الوجه المظلم … لقمر المونديال!

عبد الحميد جماهري

من عادة الفرح أن يرحل بصاحبه إلى .. ما فوق السحاب. من هناك يبدو القمر مضيئا أكثر. وتبدو الأرض الخضراء أكثر خضرة: تفاحة مجللة بالضوء والماء. كما قال الشعراء.هذا ما حدث لنا جميعا، والحمد لله، بعد أن نجح المغرب بقيادة ملكه في الفوز باحتضان مونديال 2030..
لكن الفرح لكي يكون إنسانيا، وذا مردودية جماعية، ولكي يدوم ويحقق وعوده، يحتاج العودة إلى الأرض.
ولعل المجلس الوزاري الذي عقده ملك البلاد منذ يومين، من نوع الرحلة إلى .. حقيقة الواقع.
ودليل ذلك، هو أن ورقة الطريق التي تم تبنيها إبانه، تحت مسمى استراتيجي كبير، تكشف بأن هذا الذي يلمع عاليا ومضيئا في السماء تنقصه الطرق السالكة.. فوق الأرض.
بمعنى آخر، إن المونديال فرصة لكي نتأمَّل ما حقيقة العمل الذي يجب القيام به حتى نكون في مستوى هاته اللحظة.
ولم يترك لنا الديوان الملكي مجالا لنضمن ما يجب أن نفكر فيه. كانت خارطة الخصاص واضحة، وما يجب تداركه بينا وظاهرا كذلك.
لم ينحسر التفكير في البعد الكروي ولا تأهيل المحيط الكروي والارتقاء به إلى المستويات المطلوبة دوليا، وتجاوز بعض مما تحقق، والاستفراد ببصمة مغربية تظل خالدة في تاريخ الكرة… والكرة الأرضية على حد سواء..يتعلق الأمر بتأهيل وطني، بما يشبه مخطط مارشال الذي كان طريقا في تأهيل أوروبا..
لسنا في حرب، الأهم ما نخوضه من معارك من أجل مكاسب أكثر، لكن ما طلبه الملك في الاجتماع وتم تدوينه في بلاغ الديوان الملكي واضح وضوح .. الحاجة…
هي فرصة للبناء المجتمعي وليس فقط إثبات النبوغ المغربي الكروي الذي انفجرت طاقاته منذ مونديال قطر، وتواصلت بفعل معجزة ساهم فيها بقوة مغاربة العالم، وهي فرصة لتدارك النقص الذي يثقل خطانا نحو هذا الموعد الدولي.
حقيقة ما يجب القيام به، برنامج تأهيل استراتيجي عميق، يستوجب اغتنام الفرصة الفريدة التي تحققت للمغرب من أجل ألا يقف عند الاحتفالية، بترك الأساسي الذي يمكن أن نجنيه منه.
والأرضية المطلوب تحقيقها محصورة وشاملة في الوقت نفسه وتتمثل في:
ـ توسعة وتجديد المطارات بالمدن الست المستضيفة ؛ وهوتقييم للراهن، ودعوة إلى المستقبل بما يزيد من قدرات مستقبلية…
– تقوية البنيات التحتية الطرقية وتكثيف شبكاتها داخل المدن؛ وليس المدن المستضيفة فقط للمنافسات، بمعنى أن المطلوب أن تكون لنا في 2030 بنية تحتية تليق بمغرب قادم بعد ست سنوات، وبجمهور قادم من دول متعددة متباينة النمو، ومنها من تجاوزت المستقبل بقليل.
– إطلاق برنامج مندمج للتأهيل الترابي يمتد خارج المدن المستضيفة لمباريات كأس العالم؛
– تطوير البنية التحتية الفندقية والتجارية؛ بما يتجاوب مع طلب أكبر بكثير من الطلبات السياحية الموسمية التي نتعثر فيها أحيانا ويتحكم فيها المزاج الربحي المقيت في تنفير السياح والناس من فضاءاتها الطينية والبحث عن متنفسات خارج المغرب(إسبانيا وتركيا مثلا )
– تقوية وتحديث العرض الصحي؛ (ااااه يا بردي، كما يقول أهلنا في الشرق) ، هل سنعقد المونديال وما زال أطباء وممرضون ينتظرون الحوار الحكومي في قطاع ما دون الحد الأدنى من الخدمة الصحية؟
– تطوير وتحديث شبكات الاتصال.. وهو موضوع شيق ومثير وشائك، ولنا أن نذكر أن الاتحاد لما طرح الموضوع، هناك من استغرب واستنكر ذلك، كما لو أننا نشكك في قدرات المغرب على استضافة المونديال!
– إطلاق برنامج موسع للتكوين من أجل تقوية كفاءات الشباب.
وبخصوص الشباب، نتساءل: من هو الجمهور الذي سيشارك بقوة في متابعة المقابلات فوق ترابنا؟
إن غالبيته يتكون من الشباب الذي يبلغ حاليا 10 و11 و12 سنة، والذي يصادف المونديال وعمره ما بين 16 و18 سنة.. كيف نربيه على اللقاء مع أجناس وسلوكات وأذواق أخرى، كيف ينتظر أفق المونديال، وهو لا يملك في الواقع سوى تجربة محلية، بالرغم من غناها وثراها وقوتها ومميزاتها الحضارية لكنها تظل محدودة في الرقعة الوطنية المباركة؟
أي مدرسة ستصاحبه إلى أن يبلغ الموعد الدولي، الذي يشكل بالنسبة للعديد من الدول محطات أساسية في تطورها ونموها.. والأمثلة لا نعدمها من أوروبا نفسها ودول الصف الأول عالميا؟
ونتساءل، لولا البلاغ الملكي هل كنا سنقف على هذا الجانب «المظلم» في طريقنا، والذي ينتظر التقدم والإصلاح والمبادرة، مع حكومة ترفض أي تنبيه أو ملاحظة، وتعتبر كل صيحة عليها. .. حكومة تعتبر بأنها جاءت بما لم يأت به الأوائل؟؟
صراحة لا أعتقد .. وأكاد أجزم أنها كانت ستبادر إلى الادعاء بأننا نتوفر على كل المعايير المطلوبة لتنظيم المونديال .. قبل ست سنوات من تاريخه!!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/12/2024