عن منشورات مكتبة سلمى الثقافية بتطوان، صدر للشاعر والإعلامي محمد بشكار، عمل شعري، بعنوان «امرأة بتوقيت الأبد»، وفاءً وإخلاصاً لشعر التفعيلة (المتقارب والمتدارك) بإشادة دون تكلف، مما جعل النصوص هادئة أو صاخبة، حسب تيار الحالة النفسية التي هيئت بها وفيها.
إذن ينشأ الإيقاع من التمازج في ما بين المتقارب والمتدارك (فعولن – فاعلن) بطريقة متجانسة دون طغيان، ولا تعسف، ولم يقتصر الأمر على هذا الجانب، بل تم التأسيس انطلاقاً من العبارات المحددة (في الورود التي وردت أعلاه..)، حيث «غير عبارات:أنى وأيّانَ حتى متى وإذا..» ص 109، فكل واحدة لها اسمان وعمران للقصيدة : تبعاً للزمان والمكان.
بعد الاطلاع الأولي على العمل، وجدنا أن الشاعر لم يشيد منجزه على امتزاج البحرين (المتقارب- المتدارك) بشكل عفوي، وإنما هذا الامتزاج أملته ضرورة تتجلى في خلق حركية داخل النصوص، بدءاً من الإيقاع، ثم القيمة والمعنى، التي وردت في حوار الفيلسوف جيل دولوز «خارج الفلسفة» ترجمة عبد السلام بنعبد العالي وعادل حدجامي، لأن القصائد لم تصنع هكذا عبثاً، وإنما لها قيمة تنطلق من واقع الشاعر في السراء والضراء، معنى تقصده وتبلوره. هذه القيمة تنطوي على كل ما هو ذاتي وموضوعي، وما هو ثقافي واجتماعي، في الامتزاج والارتباط، ارتباطا وثيقاً ومحكماً، كذلك المعنى في ما هو مجازي، وتجريبي، ونفسي، في الامتزاج والارتباط أيضاً.
هذه الإشارات تتطلب الإسناد من «امرأة بتوقيت الأبد»، ليكون التحليل منطقياً وهادفاً. فالجولة عبر أربع وعشرين قصيدة، تؤكد مدى التلاحم والترابط، حيث كل نص، يقود لما يليه، أو بعبارة أدق، الكتابة تبعاً لمشروع شعري، يؤسسه محمد بشكار، أي أنه، لا يكتب كيفما اتفق، بل يبني بيوتا، ودروباً وشوارع.
في نص «امرأة بتوقيت الأبد»، والذي اختير كعنوان قاري، يغطي الديوان بكامله، أو يؤشر على علامات المشروع، الذي يود الشاعر الخوض فيه، حيث تتكامل النصوص، وتتلاحم، ولهذا السبب بدأنا بـ «امرأة بتوقيت الأبد»، باعتبار أن المرأة والقصيدة سيان، يتآخيان رغم غيرة الأنثى من الكتابة، ولكنهما يلتقيان، حين اشتعال الرغبة :
«لأنكِ في حجر بجداري، انتقلتُ إلى غرفةٍ لا تنوء بأي جدار لكي أستعيد لسقفي سماه»
ص 34.
هذا النص بمنطلق «لأنكِ»، والتفريعات المرافقة لما يعنُّ، يؤمم الشاعر كل الأمكنة والأزمنة، ويسيجها بالقيم والمعاني، كما أشرنا، حتى يتعانق، التحليل الماركسي (القِيم)، والمجاز والأحلام الفرويدية (المعاني)، وتعم مطرقة الهدم النيتشوية، لتأسيس القلق الإبداعي:
«إذا جاء قلبي قبلي، وقد أفرغته المسافات من كل نبضٍ، افتحي له بابا بقلبك، أو اتركيه، يدقّ قليلا»
ص3.
ما بين العاطفة والعقل، تنفتح النافذة كحيلةٍ للخروج مما هو ذاتي محض، وربطه بما هو وجودي وشيئي، قصد الاحتفاء بما هو بسيط وعادي، لتصبح المرأة هي القيمة والمعنى على صعيد كل المستويات التي تنبثق منها القصائد. ذاتاً وتجربةً، ورؤيا:
«لست بحراً، ولكنني سأحيطك حلماً، إذا دُرْتِ حول وشاح محيطي أرضاً»
ص 11.
هكذا يتأسس المعنى على أكتاف الرموز والأحلام، لتدخل اللغة طرق التأويل.
إن «امرأة بتوقيت الأبد»، مشروع شعري، ينبئ بعمق التجربة وفرادتها، وتمكن الشاعر محمد بشكار من الحفر في الأعماق، لضمان تطور مشروعه الشعري. ومن خلال هذا الديوان تصبح «امرأة بتوقيت الأبد»، هي القيمة وهي المعنى!