تراجع الإنتاج من 143 إلى 103 ألف طن في بضع سنوات
الأرقام الحالمة التي كان يتحدث عنها الوزير لم تكن سوى فقاعات للاستهلاك الإعلامي
النفخ في الأرقام في معظم السلاسل الزراعية سرعان ما تفضحه بيانات مكتب الصرف
قبل 7 سنوات، أعلن وزير الفلاحة السابق ورئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، أمام وسائل الاعلام الوطنية والدولية بمناسبة افتتاح الملتقى الدولي للتمور بأرفود، بأن المغرب سيحقق قريبا اكتفاءه الذاتي من التمور، مؤكدا بالحرف أنه « بفضل برنامج غرس 3 ملايين نخلة، سيحقق المغرب الاكتفاء الذاتي من التمور بعد أن يصل النخيل المثمر مرحلة الإنتاج، أي بعد سبع سنوات تقريبا. وأكد أن اكتمال هذا المشروع سيمكن المغرب ليس فقط من تلبية الطلب الداخلي، بل سيمكنه أيضا من التصدير».
اليوم وبعد مرور 7 سنوات على الوعد الذي أطلقه عزيز أخنوش للرأي العام، يتضح أن الأرقام الحالمة التي كان يتحدث عنها السيد الوزير حينذاك (تماما مثلما يفعل اليوم) لم تكن سوى فقاعات للاستهلاك الإعلامي لا علاقة لها بالتدهور الفظيع الذي شهدته سلسلة التمور خلال السنوات الأخيرة، حيث تفيد الأرقام الحقيقية لهذا القطاع أن الإنتاج الوطني من التمور تراجع من 143 ألف طن، خلال الموسم الفلاحي 2019-2020 ، إلى 103 ألاف طن برسم الموسم الفلاحي 2024-2025، أي بتراجع يفوق 40 ألف طن ـ هذا إذا ما صدقنا إحصائيات الوزارة الوصية التي أصبحت منذ سنوات تدمن عادة «النفخ في الأرقام» (المهنيون الذين اتصلنا بهم يتحدثون عن إنتاج هزيل هذا العام لا يتجاوز 80 ألف طن).
غير أن النفخ في الأرقام الذي تلجأ إليه وزارة الفلاحة في معظم السلاسل الزراعية التي تدهورت أحوالها ، سرعان ما تفضحه بيانات مكتب الصرف، والتي تكشف بالواضح أن المغرب لم يفشل فحسب في تحقيق اكتفائه الذاتي من التمور ، بل أصبح يستورد من الأسواق الخارجية أضعاف ما كان يستورده قبل بضع سنوات.
وتفيد معطيات حديثة أن المغرب بات يعتمد على الأسواق الخارجية لتلبية حاجياته، حيث أصبح يحتل المركز الثاني في قائمة أكثر البلدان استيرادا للتمور، بعد الهند، اذا استورد ما بين أكتوبر 2023 ومارس 2024، 130 ألف طن. وإذا اعتمدنا احصائيات منصة «إيست فروت» التي تعد مرجعا موثوقا في هذا القطاع، فإن حجم واردات المغرب من التمور، خلال الفترة المذكورة، تعادل تقريبا واردات الموسم السابق. لكنه في المقابل يتجاوز أيضاً متوسط الواردات خلال المواسم الثلاثة (ما بين 2017 و2020).
ولتبرير هذا التراجع الخطير في سلسلة التمور (تماما كما اعتادت أن تفعل في نتائجها الكارثية في باقي السلاسل الانتاجية كاللحوم والزيتون) تعلق الوزارة الوصية فشلها الذريع في تنمية هذه السلسلة على شماعة «الجفاف» علما بأن الجفاف وحده ليس هو السبب الوحيد في تدهور الإنتاج وإنما سوء تدبير السلسلة التي ابتلعت ملايير الدراهم من الدعم العمومي، سواء في إطار مخطط المغرب الأخضر أو في إطار مخطط «الجيل الأخضر» بميزانية قدرها 7.47 مليار درهم للفترة 2021-2030. ورغم كل هذه النتائج الكارثية، فإن وزارة الفلاحة لم تتردد في اعتبار « هذا الإنتاج جيدا بالنظر إلى السياق المناخي، والحرائق التي أثرت على بعض بساتين النخيل التقليدية في الجهة، لا سيما في واحات تنغير وزاكورة وطاطا، فضلا عن نقص الموارد المائية.»
وتبلغ المساحة التي يغطيها نخيل التمر على المستوى الوطني حوالي 66 ألف هكتار تضم أزيد من 6 ملايين نخلة. وتضم 90 واحة موزعة على 8 أقاليم تقع في جنوب شرق المغرب، خاصة بفيكيك والراشدية وتنغير وورزازات وزاكورة وطاطا وكلميم وأسا زاك، مع تمركز مهم بجهة درعة-تافيلالت. وتتميز الواحات المغربية بتنوع أصنافها، وتعتبر من أغنى الأصناف عالمياً حيث تضم أكثر من 453 صنفًا. تشكل أصناف المجهول وبوفكوس والنجدة أكثر من 50% من الإنتاج الوطني.
وتظل جهة درعة-تافيلالت الجهة الرئيسية لزراعة نخيل التمر، حيث تساهم بنسبة حوالي 73 ٪ من الإنتاج الوطني للتمور وتساهم الجهات المنتجة الأخرى، سوس-ماسة والشرق وكلميم-واد نون، بنسبة 27 ٪ من الإنتاج. وقد كان للتساقطات المطرية الأخيرة منذ شهر شتنبر الماضي تأثير إيجابي على الوضع المائي بالجهة، مما يبشر بالعودة إلى الأوضاع الطبيعية للأنشطة الفلاحية بالواحات ومواصلة دينامية تنزيل محاور استراتيجية الجيل الأخضر.