خبراء يناقشون في طنجة تحديات السيادة الغذائية في ظل التغيرات المناخية

 

قال محمد فكرات رئيس مجموعة القرض الفلاحي إن موضوع الأمن الغذائي يستوجب استحضار مدى وفرة المواد الغذائية، سواء أكانت نباتية أو حيوانية، في السوق، بغض النظر عن مصدرها سواء كانت هذه المواد تنتج محليا أو تأتينا عبر الاستيراد.
وأوضح فكرات في تصريح لصحيفة “الإتحاد الاشتراكي”، على هامش مشاركته في ندوة حول “الاستثمار في الزراعة وتعزيز السيادة الغذائية” أنه من المهم أن تكون هناك وفرة في المواد الغذائية كيفما كان نوعها داخل الأسواق ، وبالنسبة للمغرب ليس هناك مشكل في هذا الجانب، غير أنه إلى جانب الوفرة من الضروري أن تكون هذه المواد الغذائية متاحة بأثمان تسهل الحصول عليها، وهنا يبطل المغرب مجهودا في هذا الجانب .
وقال رئيس مجموعة القرض الفلاحي “صحيح أن هناك عجزا في الميزان التجاري الغذائي للمغرب، غير أن هذا لا يمنع كون المغاربة عندما يذهبون إلى السوق يجدون أن جميع المنتوجات الغذائية متوفرة، وليست هناك طوابير للحصول على المواد الأساسية، تبقى الإشكالية في توفر هذه المواد بأسعار في المتناول، وفي هذا الصدد هناك مجهودات تبذل في بعض السلاسل الإنتاجية التي تضررت بسبب ندرة المياه وهو ما اعتبره أمرا طبيعيا لكون المجال الفلاحي رهين بالتغيرات المناخية، والمغرب يبذل مجهودا في هذا الجانب لمواجهة هذه التحديات سواء من خلال المخططات المائية التي أطلقها مؤخرا أو من خلال تطوير البحث العلمي لتمكين الفلاحة المغربية من التأقلم مع هذه التغيرات المناخية”
وخلال هذه الندوة حاول كل من محمد فكرت، رئيس القرض الفلاحي للمغربإيفلينماشالين، مديرة الخبرة والتفكير فيموؤسسةEnabelوتومينتا ف. كينيدي، مؤسس ومدير البنك الأفريقي لمعلومات الأعمالوإيرين كيليكشي، كبير مسؤولي الاستثمار، البنك الأفريقي للتنمية، القطاع الخاص والتمويل المختلطمارك تيسييه دورفويل، مؤسس ومديرشركةCom’Publicsالدولية للمركبات البيئية.
واعتبر المتدخلون أن الزراعة أساس الأمن الغذائي، إلا أنها تواجه في الوقت الحالي تحديات كبيرة. الموارد الأساسية مثل المياه والأراضي، التي تعد ركيزة لهذه الممارسة القديمة، تتعرض بشكل متزايد لتهديدات ناجمة عن تغير المناخ. تزداد ندرة المياه سوءًا، بينما تتقلص المساحات الزراعية الصالحة، مما يهدد استدامة الإنتاج الزراعي على المدى الطويل.
تتفاقم هذه القضايا البيئية مع شيخوخة المزارعين وتزايد التوسع العمراني، الذي يستهلك تدريجيا الأراضي الزراعية ذات الإمكانيات العالية.
بالنسبة للدول التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الزراعة، أصبح الاستثمار في هذا القطاع أولوية ملحة. الهدف الرئيسي هو ضمان حصول جميع السكان على غذاء كافٍ وميسور التكلفة ومغذٍ، مع تقليل الاعتماد على الواردات الغذائية. تعزيز القطاع الزراعي لا يضمن فقط الأمن الغذائي، بل يسهم أيضًا في تنشيط الاقتصاد القروي والمساعدة في تخفيف حدة الفقر. نظام زراعي محلي قوي ومتنوع يُلبي احتياجات الغذاء بشكل مستدام، مع تقليل التأثيرات البيئية المرتبطة بالنقل والممارسات الزراعية المكثفة.
في المغرب، أسهم مخطط المغرب الأخضر بشكل كبير في تغيير المشهد الزراعي من خلال تشجيع تنويع المحاصيل وتحديث أنظمة الري. وعلى نفس المنوال، تسعى مبادرات مختلفة في إفريقيا، مثل تحالف الثورة الخضراء في إفريقيا (AGRA)، إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية من خلال توفير بذور عالية الجودة وأسمدة وتدريب للمزارعين.
ومع ذلك، يواجه صغار المزارعين، الذين يمثلون جزءا كبيرا من الإنتاج الغذائي العالمي، عقبات في الوصول إلى الموارد اللازمة والأسواق والتقنيات الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، تعيق البنية التحتية الريفية غير الكافية الجهود المبذولة لتحقيق السيادة الغذائية المستدامة.
تعتبر السيادة الغذائية موضوعًا حيويًا في المغرب، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى التحديات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع. وفقًا لتقرير وزارة الفلاحة المغربية لعام 2023، يمثل إنتاج القمح في المغرب حوالي 3.5 مليون طن سنويًا، في حين يحتاج إلى استيراد حوالي 6 ملايين طن سنويًا لتلبية الطلب الداخلي، مما يعكس اعتماد البلاد على الاستيراد لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والذي بلغ حوالي 36% في هذا المحصول.
علاوة على ذلك، يظهر تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لعام 2022 أن المغرب يستورد حوالي 50% من احتياجاته الغذائية، خاصة الحبوب والزيوت، مما يجعل البلاد عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. ولا تتوقف التحديات عند هذا الحد، بل إن قطاع الزراعة يواجه مشكلات كبيرة في الموارد المائية، حيث يستهلك هذا القطاع حوالي 90% من المياه المتاحة، مما يؤثر سلبًا على استدامته في ظل التغيرات المناخية. تشير التوقعات إلى أن المغرب سيعاني من نقص في المياه بحلول عام 2030، مع إمكانية تراجع الموارد المائية بنسبة تصل إلى 30%.
ومع ذلك، لا تزال بعض السلاسل الإنتاجية تعاني من التراجع. على سبيل المثال، تراجعت إنتاجية اللحوم الحمراء بشكل ملحوظ بسبب الظروف المناخية الصعبة وارتفاع تكاليف الأعلاف، مما دفع المغرب إلى البحث عن أسواق خارجية لتلبية احتياجاته. بالإضافة إلى ذلك، تأثر إنتاج الزيتون، الذي يعد محصولًا رئيسيًا في البلاد، تراجع بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بالسنوات السابقة بسبب الظروف الجوية غير المواتية.
تظهر هذه المعطيات كيف يتزايد الضغط على الأمن الغذائي في المغرب، مما يستدعي اتخاذ خطوات عاجلة لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ضمان الأمن الغذائي يتطلب استثمارًا أكبر في التقنيات الزراعية المستدامة وتطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.

 

 


الكاتب : طنجة: عماد عادل

  

بتاريخ : 02/12/2024