بالمباشر … الرياضة الجماهيرية الشعبية..العظمى
عزيز بلبودالي
هناك من يزاول الرياضة، وهناك من يحلم بمزاولتها. هناك من فتح عينيه وهو محاط بالملاعب والقاعات الرياضية، وهناك من يكتفي بالحقول والربع الخالي من تربة البلاد للركض والجري.
هناك الرياضيون من عامة الشعب وهناك الرياضيون من نخبته، هم كثر وبأعداد كبيرة جدا من ينتمون لخانة الرياضة الجماهيرية الشعبية، وهم قلة من يتوفرون على رخصة الانتماء لمنظومة الرياضة في مستواها العالي. ماذا أعددنا للفئة الأولى لتمارس وتزاول حقا من حقوقها الدستورية ولتلتحق أو، على الأقل، لتقترب من الفئة الثانية؟
من المؤكد أنه يلزم مجهود كبير من أجل تصديق وجود أي مؤشر يوحي بإمكانية تحسين واقع هذه الرياضة الجماهيرية وتجليات واقعها تقدم مشاهد حبلى بصور بؤس الممارسة وفقر الإمكانيات البنيوية والهيكلية.
فمن حسنات الرياضة، أنها يمكن أن تمارس في أي مكان، وفي أي زمان، وبأية وسيلة. فمن منا لم يستعمل كرة من القماش للعب مباراة في الدرب مع ولاد الدرب؟ من منا لم يخض نزالات « الملاكمة « في الحلقة بالسوق الأسبوعي أو في الجوطية؟ من منا لم يشارك في لعبة المسايفة و « دق السيف» بواسطة سيوف من البلاستيك أو العصي؟ من منا لم يجرب الركض والسباق وهو يستمتع بلعبة « دينفري»؟ من منا لم يجرب لعبة الحبل والقفز عليه؟ من منا لم يمارس القنص والرماية وهو يستعمل « الجباد» لصيد الطير والفراخ؟
هي تلك الألعاب التي عرفنا من خلالها ما هي الرياضة، وهي الألعاب التي عرفتنا بعدد كبير من الأنواع الرياضية الحالية التي أصبحت تحتل مواقع رياضات النخبة؟ هي ألعاب مارسناها في طفولتنا، ومازالت تمارس في الأحياء المهمشة وفي القرى والبوادي حيث لا ملاعب ولا قاعات مكيفة تزاول فيها الرياضة بحضور الجميلات الباحثات عن الرشاقة، لعبنا «الغميضة» « الكاش كاش»، لعبنا «حابا» حيث الركض والجري والفائز هو من خطواته أسرع، لعبنا « البي» وكأننا نلعب الكرة الحديدية، لعبنا « الطرومبية» ، لعبنا « دينفري» وكأنها سباقات 100 و200 متر الحالية، لعبنا « الحبل ولاستيك» والقفز عليهما، ومارسنا ألعاب اكتشفنا بعد ذلك أنها توأم لرياضات منها رياضات أولمبية. تعلمنا روح المنافسة والبحث عن الانتصار والفوز والتميز، وبفضل تلك الألعاب خلقنا علاقات صداقة، ورسمنا لأنفسنا موقعا في نسيج اجتماعي وطورناه إلى دروب وأحياء أخرى.
تلك كانت رياضتنا، نحن أبناء الشعب وعامته، كنا نشعر بأنها فعلا رياضتنا رياضة الجميع.
تغيرت الأحوال، ورسم المجتمع وتطوراته إطارا محدد العوالم للرياضة الوطنية، تجددت القوانين، ضخت الأموال، خلقت الجامعات، وظلت « رياضة الجميع» خارجة وبعيدة عن نطاق الاهتمام إلى أن تأسست جامعة الرياضة للجميع، فاستبشرنا بعودة الروح للرياضة في أحيائنا المهمشة، وفي دواوير قرانا، لكن الصدمة أنه من 2009 سنة التأسيس، لم نلاحظ أي تحرك يعيد الاعتبار لهذه المناطق النائية. لهذا وذاك، أحيي نزهة بدوان، بصدق وبدون مجاملة، ومعها فريقها الديناميكي الذي يكون معها مكتب الجامعة منذ سنة تقريبا، على ما فعلته لكي يشعر أطفالنا ونساؤنا وشبابنا هناك في القرى وفي الدواوير أنهم معنيون أيضا بالرياضة، أحيي بدوان وفريقها لأنها حملت قيم الرياضة ومتعة ممارستها لأناس سقطوا من مفكرة المسؤولين، وذكرتهم أنه في عالمنا هناك الرياضة التي يمكن أن نمارسها ولو في ظل الحرمان من اهتمامهم ومن غياب القاعات والملاعب و..ملاعب القرب، تلك الملاعب العجيبة التي فاق عددها اليوم 665 ملعبا موزعة في كل البلاد إلا بلادنا النائية المهمشة هناك في القرى والمداشر.
جامعة الرياضة للجميع، وصلت بكل أنشطتها المتواصلة كل أسبوع إلى تلك المناطق المحرومة من تنفس هواء الرياضة.
في 2008، قالها جلالة الملك في رسالته للمناظرة الوطنية حول الرياضة:
« كما أن الممارسة الرياضية أصبحت في عصرنا، حقا من الحقوق الأساسية للإنسان. وهذا ما يتطلب توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا على حد سواء، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وبذلك تشكل الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللاندماج والتلاحم الاجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش».
الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 19/10/2017