رغم ضياع ملايير السنتيمات.. ومازال البحث عن حديقة عين السبع مستمرا

أصبحت قضية حديقة الحيوانات عين السبع كحكاية “هاينة”، التي كانت الجدات يبدعن في سردها لينعم الأحفاد بنوم هادئ وهم يتابعون أحداثها الشيقة التي تنتصر للخير في النهاية. أما “هاينة” حديقة الحيوانات، فيمكن اعتبارها حكاية مقززة بفعل الترقيع الذي يتخللها لجعلها رواية مقنعة، لينال الراوي شارة حسن الحكي، في الوقت الذي يهدر فيه الزمن التدبيري الذي يساوي حركية اقتصادية وثقافية وفرجوية، أضاعت الملايير من السنتيمات، وما زال الهدر يتدفق إلى ما لا نهاية.
ستُعرض نقطة حديقة الحيوانات في الدورة المقبلة التي سيعقدها مجلس المدينة، وذلك يوم 28 نونبر الجاري، لدراسة مشروع عقد التدبير المفوض الخاص بهذا المرفق الترفيهي. حديقة الحيوانات كانت قد أقفلت أبوابها أمام الزوار سنة 2016، خلال بداية تنزيل المشروع التنموي للدار البيضاء 2015/2020، الذي ذهب في اتجاه تجديد البنية التحتية للعاصمة الاقتصادية برمتها، وإعادة إقلاعها بمشاريع كبرى لتصبح عاصمة للمال والأعمال تضاهي باقي عواصم العالم المتقدم.
تم إحداث الطرامواي، والمسرح الكبير، والقطب المالي، وإنشاء حدائق فارهة وقناطر وممرات تحت أرضية لتسهيل حركة النقل والتنقل، كما تم إنشاء كورنيش زناتة وكورنيش آنفا، وبعد ذلك تم إحداث الباصواي وغيره من المشاريع التي غيرت وجه الدار البيضاء. حديقة الحيوانات في هذا المخطط كانت محط إعادة تأهيل فقط، شأنها شأن المركب الرياضي محمد الخامس، وقد خصص لها ما يقارب المليارين لتحقيق هذا الهدف، وحدد لها موعد الافتتاح سنة 2017.
ثم بعد ذلك، وبعد مبررات عديدة، تم تحديد سنة 2019 كموعد أخير للافتتاح. أخيرًا ظهرت أسارير الفرحة على ساكنة عين السبع وشبابها، لأن هذا المرفق كان بالنسبة للعديدين مصدر رزق ومصدر حركة اقتصادية مفيدة للكثير من الشباب. لتخرج شركة التنمية المحلية “الدار البيضاء للتهيئة” وتجهض تلك الفرحة بإعلانها أن الأشغال التي قامت بها تحتاج إلى إصلاحات إضافية، وبأن الأموال التي قدمت لها في إطار البرنامج التنموي لم تكن كافية.
لذلك، سيتغير موعد الافتتاح إلى حين سنة 2021، إن توفرت الأموال وتوفرت الظروف المواتية. لما بلغ هذا الموعد، لم تفلح الشركة في فتح الحديقة، وبدأ الحديث عن التعاقد مع شركة متخصصة في تهيئة هذا النوع من الحدائق، وهي شركة أجنبية تكلفت شركة “الدار البيضاء للتهيئة” بمواكبة الإجراءات الإدارية معها. ليسود صمت طويل أعقبه إعلان صادم، وهو أن تلك الشركة لم تعد ترغب في تدبير الحديقة.
سيعقب هذا الفشل اقتراح آخر يقول إن شركة التنمية المحلية “كازا إيفنت” هي التي ستتكلف بإتمام الإصلاحات والتعاقد مع شركة من الشركات المتخصصة في تدبير حدائق الحيوان. منذ ذلك الحين، والأخبار ومعها الأخبار المضادة تتناسل. مرة يقال إن المدينة لم تنجح في إقناع أي شركة، ومرة يقال إن عملية تحديد شركة مختصة جارية على قدم وساق.
حتى إن مجلس مدينة الدار البيضاء عقد قبل أشهر دورة وحدد ثمن تذكرة الدخول إلى الحديقة في 50 درهمًا، ليعتقد الجميع أن المنشأة ستفتتح في أقرب الآجال، وبأن كل الأمور التعاقدية والإدارية قد تمت، وبأن التفاهم مع الجهات المختصة في جلب الحيوانات قد تم. وأخيرا سترى هذه الأجيال الزرافة ووحيد القرن عن قرب.
بلغنا سنة 2025 وما زالت الأغلال توصد أبواب الحديقة. أي حوالي 8 سنوات من أجل إعادة التأهيل، وها هو هذا التأهيل لم يتحقق بعد. الأخبار الواردة من داخل مجلس مدينة الدار البيضاء هذه الأيام تقول إن المسؤولين كانوا في بحث مضنٍ عن شركة لها علاقة بإحدى الجمعيات التي تُعنى بهذه الحيوانات، إذ إن حيوانات الحدائق لا تُباع ولا تُشترى، وإنما هناك جمعيات مختصة تنقلها من هذه الحديقة إلى تلك رفقًا بها من جهة وحفاظا على نسلها وسلالاتها عبر العالم. والشركة التي لها العلاقة مع هذه الجمعيات هي من ستدبر المرفق، لأنها تستطيع جلب الحيوانات في أسرع وقت ممكن. ومعلوم أن الطلب الذي يقدم لهذه الجمعيات قد ينتظر سنوات، إذ تنتظر الجمعية توفر المطلوب من حدائق أخرى تمدها لطالبها. وقالت ذات الأخبار إن الحيوانات الخاصة بحديقة الحيوانات كانت متوفرة في وقت من الأوقات، إلا أن الجماعة تأخرت في عقد اتفاقية معها، مما جعل مرفق الدار البيضاء يدخل إلى غرفة الانتظار.
بالمناسبة، يجب أن نشير إلى أن لا أحد من المسؤولين بجماعة الدار البيضاء يتوفر على أجوبة دقيقة حول موعد افتتاح الحديقة، أو أين بلغت الإجراءات مع الشركة التي ستدبر مرافقها، وهل تم استقدام الحيوانات أم لا. لكن الخبر اليقين هو أنه بعد الدراسة والتشاور، وجد مجلس مدينة الدار البيضاء أنه أمام معضلة ثانية تتعلق بثمن تذاكر الدخول إلى الحديقة.
ففي الوقت الذي صادق المجلس على سومة 50 درهمًا، تأكد من لدن الشركات المختصة أن هذه السومة غير كافية، رغم الدعم المالي الذي ستقدمه الجماعة للشركة والمحدد في مليار ونصف سنويا. لذلك، فالمجلس في حيرة من أمره اليوم، وهو يبحث عن صيغة لإلغاء المقرر القديم واستصدار مقرر جديد، ومحاولة إقناع الساكنة بأن المبلغ الذي سيتم وضعه، وهو الرقم الدقيق لإنجاح عملية تسيير المرفق، يجب أن يصل إلى 90 درهما، وهو ما يظهر عشوائية التدبير لدى مجلس المدينة. إذ في وقت سابق كان الصراع بين منتخبيه حول ثمن 70 درهمًا و50 درهمًا، وهم بذلك لم يكونوا يتوفرون على دراسة علمية دقيقة، بل كانوا يلجؤون إلى “حساب الكاشوش”!


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 27/11/2024