تواصلت أشغال المؤتمر الوطني الثاني عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي على مدى ثلاثة أيام 18 و 19 و 20 أكتوبر بالرباط تحث شعار «جميعا من أجل توحيد ودمقرطة وتجويد منظومة التعليم العالي خدمة التنمية الشاملة لبلادنا».
لقد التأمت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الثاني عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي بمدرج بلماحي بكلية العلوم التابعة جامعة محمد الخامس الرباط، هذه القاعة التي لها رمزيتها التاريخية، بحيث كانت أول فضاء احتضن اجتماعات المجلس الوطني الاستشاري (البرلمان)، الذي يترأسه انذاك الشهيد المهدي بنبركة كأول رئيس للبرلمان المغربي، حيث استقطبت الجلسة الافتتاحية، لهذا الصرح النقابي الذي يضم النخب المغربية في جميع الشعب والتخصصات والمسالك، شخصيات رسمية وفعاليات سياسية ونقابية وحقوقية، جاءت للحضور لهذا الحفل الافتتاحي، لهذه النقابة التي تجر وراءها تاريخ نضالي كبير موشوم في ذاكرة النضال الديمقراطي والنقابي بالبلاد، بحيث لم تكن تتأخر في الحضور في كل المحطات التاريخية الاجتماعية والديمقرتطية، التي كانت تهم الشعب المغربي قاطبة.
لقد كان في مقدمة الحضور من الشخصيات السياسية، الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ادريس لشكر، مرفوقا بعبد الرحيم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، وعضوات وأعضاء من المكتب السياسي للحزب.
كما كان من بين الحضور في هذه الجلسة الافتتاحية، الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ونائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالسينغال، وممثل السفارة الفلسطينية بالرباط، وعدد من أمناء الأحزاب السياسية، وممثلي النقابات الوطنية، ورؤساء الجامعات وعمداء ومدراء مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث، فضلا عن البرلمانيات والبرلمانيين.
في مستهل هذه الجلسة الافتتاحية، ألقى الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي جمال الدين الصباني، كلمة ترحيبية بكل الشخصيات الرسمية والنقابية والحقوقية وكل ضيوف المؤتمر، الذين لبوا الدعوة، معتبرا في نفس الوقت، إن هذا الحضور المتميز يشكل مما لا شك فيه، اعتباراً ودعماً للنقابة الوطنية للتعليم العالي، وهو في نفس الوقت يبرهن على استشعار الجميع للأهمية البالغة لمنظومة التعليم عامة ولمنظومة التعليم العالي خاصة في التنمية الشاملة والمستدامة للبلاد.
وأكد الصباني في نفس الكلمة على إن النقابة الوطنية للتعليم العالي لا تعتبر التعليم العالي مجرد قمة لهرم المنظومة التعليمية، بل تعتبره الدعامة الأساسية التي تساهم في تقدم البلاد وفي دمقرطة مؤسساتها وفي إرساء العدالة الاجتماعية بين مواطنيها.
وسجل الصباني في نفس الوقت أن التعليم العالي في واقع الأمر هو الذي ينتج المعرفة المتجددة اللازمة لتكوين الأطر الضرورية التي تحتاج إليها البلاد من أطباءَ ومهندسين وأساتذة وموظفين ورجال أعمال وغيرهم … حيث يقوم هؤلاء بتطوير المهارات والكفاءات التي تمكنهم من اتخاذ القرارات التي تؤثر على المجتمع ككل.
وأضاف المتحدث ذاته، أن تنمية القدرات الفكرية، التي يعتمد عليها إنتاج المعرفة واستخدامها، هي خصوصية التكوين في التعليم العالي المرتبط بالبحث العلمي. حيث « نؤمن في النقابة الوطنية للتعليم العالي بأن الدور المركزي للبحث العلمي يجب أن يوجه لخدمة ومصلحة الإنسانية وليس في إبادتها» يقول الصباني. متابعا في ذات السياق، « رغم كل هذا، فإن العديد من البلدان لم تجد حتى الآن الحلول المناسبة للمشاكل التي تواجه أنظمة التعليم العالي فيها». وبخصوص منظومة التعليم العالي في البلاد اعتبر الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، أن هناك ثلاثة مفارقات.
المفارقة الأولى جاءت على يد فاطمة الفهرية سنة 859 التي بنت جامعة القرويين 229 سنة قبل تأسيس جامعة بولوني الإيطالية سنة 1088 كأول جامعة أوروبية، و283 سنة قبل تأسيس جامعة أكسفورد سنة 1142 و777 سنة قبل تأسيس جامعة هارفارد سنة 1636، لكننا، وهنا تكمن المفارقة، باعتبار أننا سوف ننتظر 1100 سنة لترى النور ثاني جامعة مغربية سنة 1959 جامعة محمد الخامس.
المفارقة الثانية هي أننا سنمر من 205 طالب فقط وطالبتين سنة 1955-1956 إلى 250.000 سنة 1999-2000 وحاولي 1.300.000 الآن وهذا نجاح كمي محترم.
إن العدد الكبير من المغاربة من كل أنحاء البلاد، وفي جميع التخصصات، الذين يلتحقون بالجامعات الأجنبية المرموقة والمدارس العليا في فرنسا، يدل على أن هذا النجاح ليس كمياً فقط. وعليه وبالنظر لهاته المعطيات يبقى السؤال، أين الخلل؟ يقول الصباني
اما بالنسبة للمفارقة الثالثة هي أن ورش الإصلاح الذي بدأ منذ الاستقلال وعرف تركيزا كبيرا من سنة 1994 إلى سنة 2014 أي عشرين سنة، بدون أن يثمر أي تحول جذري. وفي هذا الصدد يقول جلالة الملك في خطاب العرش يوم 30 يوليوز 2015:
«كما ندعو لصياغة هذا الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد، ويضع حدا للدوامة الفارغة لإصلاح الإصلاح، إلى ما نهاية».
ومن جهة أخرى اعتبر الصباني أن الاتفاق الموقع يوم 20 أكتوبر 2022 بين الحكومة والنقابة، بمثابة تجاوز للسياسة المتبعة من طرف الحكومتين السابقتين، والتي كان فيها الحوار هدفا وليس وسيلة، فإن النقابة مستعدة لمواصلة الحوار الجدي من أجل إيجاد حلول لملفات الأساتذة الباحثين التي من جهة لا تزال تنتظر إجابة مقنعة (كملف الأقدمية والخدمة المدنية …)، ومن جهة أخرى، المساهمة في أي حوار من أجل إصلاح شمولي لمنظومة التعليم العالي كما جاء في شعار المؤتمر «جميعاً من أجل توحيد ودمقرطة وتجويد منظومة التعليم العالي خدمة للتنمية الشاملة لبلادنا»
وأكد قائد النقابة بأن المدخل الرئيسي لأي إصلاح للتعليم العالي هو العمل على تعميم معيار الجودة على جميع أسلاك التعليم العالي بدون استثناء. مع الحرص على ألا يشكل الوضع الاجتماعي أو المجالي أي عائق للولوج التعليم العالي. بالإضافة إلى أن مسألة توحيده تبدأ بالشق البيداغوجي، وذلك بتفعيل حقيقي للجسور بين مختلف التكوينات.
أما الشق الثاني، يشدد الصباني، أنه يتعلق بالبحث العلمي وذلك برفع نسبة الإنفاق العمومي من الناتج الداخلي الخام لبلوغ مصاف الدول النامية. وفي هذا المجال يتعين تفعيل كذلك اتفاق 20 أكتوبر 2022 فيما يتعلق بانتساب هياكل البحث إلى مركز واحد تابع للجامعة.
من ناحية أخرى العمل على توحيد القوانين المنظمة لجميع المؤسسات، ليخلص في الاخير على أن هذا الورش يتطلب إشراك جميع الفاعلين (أساتذة، مجتمع مدني، مقاولات…).
ومن جانبه، ألقى الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، كلمة باسم الوزير الوصي عن القطاع، ثمن فيها المجهودات التي تقوم بها النقابة الوطنية للتعليم العالي كشريك اجتماعي في الدفع بعمليات إصلاح منظومة العليم العالي بالبلاد، كما قدم التهاني للنقابة على عبد هذا المؤتمر الثاني عشر متمنيا له النجاح في أشغاله، واستعرضت كلمة الوزارة استراتيجية إصلاح منظومة التعليم العالي والمحاور الأساسية التي تعتمد عليها من أجل تنزيلها، كورش وطني يعتمد على البناء المشترك والذكاء الجماعي والإشراك للأساتذة والطلبة ومحيط الجامعة …
كما تناول الكلمة، نائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالسينغال، تمنى من خلالها نجاح أشغال هذا المؤتمر، مقدما كذلك تهاني كل أعضاء النقابة بالسينغال، للأساتذة الباحثين بالمغرب، ملتمسا تقوية العمل النقابي المشترك ما بين النقابتين وتبادل التجارب والخبرات في المجال.
وبعد الجلسة الافتتاحية بالرباط، تواصلت مباشرة أشغال المؤتمر الوطني الذي تحضره 445 مؤتمرة ومؤتمر، بمركب مولاي رشيد للطفولة والشباب ببوزنيقة، حيث تم عقد جلسة عامة خصصت لعرض التقرير الأدبي والتقرير المالي، يغطيان الفترة المتراكمة مابين المؤتمر الوطني الحادي عشر والمؤتمر الحالي، ليستأنف المؤتمر يوم السبت 19 أكتوبر أشغال مناقشة التقرير الأدبي والتقرير المالي. وقد ساد نقاش جدي وغني حول التقريرين، وكان تقييم إيجابي لهذه الولاية، وهذا عكسته التدخلات العديدة للأساتذة الباحثين الذين تناولها الكلمة أثناء المناقشة، ليخلص النقاش في الأخير بالمصادقة بالإجماع على التقرير الأدبي والتقرير المالي.
وبعد أن قدم المكتب الوطني واللجنة الإدارية للنقابة استقالتهم، تم انتخاب رئاسة المؤتمر، وتشكيل لجان الورشات التي اشتغلت أولا على الملف المطلبي للنقابة، وورشة القوانين والأنظمة للنقابة، ولجنة البيان العام فيما بعد.
وتواصلت أشغال المؤتمر يوم الأحد 20 أكتوبر من أجل انتخاب أعضاء اللجنة الإدارية للنقابة، التي ستنتخب بدورها فيما بعد المكتب الوطني للنقابة.