صدر حديثا عن منشورات غاليري الأدب، كتاب قانوني مميز يحمل عنوان «الوجيز في قانون الأرشيف» للكاتب المغرب عمر الموريف، ويتضمن ببن دفتيه 231 صفحة من الحجم الكبير.
لا شك أن تدبير الأرشيف بصفة عامة، وأرشيف العدالة على وجه الخصوص ليس بالأمر الهين على غرار دراسته وفق القانون الجديد، وأن محاولة الباحث دراسته هي مجهود يحسب له لاعتبارات قانونية، نظرية، وعملية. ومعلوم أن أزمة تقدم أي دولة ومعيار تعثرها في ما هو تاريخي تراثي ينحصر بالأساس في انعدام النص القانوني المؤطر للأرشيف، وهو ما تجاوزته المملكة المغربية لتكون سباقة في حماية تراثها المادي واللامادي، وهو الملموس من خلال القانون رقم 69.99 الذي يمكن اعتباره بمثابة دستور أرشيفي يؤطر عمل قطاعات الدولة ومجالاتها، بالإضافة إلى نوع آخر من الأرشيف الموسوم بالأرشيف الخاص، والذي تم تأطيره إلى جانب قواعد قانون الأرشيف سالف الذكر، بالقانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات وصولا إلى قوانين تطبيقية على مستوى القطاع المحدد، وهو ما عكسه مضمار العدالة من خلال القرارين 300.22 و 301.22 وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الاهتمام الكبير الذي أولاه المشرع المغربي للأرشيف بشكل عام وأرشيف العدالة بشكل خاص، ولا يقل هذا الاهتمام عند الباحث الذي سبر أغوار قانون ظاهره مجرد نصوص، وباطنه حياة وتراث أمة سترجع في الوقت القريب إلى مصاف الدول التي ستكون مرجعا للتجارب الناجحة في مجال تدبير الأرشيف بشكل عام وأرشيف العدالة بشكل خاص.
إن اهتمام الأستاذ عمر الموريف وممارسته المهنية ساعداه في جعل هذا المرجع يمزج بين ما هو نظري وبين ما هو عملي تطبيقي، لامس فيه أهم الإشكالات العملية والحلول المقترحة لتدبير هذه المؤسسة القانونية، فضلا عن ذلك فإن التخصص الأكاديمي القانوني والفلسفي له جعله ينظر للموضوع من زوايا متعددة لامس فيها القانوني بما هو فلسفي قانوني، بمعنى آخر بذل مجهودات كبيرة لاستنباط الغاية من هذا التشريع وسقط أحكامه على الواقع العملي بما يخدم مجال الأرشيف بشكل عام. ويظهر لنا هذا جليا من خلال استحضار مجموعة من النصوص المؤطرة للميدان الأرشيفي، والتي أشرنا إليها أعلاه، بالإضافة إلى التطرق إلى بعض التجارب المقارنة لدول قطعت أشواط في نفس المجال.
ولعل هذا المجهود يكون وفقا للمقاربة التي تم اعتمادها في الشرح والتحليل من المراجع القليلة على الصعيد الوطني. وربما يكون أول مؤلف سعى لأن يشرح قانون الأرشيف، بعد أن كانت جهود الباحثين والمتخصصين منكبة على شرح قوانين أكثر شهرة، والحال أن أي قانون كيفما كان لا يقل أهمية عن الآخر. فلكل قاعدة قانونية دورها ومكانتها وآثارها، سواء على الأفراد أم المؤسسات، أو هما معا. وقانون الأرشيف وما يرتبط به من مرسوم تطبيقي، أو قرارات أو نصوص خاصة بقطاع من القطاعات، لا يمكن اعتباره بدعاً من هذه المنظومة، بل العكس هو الصحيح، لأنه قانون غايته صيانة التراث وحماية الذاكرة الوطنية والإنسانية، وبالتالي يمكن اعتباره درعا واقيا من آفة الهوية المهددة. فلا يمكن لأي شخص – طبيعي أو اعتباري – أن يعيش منفصلا عن ذاكرته وتاريخه وجذوره التي تربطه بماضيه وتساعده على فهم واقعه وتطوير مستقبله.
وإذ نعتقد أن المؤلف سيكون إضافة نوعية للخزانة الوطنية والعربية، فإن الرجاء قائم بدوره أن يستمر المؤلف في البحث في الميدان، وأن يحذو حذوه أهل الاختصاص والمهتمين بالمجال بأن يطوروا مضمون هذا الجهد من جهة، وأن يمكنوا الممارس، والباحث، والقارئ بصفة عامة من عصارة مجهوداتهم التي أضحت في الآونة الأخيرة مطلبا ملحا وآنيا وضروريا جدا. وذلك لأهميتها، وطبيعتها التي لن يسعف في جودتها إلا الجانب المعرفي والمهني الذي يتمتعون به.
«الوجيز في قانون الأرشيف» للكاتب عمر الموريف : من أجل صيانة التراث وحماية الذاكرة الوطنية والإنسانية
بتاريخ : 21/10/2024