عرف مدرج الشريف الإدريسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط، ندوة وطنية حول موضوع : محمد زنيبر المؤرخ والأديب و السياسي، يوم الأربعاء 27 نونبر 2024.
وتميزت هذه الندوة بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار الدكتور عزالدين ميداوي، وحسن المزدلي ممثلاً لوزير الشباب والثقافة والاتصال، والدكتور محمد غاشي، رئيس جامعة محمد الخامس، والدكتورة ليلى منير عميدة الكلية بالنيابة والدكتورة لطيفة الكندوز، رئيسة الجمعية المغربية للبحث التاريخي والأستاذ عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومدير جريدة «الاتحاد الاشتراكي».
لقد استقطبت هذه الندوة حضورا وازناً لشخصيات وطنية من عالم السياسة والفكر والثقافة والفن، كما عرفت حضور أساتذة وطلاب وموظفين وأسرة المرحوم محمد زنيبر يتقدمها بناته وأبناؤه.
تأتي هذه الندوة المنظمة من طرف» مؤسسة فكر» وبتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط والجمعية المغربية للبحث التاريخي، ضمن سلسلة «أعلام في الذاكرة» في محطتها السادسة تكريما لرواد المعرفة والثقافة والفكر، واستحضارا لعطاءات ومساهمات أسماء من جيل مؤسس للمغرب المعاصر في مجالات المعارف الإنسانية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والعلمية بكل أنواعها ومظاهرها، اعترافا بها وبالآثار الإيجابية التي بصمت بها أجيالا متعاقبة في كل المؤسسات الأكاديمية منها والسياسية والنقابية والمدنية.
أكد محمد الدرويش، رئيس «مؤسسة فكر» أن محمد زنيبر الواحد متعدد المواهب والتخصصات والمبادرات، فهو من بين مؤسسي الدرس التاريخي في الجامعة المغربية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، مما بوأه مكانة خاصة لدى أهل التاريخ، فكان واحدا من الجمعية المغربية للبحث التاريخي كما كانت له إسهامات في الأدب قصة ورواية وفنا، مما جعله يحظي بثقة الأسرة الأدبية، فكان عضوا في اتحاد كتاب المغرب لسنوات وعلى المستوى السياسي فقد كان له حضور متميز بين مناضلات ومناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وذكر الدرويش أن تنظيم سلسلة «أعلام في الذاكرة» يهدف إلى ربط الإضاءات المشرقة في الماضي بالإسهامات التي أثْرَت نسق الفكر المغربي في الحاضر، كما يلقي الضوء على إسهام هذا الجيل في ترسيخ قيم ثقافية ومعرفية ونضالية متجددة تنشغل بالحياة بشتى تشكلاتها، وتترجم قناعات رجال ونساء عانقوا قيم الحرية والهوية والأصالة في مواجهة آفات الفقر والأمية والظلم ومخلفات عهد الحماية والاستعمار على الاتفاق والاختلاف، وناشدت قيم التحرر والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
كما أنه استحضار لأسماء أعلام ظلت في ذاكرتنا الفردية والجمعية من خلال إنتاجها الفكري والنضالي واحتفاء علمي بها، وتأكيدا على أدوارها المجتمعية بهدف المساهمة في بناء مجتمع ديموقراطي حداثي متطور مؤسس على قيم المواطنة الحقة القائمة على مبدأي الحقوق و الواجبات.
وشدد الدرويش على أنها تثبيت لثقافة الاعتراف واستحضار للماضي بمنطق الحاضر من أجل المستقبل . فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له .
وأشار الدرويش إلى أن هاته المبادرة العلمية تقترن برسالة «مؤسسة فكر» المدنية والمؤسسات الأكاديمية، تجسيدا لمقتضيات دستور المملكة والقوانين المنظمة للأعمال التي تهدف إلى تكوين وتأطير مواطن، مجتمعيا، يكون متشبعا بقيم المواطنة ومتشبثا بأرضه تاريخا وحاضرا ومستقبلا، ولكون الإبداع الفكري والثقافي المغربي لا يتحدد من خلال حقب زمنية منفصلة تحدث بينها قطائع وتفصل بينها مسافات، ولكنه ينتظم داخل سيرورة جعلت مجموعة من الفاعلين الوطنيين يجمعون بين الفعل الأكاديمي والفعل النضالي، سياسيا ونقابيا واجتماعيا، وهو حال أسماء بعينها انتمت إلى أحزاب وطنية مختلفة المراجع لكنها مجتمعة حول منظورها للقيم الكونية المتعارف عليها فتألق مناضلوها وبزغت نجومهم وذكرت أسماؤهم وطنيا ودوليا.
في الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة، أكد عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومدير جريدة « الاتحاد الاشتراكي»، أن محمد زنيبر كان أحد رجال الحركة الوطنية الذين يشتغلون كجنود الخفاء، باعتبار جذوره الراسخة في التربة الوطنية والعربية والإسلامية، كما ذكر جماهري، بجنازة هذا الهرم الأكاديمي المتعدد الذي أبنه آنذاك سنة 1993، المناضل القيادي الاتحادي سي محمد اليازغي، عبر مقالة منشورة في جريدة المحرر تصف هذه الجنازة الحاشدة بتفاصيل دقيقة رمزية وعميقة، تدل على عظمة هذه الشخصية الاتحادية الأكاديمية التي تركت بصمات راسخة في مجال الأدب والسياسة والبحث التاريخي.
كما استعرض جماهري، المسار السياسي الاتحادي والنضالي النقابي لمحمد زنيبر بوزارة الخارجية والذي أدى في ذلك الوقت ضريبة النضال، وكيف كان بيته مفتوحا للضيوف السياسيين الأجانب والمغاربة، بتنسيق مع قيادة الاتحاد الاشتراكي.
أما عز الدين الميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فقد أكد في كلمة بالمناسبة، على ضرورة ضمان الاستقلالية للجامعة المغربية، باعتبارها هي الحجر الأساس، للتحفيز في العلم والمعرفة والبحث العلمي بالبلاد، مسجلا في نفس الوقت أن تكون هذه الاستقلالية بمفهومها الكوني والدولي، حتى تضمن للجامعة المغربية قيمة مضافة في المجتمع والبلاد.
وشدد الميداوي، بنفس المناسبة، على ضرورة الدفع باستقلالية الجامعة حتى يشعر الجميع بامتلاكها وبالتالي التحفيز على حرية الإبداع والابتكار في المجال العلمي والمعرفي وتفجير الطاقات لصالح البحث العلمي الأكاديمي.
واستعرض الميداوي علاقته الإنسانية بمحمد زنيبر الذي تعرف عليه من خلال ابنه خالد الذي كان زميلا له في الدراسة بفرنسا بمونبيلي، مؤكدا أن هذه العلاقة كانت بمثابة علاقة أبوة، واصفا إياه برجل ذي ذوق رفيع ورجل الطرب بامتياز حيث كان يتقن العزف على العود والكلمات الجميلة. لقد كانت علاقة أبوية روحية جد متميزة.
كما انتهز الميداوي الفرصة لتحية جزء من طلبة الطب والصيدلة الذي حضروا هذا اللقاء.
ومن جهته، اعتبر محمد الغاشي، رئيس جامعة محمد الخامس، في أول نشاط رسمي له، بعد تعيينه، أن محمد زنيبر واحد من رجال التعليم العالي الأفذاذ، لمؤسسة جامعة محمد الخامس، والذين جاؤوا اليوم اعترافا بمجهوداته وأعماله المتميزة والخالدة ليس فقط على صعيد الجامعة بل على الصعيد الوطني.
وأكد رئيس الجامعة أن التكريم سمة حضارية بامتياز، وتكريس لثقافة الاعتراف لأهل العلم والمعرفة، ومحمد زنيبر علامة قوية بارزة في تاريخ الجامعة المغربية، بالنظر إلى تجربته العلمية والفكرية التي قل نظيرها وعز إنتاجها.
كما استعرض الغاشي المسيرة العلمية لمحمد زنيبر واصفا إياه بالعالم المتبصر في مادة التاريخ.
ومن جانبه، أكد حسن المزدلي، ممثل وزارة الشباب والثقافة والتواصل، أن محمد زنيبر رجل علم ومعرفة ذو مسار استثنائي متعدد الثقافات وجزء من ذاكرة الأمة، وواحد من الصفوة المثقفة بالبلاد.
وذكر ممثل وزارة الشباب والثقافة والتواصل أن المؤرخ محمد زنيبر أعطى الكثير وخاصة في مجال الدراسات التاريخية، وترك بصمات خالدة في منظمة اتحاد كتاب المغرب، فهو نموذج المثقف ببلده، وذو المسار والتجربة العميقة الملهمة للطلبة والأساتذة والباحثين، فكريا ومعرفيا ومؤسساتيا.
وذكرت عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالنيابة ليلى منير، في كلمة لها أن هذه المؤسسة أعطت الكثير في مجال الفكر والعلم والمعرفة، حيث تخرج منها عدد من المفكرين والعلماء والمؤرخين … وفي مقدمتهم أسماء كبار نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد زنيبر ومحمد سبيلا، طه عبد الرحمان، محمد جسوس، إبراهيم بوطالب، وعبدالله العروي … واللائحة طويلة.
وأشادت ليلى منير بهذا التقليد الذي سنته مؤسسة فكر للاحتفاء وتكريم هؤلاء العظماء في الفكر والمعرفة المغاربة، الذين أسدوا للوطن خدمات أكاديمية وعلمية كثيرة راسخة في التاريخ المعاصر للمملكة.
واستعرضت لطيفة الكندوز، رئيسة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، تجربتها كطالبة لدى المؤرخ محمد زنيبر، حيث كان الطلاب يجدون فيه الأستاذ المتفهم والمحفز على الدراسة والتحصيل والمشجع للطلبة بطرقه البيداغوجية العالية.
وتحدثت الكندوز عن التجربة العلمية للمؤرخ محمد زنيبر كأحد الأساتذة المتمرنين في البحث التاريخي، دون أن تغفل مجهوداته الجبارة التي قام بها لتأسيس الجمعية المغربية للبحث التاريخي،والذي تحمل مسؤولية كاتبها العام في بدايتها.
ولم تفوت الكندوز الفرصة للحديث عن المسار الأكاديمي لمحمد زنيبر وعن إسهاماته في تكوين وتأطير أجيال الباحثين وإشرافه على رسائل وأطروحات جامعية كبيرة.
كما عرفت هذه الندوة، بعد جلستها الافتتاحية، جلستين حول المسار الأكاديمي والفكري والعلمي لمحمد زنيبر وتجربته في مجال البحث التاريخي والأدبي والتأطير والإشراف الأكاديمي كأحد رموز الجامعة المغربية، خلال هاتين الجلستين قدم ثلة من الأكاديميين والباحثين مداخلات بهذا الخصوص، ثم عن إنتاجاته الفكرية وإصداراته المعرفية.
وتجدر الإشارة إلى أن «مؤسسة فكر» سبق لها أن نظمت ندوات وطنية ودولية حول مواضيع همت الواحة والتحولات المجتمعية بمدينة الريصاني، ومن التربية الدامجة إلى المجتمع الدامج بالرباط، واللسانيات والتنمية مساهمات في تطوير المجال والمجتمع، وتقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي رؤى متقاطعة، والعلاقات المغربية الإسبانية رؤى متقاطعة، والماء والطاقات المتجددة والتنمية المستديمة بمراكش، والأسبوع الثقافي المغربي بلاص بالماص، كما أسست لتقليد نتمناه يستمر ويلقى الدعم المعنوي والمالي المناسب استعادة لحياة وفكر رواد ومؤسسي الفكر والثقافة والمعرفة بالمغرب، وهكذا نظمت لقاءات وطنية شملت كل من عبد المجيد بنجلون وعبد الكريم غلاب وجرمان عياش وإنتاجات وعطاءات عبد الله العروي وأدب ونقد وإبداع سي احمد اليبوري وعبد العزيز بلال واليوم نلتقي حول شخصية تعد فاعلا أساسيا في التاريخ والأدب والسياسة والفن .
مؤسسة فكر وكلية الآداب والجمعية المغربية للبحث التاريخي يكرمون المؤرخ والأديب والسياسي الراحل محمد زنيبر
الكاتب : عبد الحق الريحاني
بتاريخ : 29/11/2024