أزمة الشغل وانهيار القطاع الفلاحي: هل من علاقة ؟!!

لاشك أن الحديث عن البطالة وغلاء المعيشة يعتبر من أهم المواضيع المطروحة على طاولة النقاش العمومي . لذا فإنه يشكل جوهر مداخلات الفرق البرلمانية (الاغلبية ، المعارضة ) بمناسبة عرض الحكومة لمشروع القانون المالي 2025 .
لقد أصبح التصدي للبطالة في الوقت الراهن على رأس الأولويات ، وذلك نظرا للارتفاع المخيف المسجل في عدد العاطلين خلال السنوات الأخيرة، بفعل عدة عوامل، لابد من التطرق إليها، قصد تبيان المصدر، وتقديم الحلول المناسبة .
والي بنك المغرب في عرضه أثناء الندوة الصحفية التي نظمها مؤخرا تحدث بشكل واضح عن الأزمة، ولخصها في التراجع الكبير للقطاع الفلاحي، والذي يصعب تغطيته بالتقدم الحاصل في قطاعات أخرى كالصناعة ( صناعة السيارات ، الطائرات،.. ) والسياحة وغيرهما، لأن المناصب التي تخلقها الفلاحة تشكل رقما مهما في سوق الشغل بالمغرب.
ارتباطا بأهمية القطاع الفلاحي في تشغيل فئات عريضة من الشعب المغربي، فإنه تضرره خلق أزمة أخرى تتعلق بالغلاء، و ضعف القدرة الشرائية، بالإضافة إلى انهيار السيادة الغذائية، حيث تحولنا من بلد مصدر للمواد والمنتجات الغذائية إلى مستورد لها ( اللحم ، الحليب ، زيت الزيتون ،….)، وهذا يفاقم عجز الميزان التجاري.
بعد هذا التشخيص، الذي ربما قد يتفق معه الكثير من المهتمين، يمكن أن نجزم بأن معالجة قضية البطالة والغلاء يمر عبر بوابة إعادة القطاع الفلاحي إلى سابق عهده، واعتباره قطاعا استراتيجيا في كل السياسات العمومية .

* المدخل رقم 1: تطوير المدارات السقوية مدخل أساس للإنتاج الفلاحي .

في ظل التحولات الناتجة عن التغيرات المناخية، وما صاحب ذلك من نتائج كارثية على الفرشة المائية، التي تضررت بشكل جعلها غير قادرة على تلبية الحاجات الكافية من المياه. فبالنسبة إلى التزود بالماء الصالح للشرب، وسقي الأراضي الفلاحية، يبقى الأمل معقودا على المدارات السقوية المرتبطة بالأحواض المائية ( السدود )، بعدما يتم تخفيف الضغط عليها، وذلك بالشروع في استغلال محطات تحلية المياه المبرمجة من طرف الحكومة، والتي تستهدف تلبية طلب المدن الكبرى والمتوسطة .
إن التركيز على هذه المدارات السقوية، وتقوية قدراتها، ودورتها الإنتاجية له ما يبرره، لأن تجهيزها بأحدث أساليب الري، وتقديم الدعم لفلاحيها، سيمكن من تدارك الخصاص المسجل في مجموعة المواد والسلع، ذات الأصل الفلاحي، وسيساهم في توفير الغذاء للمواطنين، فضلا عن تحقيق السيادة المطلوبة في هذا الباب.
واقع الحال اليوم، يُظهر تعرض هذه المدارات إلى خسائر باهظة التكلفة، جراء قطع ماء السقي، مما تسبب في هلاك ضيعات عديدة، وإتلاف أشجار مثمرة يستحيل استرجاعها بعودة المياه إلى قنوات الري. لذلك، فإن التحرك لإنقاذها صار هو الأولوية، قبل فوات الأوان .

إن الأمل دائما سيبقى معقودا على عودة هذه الاستغلاليات إلى طبيعيتها، لتسترجع الفلاحة عافيتها، وتتشافى من الضربات الموجعة التي تلقتها، نتيجة سوء تدبير القطاع، وعدم أخذ الاحتياطات اللازمة لضمان ديمومة الانتاج، وعدم ضياع ملايين فرص العمل.
ضرورة استخلاص الدروس من الأزمات، تقتضي بأن يتحلى القائمون على تسيير الشأن الفلاحي بالجدية اللازمة، واتخاذ ما هو مناسب، كي تؤدي هذه المدارات الدور الذي أنشئت من أجله، وذلك بمراجعة نُظم الري المعتمدة، التي تجعل منها نظما متجاوزة وجب استبدالها، لأنه بكل بساطة، لا تستجيب لمعايير الترشيد، ناهيك عن مساهمتها في ارتفاع تكلفة الإنتاج، والتأثير على المردودية .
إن عصرنة هذه المدارات السقوية، تأتي في المقدمة، والتي يمكن اعتبارها مدخلا أساسيا لتحقيق الأهداف التي كان مخطط المغرب الأخضر يسعى إلى بلوغها، وكذلك جعلها حاضنة للإنتاج الفلاحي المحقق للأمن الغذائي، والمتضرر من التغيرات المناخية التي صارت معطى بنيويا، وجب أخذه بعين الاعتبار في إعداد المخططات التنموية ذات الصلة .
فتوسيع المساحات المزروعة، ساهم بشكل كبير في اندحار الفرشة المائية، حيث سرعان ما تبخرت الأرقام المعلنة في وقت قصير، وتراجع الإنتاج الفلاحي إلى مستويات قياسية لم يسبق تسجيلها، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ كما أن فئة عريضة من الفلاحين أفلست لعدم قدرتها على أداء الديون، وتلف مرزوعاتها وأشجارها المثمرة جراء التوقف عن سقيها، للأسباب التي ذكرناها سابقا .
خلاصة القول: المدارات السقوية تعتبر مساحات زراعية مهمة يمكن التعويل عليها في تحقيق السيادة الغذائية وجعلها حاضنة للإنتاج الفلاحي العصري، ومشغلة لملايين من اليد العاملة .

* المدخل 2: إنقاذ الفلاح من حالة الإفلاس.

إن ارتفاع أسعار اللحوم والخضر والفواكه إلى مستويات قياسية، لايمكن تبريره بالمضاربات، أو أي شيء آخر، من غير ذكر الأسباب الحقيقية، تجنبا لحصول الأزمة بالكفية والصورة المآساوية ( استيراد أضاحي العيد،..).
من دون شك، الجميع قد وصل إلى قناعة واضحة، وهي أن نقص الإنتاج هو السبب في ارتفاع الأسعار، وفي تكلفة المعيشة بشكل عام. هذا يتطلب بسطا دقيقا للعوامل التي ساهمت في حدوثه، واقتراح المخارج الآنية والمستقبلية .
الجفاف يعتبر أحد الأسباب الرئيسة، وكان بالإمكان تفادي أضراره، لو أن الحكومة اتخذت مجموعة من التدابير في وقتها منها :
– تسريع انجاز محطات تحلية ماء البحر، وتعميم السقي الموضعي، وفرض إجباريته من أجل أن نتمكن من تدبير الموارد المائية وفق المتطلبات، وحسب الحاجيات الضرورية.
– تفادي الضغط على الأحواض المائية من طرف الحواضر الكبرى ( الماء الصالح للشرب )، عبر تزويدها بالمياه البحرية المحلاة، وتقديم الدعم للشركات المعبئة للماء الصالح للشرب، كما هو معمول به في بعض الدول الأوروبية، رغم من أنها لا تعاني من نقص في المياه .

– دعم الفلاح لكي يبقى صامدا في وجه كل هذه التحديات، وليس التخلي عنه ليواجه كل هذه المحن. فإفلاس العديد من المزارعين كان له الأثر السلبي على الإنتاج، وهنا يمكن أن نطرح مجموعة من الطرق لدعمه :
أ- أولها إيقاف كل المتابعات في حق الفلاحين جراء عدم أداء المستحقات، سواء كانت أكرية الأراضي، أو تكاليف الإنتاج( أسمدة ، أدوية، بذور . ….) .
ب -إعادة جدولة الديون بالشكل الذي يضمن له الوفاء بها، والاستمرار في ممارسة النشاط الفلاحي .
– تجنب الوسطاء وتقديم الدعم بشكل مباشر ، لأن تجار الأزمات يتحينون الفرص ليفسدوا أية مبادرة ، والضحية دوما هو الفلاح والدولة التي لم تحقق الأهداف المرجوة من الدعم ( أضاحي العيد ، الأعلاف ، الأسمدة ….) .
-،إيقاف البناء بالشواطىء بغرض استغلالها في الزراعة، لأنها الأقرب إلى محطات التحلية، لتفادي تكلفة نقل المياه إلى المناطق الداخلية، التي يمكن تحويلها إلى مناطق صناعية مستقبلا، كما هو معمول به في غالبية الدول الغربية .
لايمكن أبدا أن نحقق الأمن الغذائي، والمعني بتنزيله على أرض الواقع ( الفلاح ) يعيش ضائقة مالية خانقة، لايستطيع في ظلها ممارسة النشاط الفلاحي المعهود، حيث أن الغالبية لم تعد قادرة على إنتاج حتى ما تأكل، وبالأحرى تزويد السوق بالمواد الزراعية الغذائية واللحوم .
من الصعب جدا في الوقت الحالي، أن تتحسن الظروف، وتتراجع الأسعار التي تجاوزت أسعار الدول الأوربية، مادامت وضعية الفلاح المالية لا تسعفه في توفير الإنتاج الغذائي، وتشغيل اليد العاملة العاطلة .
الدولة مطالبة بتبني برنامج استعجالي الهدف منه هو إخراج المزارع من حالة الإفلاس إلى الانتعاشة، والعودة إلى الإنتاج بالطرق العصرية المقتصدة للماء، عوض الانتظارية التي بشر بها رئيس الحكومة خلال مروره بالقناة الأولى، حيث ربط تحسن سوق الشغل بسقوط الأمطار، متناسيا الوضعية الحالية التي وصلت إليها فلاحتنا ، التي هي حقا في وضعية كارثية يستحيل الخروج منها بفضل عام ممطر.


الكاتب : نورالدين زوبدي

  

بتاريخ : 30/10/2024