خلق مشروع قانون مالية سنة 2025؛ الذي أثارت مسألة مناقشته في المجلس الحكومي وكيفية إحالته على البرلمان الجدل دستوريا؛ التوتر في قطاع الصحة العمومية بشكل سريع، مهددا ما تحقّق من سلم اجتماعي في القطاع تأتى الوصول إليه بعد مسار طويل من الاحتجاجات وأشواط من المفاوضات، إذ ما إن تم تداول مسودّته حتى عاد التوتر ليخيّم بظلاله على هذا القطاع، وارتفعت حدة الانتقادات والاتهامات بالتنصل من الوعود والالتزامات الحكومية، الأمر الذي دفع النقابات الممثلة لمهنيي الصحة للتعبير عن موقف صارم حيال أي تراجعات يمكن أن تقع في هذا الإطار.
وأكد مصدر نقابي بالنقابة الوطنية لصحة العمومية، العضو المؤسس للفيدرالية الديمقراطية للشغل، في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي» على أن الصيغة التي تم بها تحرير مشروع قانون المالية المعروض على النقاش البرلماني في الغرفتين أولا ثم المصادقة لاحقا، تتناقض جملة وتفصيلا مع ما تم التوافق بخصوصه بين النقابات والحكومة بخصوص صرف الأجور، التي تم التعهد على أن تكون من الميزانية العامة للدولة وأن يتم الحفاظ على صفة الموظف العمومي لكل مهنيي الصحة، فإذا بالمشروع يحدد سقفا زمنيا لهذا الأمر، ويحيل العملية بعد ذلك المهنيين على ميزانية المجموعات الترابية لكي تكون مصدر صرف الأجور، وهو ما أثار الكثير من السخط وأقلق المعنيين الذين يرون في هذه الخطوة انتكاسة جديدة تكرّس لجوّ من عدم الثقة، التي طالما سعت النقابات لتحصينها وضمان شروط وظروف تقويتها.
وعلاقة بالموضوع أصدر التنسيق النقابي في قطاع الصحة العمومية، المكوّن من ستّ نقابات، بيانا شدّد من خلاله على أن «بعض مقتضيات مشروع قانون المالية لسنة 2025 المتعلقة بالمناصب المالية طرحت تساؤلات وتخوفات لدى مهنيي الصحة، حيث تمت كتابة تلك المقتضيات بصيغة لا تعكس ولا تؤكد ما تم الاتفاق بشأنه يوم 23 يوليوز 2024 مع الحكومة التي التزمت بتنفيذه، وهو صرف الأجور من الميزانية العامة للدولة بمناصب مالية قارة». وأكد البيان أن التنسيق النقابي سجّل بأن «مشروع قانون المالية أحدث 6500 منصب مالي جديد برسم الميزانية العامة للسنة المالية 2025 كموظفين لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وتمت كتابة تلك المناصب بوضوح في المشروع على عكس قطاعات أخرى ( التربية الوطنية كمثال…)»، مبرزا بأنه «يُدرِك أن إعداد مشروع قانون المالية يخضع لمسطرة بتواريخ محددة لطرح الصيغة الأولى للمشروع على البرلمان قابلة للتعديل والتغيير قبل المصادقة على المشروع، الأمر الذي يدفعه لتأكيد تشبثه بالمضامين المتفق عليها مع الحكومة خاصة في شقها المرتبط بالوضعية القانونية والوظيفية».
وعبّر التنسيق النقابي عن رفضه لـ « أي نوع من المراوغة أو الالتفاف أو التأويل في صياغة النقطتين المحورتين الأساسيتين في الاتفاق الموقع مع الحكومة بتاريخ 23 يوليوز 2024 ، ألا وهما الحفاظ على صفة موظف عمومي ومركزية الأجور»، معتبرا وبشدة أن «هاتين النقطتين غير قابلتين لأي قراءة أخرى أو صياغة مختلفة عن ما تم الاتفاق بشأنه، باعتبار أن الحفاظ على المكتسبات مبدأ دستوري وقانوني ملزِم للحكومة اتجاه الشغيلة الصحية». وطالبت النقابات الستّ من رئيس الحكومة ووزيرة المالية «التراجع عن تلك المقتضيات بالصيغة التي تم اقتراحها، وتعديلها الفوري، حفاظا على الحقوق المكتسبة والاستقرار المهني».
وشددت النقابات على أن مهنيي الصحة لا يقبلون تأدية «ثمن التسرع والتنزيل الخاطئ لإصلاح المنظومة الصحية، لأن ذلك سيحكم بالفشل على الإصلاح برمّتِه»، مؤكدين على أن «تغيير نمط تدبير قطاع الصحة في إطار مؤسسات عمومية استراتيجية ذات طابع إداري، لا يعني الإجهاز على المناصب المالية القارة بالقطاع أو ربطها بجدول زمني». ودعا التنسيق النقابي في هذا الإطار الحكومة «بأن تقوم بتحفيز فعلي وعملي وعاجل لمهنيي الصحة، بدل إقدامها على خرق لأول نقطة في الاتفاق وخلق شروط احتقان جديد في القطاع»، محمّلا إياها «مسؤولية القلق والاحتقان داخل القطاع بسبب عدم الوفاء بالعهود والالتزامات والزج بالقطاع نحو المجهول».
من جهتها دعت النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام إلى فرض الشروط العلمية للممارسة الطبية وشروط التعقيم داخل كل المؤسسات الصحية والمركبات الجراحية مع استثناء الحالات المستعجلة فقط، معلنة كذلك، وفي خطوة احتجاجية على تنصل الحكومة من التزاماتها، عن امتناع الأطباء على تسليم شواهد رخص السياقة وجميع أنواع الشواهد الأخرى، باستثناء تلك المتعلقة بالرخص المرضية المصاحبة للعلاج، إضافة إلى مقاطعة مجموعة من البرامج والقوافل الطبية وعددا من الأعمال الإدارية وغيرها.
مشروع قانون مالية 2025 يعيد التوتر والاحتقان إلى الصحة العمومية
الكاتب : وحيد مبارك
بتاريخ : 22/10/2024