عن دار «إفريقيا الشرق» صدر للدكتور محمد بوبوش، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة، كتاب جديد موسوم بـ»قضية الصحراء وتناقضات القانون الدولي العام»، وفيه يواصل المؤلف مساره الترافعي عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة، بعد عدد من الإصدارات والمقالات التي تناولت الموضوع وأسهبت في التعريف بحقيقته وبالنوايا الكامنة وراء افتعاله، وتوضيح عدد من المغالطات التي تكتنف الترويج لعدم عدالة هذه القضية من قبيل كتابه «إضاءات قانونية حول نزاع الصحراء المفتعل»،» قضية الصحراء ومفهوم الحكم الذاتي: وجهة نظر مغربية»، «الأمن في منطقة الساحل والصحراء».
تنقسم هذه الدراسة إلى خمسة فصول تقرأ وتناقش:
ماهية تقرير المصير
الحق في الانفصال ومبدأ الحفاظ على السلامة الإقليمية؛
الحق في الانفصال بين الفقه القانوني والقانون الدستوري المقارن؛
حق تقرير المصير بمفهوم «الانفصال» في الممارسة الدولية؛
مقترح الحكم الذاتي في إطار القانون الدولي العام.
يقدم الدكتور بوبوش في هذا الكتاب، ترافعا علميا أكاديميا ويسلط الضوء على الجوانب القانونية المرتبطة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، إذ تقع قضية الصحراء بين تناقضات قانونية تأسس عليها القانون الدولي العام منذ نشأته، هما احترام الوحدة الترابية للدول من جهة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها من جهة ثانية ، حيث يعتبر كل من مبدأي السلامة الإقليمية للدول وحق تقرير المصير من المبادئ الأساسية في القانون الدولي والمكرسين بموجب ميثاق الأمم المتحدة، الذي جعلهما في مستوى واحد من الأهمية؛ إذ نص في أحد مبادئه «على حظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد السلامة الإقليمية للدولة، أو استقلالها السياسي، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة والتي من بينها حق الشعوب في تقرير المصير». والملاحظ أن العلاقة بين المبدأين إيجابية وتكاملية وهذا على الأقل نظريا، لكن كشفت الممارسة الدولية في الآونة الأخيرة عن تعارض نشأ عند إعمال تقرير المصير مع السلامة الإقليمية للدولة.
تعرضت الدراسة ، بالتوضيح، للمنطلقات القانونية وطبيعة العلاقة بين إعمال مبدأي تقرير المصير والسيادة الإقليمية للدول مع تقديم شروحات قانونية حول ظاهرة الانفصال وتعارضها مع السلامة الإقليمية للدول بالاستناد إلى بعض الاجتهادات القضائية الدولية والممارسات الدولية.
يطرح د. محمد بوبوش في هذا الكتاب بإسهاب مبدأ تقرير المصدر، منذ التأسيس له داخل أدبيات القانون الدولي المحددة لمفهوم الدولة والسيادة واحترام الوحدة الترابية. ومن هنا يوضح أن هذا المفهوم الذي ارتبط منذ بدايته بممارسة حق لأقلية أو جماعة متميزة على أساس عرقي أو قومي أوديني، قد ارتبط بشكل كبير مع حق الشعوب في الحصول على استقلالها، الى أن أعطته المتغيرات الدولية الجيوستراتيجية، بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، بعدا إضافيا يوازيه بمفهوم الانفصال عن الدولة الأم، وهنا وقع الخلاف بين منظري القانون الدولي حول ماهية هذا المفهوم، وأيضا دفع هذا الالتباس في تحديده الى تعرضه لعملية تسيييس متصاعد بعد الحرب الباردة، استغلته الحركات الانفصالية وبعض الأقليات، ومعه بدأت مرحلة تفكك الدول.
يؤكد المؤلف أن التباس المفهوم واستغلاله سياسيا،أدى بالدول الكبرى في النظام الدولي إلى تطبيق نوع من الانتقائية الانتهازية تبعا لمصالحها، فـ «تارة يتم الانتصار لمبدأ السلامة الإقليمية والوحدة الترابية، وتارة ينتصر لمبدأ تقرير المصير ولو على حساب هذه الوحدة، وأحيانا يتم التوفيق بين المنحيين أي إعطاء الإقليم وسكانه حق تقرير المصير في ظل الدولة القائمة»، وهو الحل المعروف بالحكم الذاتي.
وفي هذا الإطار فإن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب، منذ أبريل 2007، كآلية لإنهاء النزاع المفتعل حول قضية الصحراء، والتي تحظى بدعم المنتظم الدولي، حاولت التوفيق بين المبدأين المتعارضين، حيث استندت من ناحية على إحدى آليات تطبيق حق تقرير المصير، وفي نفس الوقت حافظت على الوحدة الترابية للمملكة، وهو التوجه الذي تسير عليه الأمم المتحدة والممارسة الدولية بعد الحرب الباردة حفاظا على استقرار النظام الدولي، باعتباره ينسجم مع الشرعية الدولية القائمة على مراعاة الوحدة الترابية للدول في مواجهة حق تقرير المصير بمفهوم «الانفصال» كما أنه يستلهم التجارب الدولية في عدد من الدول كإسبانيا وإيطاليا».
وإذا كان المقترح المغربي يحظى بقبول المجتمع الدولي الذي يعتبره « بناء وذا مصداقية»، فإن خصوم المغرب يصرون على معاكسة المغرب وعرقلة كل جهوده التي تتظافر فيها جهود الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية، يعضدهما الدعم والإجماع الشعبي. هذه المعاكسة لا تني الجارة الشرقية في الإعلان عنها عبر عضويتها في المنظمات غير الحكومية أو الحكومية من خلال تمثيليتها في عدد من الهياكل من قبيل الأمم المتحدة.
ومن أجل تقوية الترافع العلمي والأكاديمي عن القضية الوطنية، يحاول المؤلف توضيح جوانب القوة في مركز المغرب بالنسبة لإقليم الصحراء، باعتباره جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني، وتفنيد مزاعم خصوم الوحدة الترابية بخصوص ترويج مصطلح «الاحتلال» و» استغلال الثروات الطبيعية بشكل مخالف للقانون الدولي»، مستدلا ببعض القواعد القانونية التي تفند مزاعم بعض المدافعين عن الأطروحة الانفصالية…
اعتمد الباحث في بسط مضامين هذا الكتاب عدة مناهج بحثية كالمنهج الوصفي التحليلي، وتفكيك بعض المفاهيم، بالإضافة إلى التدليل ببعض الأمثلة التي تدعم الدراسة مع تحليل القواعد القانونية ذات الصلة بموضوع البحث.
يختتم المؤلف دراسته بإثارة التوصيف القانوني لسكان المخيمات بتندوف باعتبارهم «محتجزين» وليسوا «لاجئين»، متوقفا عند صفة «اللاجئ» التي حددتها الأمم المتحدة باتفاقية 1951 ، والتي وضعت لها بروتوكولها الخاص سنة 1967، أو كما حددتها اتفاقيات جنيف المتعلقة بحالات اللجوء، مسقطا صفة «حركة التحرر الوطني» و»الصفة التمثيلية» عن جبهة البوليساريو لسكان الصحراء ،واعتبارها جبهة انفصالية «غير مؤهلة قانونيا وديمقراطيا للادعاء بتمثيلية ساكنة الصحراء» لانعدام وجود شعب بالمفهوم القانوني.