لنتأمَّلها ثانية هذه الحيَاة
التي مرّت سريعاً كجرذ مصعُوق
ولنبدأ معا رِحلة العودة
من يدك كثيرَة الخُطوط
من روحيّ الزئبق
سأجيئ على ما تشتهيه
من رماد العناقات الحارِقة
أجّرّ الطريق فيتبعني النَّهر محركا أذنيه
أحمِل المسافة محزومةً على خاصرتي
سأجيء بالمنديل الأخضر والحلم الأخضر
بالقرطين الرِّيش والدمَّالج الأبنوس
سأجيء بالشَّعر المجعّد وإكليل عنب الذئب
بالفساتين والقصائد الراقصة
بالمواويل والنايات الراقصة
بضحكات الصِّبا
بشبهة الوشم وغمَّازات تومض أكثر
سأجيء بمِذراة الوقت وريح البدء وغبار الانفجار العظيم
بالبياض في صحائفي ودم الخطايا
بالعِصمة من الضَّجر
هكذا أبسط كفي للرَّغبة وقلبي لطراوة الاشتهاء
أسأل أسماء التقديس أن تهبني قلباً جديداً
قلبا لا يشبهُ هذا الذي طبخته لصغاري في العيد
القلوب الطريّة يسهل هضمها
هكذا تعلمت:
ما نَستعيره من الأرض لا نُعيده.
هكذا قيل لي:
الآخر جحيمنا الذي نُحب.
هكذا تجري الأمور
هكذا أتعجل إرادة الله
فأجيء في السادسة عشرة
طريّة كما تشتهي
سوداء كما أشتهي
دون هذا البنّي الشاحب المربك لعدسات الكاميرا
دون هذا الجسد الحنطِيّ
الذي لم تمنحه خزائن قلبك
إنني في السادسة عشرة
في هذا السن بالذات
حيث تكون الرذيلة ذريعة للزواج
والموت خطوة أولى إلى الحياة
هكذا أريد
سوداء تماما
مثل عقيق يمانِي أو وردة سوداء نادرة
مثل تميمَة فرعُونية جالبة لسُوء الحظّ
مثل وجه بحيرة في ليل محجُوب
مثل الخفافيش في الدور السُّفلي لمغارة
سوداء مثل الأيادي المخموشة التي تقطف القطن في أرض البلوز
سوداء مثل عناقيد الجنّة المنفرطة من سبحة الله
هكذا أتدحرج إلى هاويتك
بالإيمان الخلاَص
ليصير دمي نبيذاً للأرواح الطيّبة والشرّيرة معاً
ليصير لحمي خبزا للجِيَّاع من الذئاب والعُشَّاق الصَّعاليك
لأصير الحزن الممطوط في حنجرة “الساكسفون”
ليصبح غنائي صفيرا فتعشقني الأقفاص
لتكون قصائدي حقيقة
فأُلقى خلف ظهر الطَّريق
ليصبح جسدانا صليباً في مفترق الطَّريق
ولنكُون كما وُلدنا
أبناء للجِهات الأربع
أبناء العاصفة والسُّيول والغيلان والحيتان،
وحيدي القرن والأيائل والوعول
وبكل الأخطاء المحتملة في إعادة التَّكوين
سنتقارع بشراسة
كما يفعل إلهان في ساحة حرب قديمة.