كلمة .. الحكومة تجهز على دور البرلمان
محمد الطالبي
سجلت حكومة عزيز أخنوش رقما قياسيا في رفض جميع تعديلات المعارضة بمجلس النواب، إلا ما سقط سهوا منها، رغم وجاهة التعديلات. حتى بعض التعديلات الشكلية تم رفضها، فما بالك بالمضمون؟ وقد تم تسجيل هذا الحدث خلال مناقشة لجنة المالية بمجلس النواب لمشروع قانون المالية، وهي الوثيقة التي ستحكم بلداً بأكمله وشعباً بأكمله لمدة سنة قادمة، وستحدد البعد الاجتماعي للمشهد المغربي المقبل.
عمدت الحكومة إلى صم آذانها، مقدمة أرقامًا عن نمو وتطور قد يحدث في بلد آخر غير المغرب، بينما الواقع يقول إن حياة المواطن تحولت إلى جحيم من حيث السكن والغذاء والرعاية الاجتماعية والصحية والتعليم والعدالة. كما تحول العالم القروي إلى أرض بلا شعب، حيث تزداد الهجرة القروية، ويعتبر النازحون من ضحايا الفقر والعوز والخصاص نتيجة للتفاوتات المجالية، في وقت يتحدثون عن تطور التمدن بلغة الحكومة.
إشكالية رفض جميع المقترحات بشكل قاطع هي تفسير وتأييد لمقولة التغول السياسي، من حيث الاستفراد بالقرار والتدبير المعتمد على أغلبية ليس لها نفس التوجهات ولا نفس البرنامج. تحولت، بقدرة قادر، إلى ليبرالية متوحشة، وأصبح جزء من المجتمع مغلوبا ينتظر دعم الدولة لتوفير لقمة العيش عبر أعطيات، بدلاً من دمجه في النسيج الاقتصادي من خلال استثمارات مندمجة وموجهة وفقا للإمكانات التي تتوفر عليها بلادنا. هذه الإمكانات كثيرة، لكن التدبير يبقى غير شعبي وغير ديمقراطي، وتحولت حياة المغاربة إلى أرقام ومعادلات لا تمت للواقع بصلة.
ثم إن رفض مقترحات المعارضة يعتبر رفضا للمعارضة نفسها، وتبخيسا لدورها ولمقترحاتها. فماذا يعني نقاش طويل حتى آخر الليل، فقط ليقول من له الإشراف على اللجنة للمعارضة في كل مناسبة إنه قد تم تعديل المقترحات؟ ثم ننتقل إلى التصويت، فيظل نفس العدد من التعديلات مرفوضًا.
هل الدستور المغربي حدد للحكومة حق رفض مقترحات المعارضة؟ وماذا يعني الاصطفاف في المغرب بين معارض ومؤيد في كل الحالات والنتائج؟ إن البرلمانيين ليس لهم دور إلا أن يكونوا مع أو ضد، وهذا مؤشر على إفراغ المؤسسات الدستورية، ومنها البرلمان بغرفتيه، وتغول الحكومة بشكل يفقد التوازن المؤسساتي الذي أكده دستور 2011، والذي يتعرض لمحاولة التشويه.
لقد منح الدستور المغربي المعارضة البرلمانية بمجلس النواب صلاحيات في التشريع المالي، حيث منحها مكانة متميزة داخل العمل البرلماني، باعتبارها مؤشرا على دمقرطة النظام السياسي وترسيخ التوازن داخل مكونات البرلمان. كما أنها لبنة أساسية في الارتقاء بطبيعة النظام السياسي من خلال تطوير مكونات البرلمان وتعزيز مجال اختصاصه وآليات اشتغاله في المجال المالي. فالبرلمان هو صاحب الاختصاص الأصيل في وضع القانون، بما فيه القانون المالي، إذ يعد الاختصاص المالي الركيزة الأساسية الأولى لنشوء المؤسسة البرلمانية، قبل أن تعمل الحكومة على استغلال صلاحياتها التقنية لإلغاء اختصاص أصيل للبرلمان المغربي !
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 14/11/2024