لا يزال شبح مدن الصفيح يستوطن مناطق عديدة من الدار البيضاء، حيث يعيش الآلاف من البيضاويين وسط ظروف بعيدة عن الحد الأدنى من العيش الكريم. ورغم الجهود المستمرة والوعود الحكومية، فإن هذه الأحياء تشكل تحديا كبيرا في وجه تطور المدينة الاجتماعي والاقتصادي.
ومنذ أن أطلق جلالة الملك محمد السادس برنامج “مدن بدون صفيح” في 24 يوليوز 2004، أصبحت قضية السكن الصفيحي من أولويات السياسة الوطنية. هذا البرنامج الذي يندرج ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كان له تأثير إيجابي في تحسين ظروف عيش العديد من الأسر في مختلف المناطق، بما في ذلك الدار البيضاء. حيث تم القضاء على عدة بؤر صفيحية، مثل الحي المحمدي ودرب غلف، وسيدي عثمان وابن مسيك. لكن رغم ذلك بقيت الدور الصفيحية تتحدى هذه المجهودات وتنتشر بالمدينة المليونية مجاورة للعمارات الحديثة في منظر متناقض لما يطمح إليه البيضاويون ومعهم المسؤولون ، الذين كانوا قد حددوا 2012 كموعد للقضاء النهائي على هذا المشكل، وها قد مرت 12 سنة ولا تزال مناطق مثل سيدي مومن وحي مولاي رشيد وكريان الرحامنة وأهل الغلام وسيدي مومن القديم، تحتضن هذه المنازل الصفيحية حيث الهشاشة والفقر وغيرها من العوامل التي تتكاتف لتصبح عبارة عن تحديات يومية في مواجهة السكان وكذا المدبرين للشأن المحلي البيضاوي، وتظهر آخر الأرقام التي كشفت عنها وزيرة السكان و التعمير أن هناك أكثر من 63,000 منزل صفيحي في الدار البيضاء، بنسبة 50 في المئة من مجموع الأحياء الصفيحية على الصعيد الوطني، وهو ما يعكس وجود فجوة اجتماعية واقتصادية كبيرة بين المواطنين كما يبرز حجم العمل المطلوب إلى الهدف والقضاء نهائيا على آخر منزل صفيحي بالدار البيضاء.
هذا الهدف تعترضه عقبات كثيرة تقف في وجه تنفيذه الفعلي كمشاكل إحصاء الساكنة الذي يعيق بشكل كبير محاولات ترحيلها من هذه الأحياء لتحسين أوضاعها ناهيك عن التعقيدات القانونية المتعلقة بالملكية والأراضي التي تعتبر من أكبر العوائق التي تواجه مشاريع الإسكان في الدار البيضاء، ويتمثل التحدي الأكبر، حسب بعض السكان المتضررين وكذا المهتمين بمشاكل إعادة إيواء دور الصفيح، في غياب التنسيق الكافي بين السلطات المحلية والجهات الحكومية المعنية بتنظيم الأراضي، ما يعرقل عملية إعادة تخصيص هذه الأراضي لبناء مساكن جديدة دون إغفال الحديث عن وجود نقص في الاستراتيجيات الشاملة التي تُعنى بإعادة دمج السكان في النسيج الحضري والاجتماعي بشكل مستدام. ففي بعض الأحيان، تتم إزالة هذه الأحياء دون أن يتم توفير بدائل مناسبة للسكان مما ينم عن غياب رؤية متكاملة للقضاء على هذه المساكن، حيث يتم تخصيص مشاريع سكنية بعيدة بكيلومترات كثيرة جدا عن أماكن عمل المعنيين أو مدارس الأبناء مما يزيد من المشاكل التي يعانون منها، وينضاف مشكل النقل إلى همهم اليومي الشيء الذي يكرس فقرهم إذ أن العديد منهم يتخلى عن عمله بسبب بعد المسافة.
تحديات الدار البيضاء لا تقف عند المساكن الصفيحية التي تنتشر كندوب بشعة على وجه الدار البيضاء بل هناك تحد إضافي أمام التنمية بالمدينة التي تستعد ومعها مدن مغربية أخرى لاستقبال استحقاقات رياضية عالمية في غضون سنوات قليلة، ويتعلق الأمر بالمباني الآيلة للسقوط التي تنتشر بشكل خاص في مناطق المدينة القديمة ودرب السلطان والحي المحمدي، هذه المباني التي يرجع ظهورها إلى أواخر الثمانينيات بدأت في التنامي مخلفة إلى جانب الإشكالات والمعضلات الاجتماعية والاقتصادية، العديد من المآسي والضحايا الأبرياء.
الإحصائيات حول عدد هذه الدور غير دقيقة ومتضاربة في الدار البيضاء لكن المؤكد أن ما يفوق السبعين ألف نسمة تقطن بها على شكل أسر مركبة قد تسكن البيت الواحد الذي يتم تقسيمه إلى عدة طبقات متهالكة خصوصا بعمالات مقاطعات الدار البيضاء -آنفا، والفداء -مرس السلطان وعين السبع -الحي المحمدي. تمثل هذه المباني تحديا إضافيا للسلطات المحلية، حيث أن توفير حلول إسكانية بديلة أو إعادة تأهيل هذه المباني يتطلب موارد مالية كبيرة، وهو أمر صعب في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية كما أن القرارات الخاصة بهدم الدور الآيلة للسقوط، تصطدم بصعوبة التنفيذ بسبب رفض صاحب الملك أو رفض السكان المكترين .
ومع اقتراب استحقاق كأس العالم 2030، الذي سيحتضنه المغرب، فإن هذه المناسبة تُعد فرصة تاريخية لتحسين المشهد الحضري للدار البيضاء التي تحظى بفرصة لاستثمار هذه المناسبة الكبيرة في إطلاق مبادرات جريئة للتصدي لمشكلة الأحياء الصفيحية والمباني الآيلة للسقوط بشكل نهائي، فبدلا من البحث عن الوعاء العقاري الذي يستوعب تلك المشاريع الجديدة لماذا لا يتم التفكير في تحسين البنية التحتية وتحويل تلك المناطق إلى مناطق سكنية لائقة بعد إعادة تأهيلها، وهو المطلب الذي يطالب بهم معظمهم خصوصا بالأحياء الصفيحية، مفضلين أن يتم بناء مساكن لائقة في عين المكان بدل إبعادهم لمسافة كبيرة وانتزاعهم من هويتهم الاجتماعية والثقافية ليتم زرعهم في بيئة غريبة تفاقم من معاناتهم وشعورهم ب”الحكرة” والغبن مما يعيد إنتاج ظواهر سلبية تشبه أو تتجاوز ما كان موجودا بالأحياء الصفيحية، في غياب برامج اجتماعية شاملة حيث لا تتضمن الحلول الحكومية برامج تعليمية ومهنية كافية تهدف إلى رفع مستوى معيشة السكان المرحلين، وتفتقر إلى برامج تدمج هؤلاء السكان في مجالات العمل المختلفة لتحسين وضعهم الاقتصادي، كما لو أنهم لا يحتاجون سوى إلى السكن فقط، وذلك لتحقيق نجاح حقيقي في مواجهة أزمة الأحياء الصفيحية والمباني الآيلة للسقوط، بالاعتماد على استراتيجية تنموية شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية تتمحور حول استمرارية المشاريع، وشفافية التنفيذ، ومشاركة فعالة من الساكنة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم.
إن القضاء على أحياء الصفيح والمباني الآيلة للسقوط في الدار البيضاء هو الجسر الذي سينقل الدار البيضاء إلى مصاف المدن الكبرى فعلا، وهي الخطوة الجبارة التي ستحولها إلى مدينة حديثة تستحق لقبها كمدينة للمال والأعمال والعاصمة الاقتصادية للمغرب، ورغم أن التحدي كبير، إلا أنه مناسبة لتغيير الواقع، وتحويله إلى فرصة تنموية حقيقية. والسؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل سيتمكن المسؤولون بالدار البيضاء من معالجة هذه المشاكل بشكل جذري قبل موعد 2030، أم أنهم سيفشلون في رفع هذا التحدي مع اقتراب استحقاق عالمي غير مسبوق سيضع الدار البيضاء ومعها بلادنا تحت الأضواء؟
الأحياء الصفيحية والمباني الآيلة للسقوط في الدار البيضاء: تحديات حضرية كبرى تواجه المسؤولين قبل استحقاق 2030
الكاتب : خديجة مشتري
بتاريخ : 27/11/2024