرنامج الأممي «حسن بارتو»، فقد تأثر حوالي 63% من المباني في «غزة»، منها 58% تضررت بشكل جزئي فقط غير أنها لا تزال مستهدفة في القتالات أو الهجمات العسكرية في المستقبل، في حين لا يزال حوالي 37% من المباني سليمة حتى الآن، لكن تدميرها مسألة وقت فقط إذا ما استمرت الحرب.

النظام الصحي في غزة.. منهار قبل وبعد 7 من أكتوبر!

يتكون هذا الحطام بشكل رئيسي من «الخرسانة»، غير أن الخطر الحقيقي يكمن في مادة «الأسبستوس» (مادة كيميائية شديدة السمية، تسبب «داء الأسبست»، وهو مرض رئوي مزمن تتسبب فيه «ألياف الأسبستوس» عند استنشاقها).
ويقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، كذلك، أن 2 مليون طن من هذه الانقاض ملوثة بـ»الأسبستوس». وبالإضافة إلى ذلك، يتم إخفاء الذخائر غير المنفجرة بين الأنقاض، مما يشكل خطراً كبيراً على السكان.
إن التلوث الناتج عن القصف الإسرائيلي، له تأثير مباشر على صحة السكان في القطاع. ومنذ بدء الحرب في القطاع، تم الإبلاغ عن أكثر من 586 ألف حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي الحادة، حيث يتسبب الغبار المتكون من بقايا الخرسانة المسحوقة مع المواد البلاستيكية المحروقة في تسميم الهواء، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل الجهاز التنفسي لدى الغزاويين.

مهمة إزالة حطام الحرب.. أسطورية كمهام هرقل ال12!

مع وجود أكثر من 42 مليون طن من الحطام، تواجه غزة تحديا هائلا في إزالة الحطام.
ويقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن: «إزالة كل هذه الأنقاض سوف تستغرق ما بين 8 إلى 12 عشرة سنة، بتكلفة تقديرية تتراوح بين 552 و696 مليون يورو». وفد تم اقتراح سيناريوهين لهذه المهمة: الأول، سيتم التخلص من الأنقاض في مواقع معالجة مركزية في كل من: «شمال غزة» و»دير البلح» و»خان يونس» و»رفح»، في حين يتصور السيناريو الثاني إعادة تدوير 50% من الحطام الموجود في الموقع، على أن وجود متفجرات (لم تنفجر بعد) يعقد العمليات. لهذا، يجب تحليل كل قطعة من الحطام بعناية للكشف عن آثار المتفجرات، وهي مهمة يعقدها كل اكتشاف لجهاز مشبوه سيؤدي بدوره إلى توقف المهمة وتدخل خبراء إزالة الألغام، وهو ما سيزيد من التأخير ويزيد التكاليف.

الوضع أسوأ مما هو عليه في أوكرانيا أو سوريا!

إن المقارنات مع الصراعات العالمية الأخرى، يقدم «منظوراً مخيفاً» لحجم الدمار في غزة. وللمقارنة، خلفت «معركة الموصل» 10 ملايين طن من الحطام، في حين خلفت «معركة حلب» 14 مليون طن من الخراب.
إن كثافة الحطام في غزة، أعلى بكثير من نظيراتها العالمية، حيث تصل إلى 4 مرات أعلى من كثافة «حلب» و15 مرة أعلى من كثافة الموصل، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وتعتبر «غزة» كذلك الأكثر تضرراً، حيث يوجد بها 15.4 مليون طن من الأنقاض (36% من إجمالي الأنقاض)كما لم تسلم محافظة «خان يونس» – الواقعة جنوب قطاع غزة – من الحطام الذي تراكم فيه 8.5 مليون طن من الخرسانة.

المسح أو إعادة بناء؟.. قرارات حاسمة يجب اتخاذها!

في ظل هذه المهمة الضخمة (الأسطورية) التي تنتظرها، يتعين على سلطات «غزة» أن تتخذ قرارات حاسمة حول كيفية التعامل مع عملية إعادة الإعمار. إذ يبدو أن إعادة تدوير الحطام يعتبر الخيار الأفضل، حيث لا تتوفر أي مواد خام تقريبًا في الموقع.
ومع ذلك، فإن هذا الخيار معقد بسبب وجود متفجرات محتملة مخبأة تحت الأنقاض. إذ يشير المتحدث باسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن: «غزة قد اكتسبت بالفعل خبرة في إعادة تدوير الحطام الناتج عن الصراعات السابقة. ومع ذلك، فإن حجم الدمار الحالي يتطلب استراتيجيات جديدة وأساليب عمل ذات بعد نظر مستقبلي».

**الأزمة الإنسانية تخنق غزة وساكنتها!

مع استمرار الحرب، يواجه سكان «غزة» أزمة إنسانية خانقة، إذ جعلت التفجيرات الإسرائيلية المتواصلة المنطقة غير صالحة للسكن تقريبًا، مما ترك السكان (أيضا) دون إمكانية الوصول إلى الضروريات الأساسية.
فهناك يتم تطهير الطرق المليئة بالحطام بالوسائل المتاحة (غالباً دون معاول وباليد) للسماح لسيارات الإسعاف والقوافل الإنسانية بالتحرك. ويصف «بيير موتين» (المتحدث باسم «جمعية من أجل فلسطين») الوضع على النحو التالي: «بالشاحنات أو باليد، يقوم السكان بإزالة الأنقاض لتمهيد الطريق والحفاظ على خطوط الاتصال قائمة، كونها ضرورية لمرور سيارات الإسعاف والقوافل الإنسانية بسلاسة». لذلك، ستكون «الهدنة الحقيقية» هي الخيار الوحيد لتوفير فترة راحة واستقرار وللسماح ببدء عملية إعادة إعمار دائمة ومستدامة.

المستقبل الغامض لغزة نحو إعادة الإعمار

في الأخير، ومع إطالة عمر الحرب، فإن إعادة إعمار غزة تظل احتمالاً بعيد المنال. إن مهمة التطهير الضخمة لا يمكن أن تبدأ إلا عندما يتم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وحتى ذلك الحين، فإن سكان غزة محكوم عليهم بالعيش بين الأنقاض، في ظروف لا تطاق على نحو متزايد. لهذا وذاك، فإن للمجتمع الدولي – من خلال الأمم المتحدة – دورا حاسما في دعم جهود إعادة الإعمار وضمان سلامة عمليات التطهير. ولكن إلى أن يتم استعادة السلام، ستظل غزة وساكنتها بين سندان الحرب ومطرقة الحصار بين الأنقاض والأزمة الإنسانية..

«فرانس أنفو»


الكاتب : ليا براتي / ترجمة: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 11/10/2024