الدورة 45 لمنتدى أصيلة الثقافي تسبر: المسارات الشائكة للحدود في إفريقيا

تنعقد الدورة 45 من منتدى أصيلة الثقافي اليوم، في سياق عربي وإقليمي ملتهب ومتوتر، ترخي الحرب الإسرائيلية الفلسطينية واللبنانية بظلالها على مواضيع طاولات منا قشاته، وهي المواضيع التي ظل المنتدى طيلة دوراته السابقة، حريصا على وضع الأصبع على مكامن العطب فيها، كقوة اقتراحية من القوى الناعمة المنشغلة بمصائر الشعوب العربية ودول الجنوب بشكل عام.

 

هذا السياق الاستثنائي اليوم هو ما توقف عنده الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بنعيسى، وهو يفتتح أول أمس الاثنين 14 أكتوبر 2024 أولى ندوات الدورة 45 والتي اختارت التداول حول أزمة الحدود في إفريقيا: المسارات الشائكة، معتبرا أن الموضوع « معقد ومتشعب، لأنه على درجة عالية من الحساسية السياسية، لارتباطه بسيادة الدول وهويتها، وبأحقيتها في حماية واسترجاع وحدتها الترابية».
ولفت بنعيسى إلى أن مكن الخطورة في أزمة الحدود في أفريقيا ، هو في ارتباطها بمفهوم السيادة ، وبـ»جوهر الوجود الذي تقوم عليه الأوطان»، مشيرا الى أن المرحلة الاستعمارية لإفريقيا ساهمت في تعميق هذه الأزمة والتي لم تعالج بعد مرحلة الاستقلالات الوطنية بالحزم المطلوب وبالمنطق المتصالح مع حقائق التاريخ والجغرافيا، كما حصل مع المغرب بخصوص قضية الصحراء والنزاع المفتعل حولها بسبب الأطماع التوسعية التي غذتها المرحلة الاستعمارية، وكرستها الهيئات الدولية والإقليمية مثلما حدث سنة 1963 بمؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية، «حين تم استصدار قرار غير منصف في منظمة الوحدة الأفريقية، يقضي باعتماد الحدود الموروثة عن الفترة الاستعمارية في إفريقيا.»
من جهة أخرى أشار بنعيسى الى أن العرض الثقافي التي تقدمه المؤسسة هذه الدورة، لا يخرج عن سياق الدورات السابقة في مراهنتها على التجديد ومسايرة المستجدات المطروحة، وهو العرض الذي يلامس واقع »»النخب العربية بالمهجر« «من خلال »تشخيص التحدي القائم أمامها، والدور الذي بإمكانها الاضطلاع به،» بالإضافة إلى مناقشة واقع ومآل الحركات الدينية والحقل السياسي داخل النسق السياسي بهدف «»تحديد آفة التماهي بين الدين والسياسة، ومن خلال تقييم ورصد مخاطر التدين السياسي، وما يطرحه من انزلاقات وانحرافات في الدين كما في السياسة» خاصة في افريقيا والعالم العربي الذي لايزال يعاني من تبعات هذا التماهي.
العرض الذي تقدمه الدورة الحالية، يضيف بنعيسى، لم يغفل التعاطي مع مستجدات الساحة العربية والتعاطي الغربي معها، فكريا وسياسيا، خاصة تجاه أزمة الشرق الأوسط وهو ما ستحاول التوقف عنده ندوة «»قيم العدالة والنظم الديمقراطية»«.
إن الحديث عن إشكالية الحدود في إفريقيا وما تطرحه من نزاعات وحروب تؤجل مستقبل القارة، كما جاء في كلمة السفير المدير العام بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، فؤاد يزوغ، يقتضي اعتماد مقاربة تشجع المبادرات التكاملية والشراكات المنتجة، مقدما المثال بالنموذج المغربي الذي قاد مبادرات رائدة متميزة تجاه القارة من قبيل المبادرة الأطلسية أو الاقتصاد الأزرق، ثم تعزيز البينات التحتية، أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، التعاون الأمني…
مصطفى حجازي، خبير الاستراتيجية السياسية والمستشار السياسي للرئيس المصري سابقا، وهو يشخص مكامن العطب في وضع القارة خاصة في الجزء الحارق منه، والمتعلق بمسألة الحدود والاسترايجيات السياسية الاستعمارية، يرى أن الحديث عن موضوع الحدود في إفريقيا هو حديث عن «»تجاوز مكاني للبعد الاستعماري الكولونيالي» لأن إفريقيا اليوم توجد في رحلة بحث عن الذات، وهي رحلة بحث عن شخصيتها الطبيعية ثم البشرية والتكاملية، فالحضارية«.
وعاد حجازي إلى أصل الداء، وبالضبط إلى مؤتمر برلين سنة 1984 وما أفرزه من صورة إفريقيا اليوم بحدودها الموضوعة من طرف المد الكولونيالي التوسعي الذيتنهب القارة واقتسم واستنزف ثرواتها، لافتا في هذا الصدد إلى أن «أي تفكير في مستقبل هذه القارة لابد وأن ينطلق من هذه السيرورة التاريخية حتى لاتجد القارة نفسها أمام صراعات جديدة تعيدنا إلى نقطة الصفر»، كما أن الحديث عن آفاق المستقبل لابد وأن يلامس «المطلوب والواجب»، لا »القبول بـ»المتاح والفتات».« وأضاف حجازي أنه إذا كانت تقسيم إفريقيا تم وفق عقلية استعمارية لا تؤمن إلا بمنطق «التسعير» … بدل »»القيمة»، « فإن أي تصور براغماتي محدود يتحدث عن التعاون الاقتصادي، رغم أهميته وضرورته، كجسر لعبور إفريقيا من مأساتها إلى مستقبلها الواعد، يجلعه مقاربة قاصرة، … بعيدا عن المقاربة الشاملة التي تدمج في خارطتها، الشراكة في الحلم، حقوق لإنسان، الثقافة، العدل ومقومات العيش الكريم.
إن ما نعيشه كعالم عربي أو قارة إفريقية، حسب أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط ، زكريا أبو الذهب، ليس إلا نتاج تركة استعمارية وإرث كولونيالي لا تقتصر بصمته على الجغرافيا المادية، بل لا يزال يعشش حتى في الأذهان من خلال حضوره في الترسانات القانونية والتي غالبا ما لا تكون منصفة للانسان الإفريقية حين تكون ذات مرجعية … غربية.
وساق أبو الذهب مثالا على هذه الترسانة بما يعانيه المغرب بخصوص وحدته الترابية التي ساهم الاستعمار وحدوده المصطنعة في تأزيم وضعها، سواء في الشرق أو في الشمال حيث حرص الاستعمار على إرساء بنيات ومؤسسات ومبادئ، ضمن مواثيق دولية، ترى ضرورة الاحتفاظ بالحدود الموروثة عن المرحلة الاستعمارية رغم عدم عدالة هذه المبادئ والقواعد، كمفهوم تقرير المصير الذي هو في ظاهره يتماشى مع حق الكشعوب في تقربر مصيرها، لكن «في كنهه ميكانيزمات تحدث نوعا من اللاعدل«.»
هذا الوضع، حسب أبو الذهب، يدفع إلى التفكير العميق في مرجعيات الفكر المعاصر، خصوصا المتعلق منها بالجوانب القانونية والسياسية، بإحداث نوع من «الانتفاضة الفكرية « لسبر أغوار بعض الترسانات القانونية، ولإعادة بناء المفاهيم، وتجاوز المفهوم الضيق للجغرافيا والبحث عن «بلورة فضاءات بديلة تتعدى هذا المفهوم الفيزيائي للجغرافيا بشكل يجعل التكتلات الاقتصادية والاندماجية تتجاوز النظرة الضيقة للإقليم»، كما فعلت أوربا حين تجاوزت خلافاتها القديمة، وأسست لإطار قاري وحدت فيها جهودها من أجل رفاهية الإنسان.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 16/10/2024