انفجار معدل البطالة: 21.4% رقم كارثي يهدد «الدولة الاجتماعية»

منذ وصول حكومة عزيز أخنوش إلى السلطة، كانت إحدى أبرز وعودها المعلنة في البرنامج الحكومي هي “إحداث مليون فرصة شغل على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة”. وهو وعد أثار الأمل في نفوس العديد من المواطنين الذين كانوا ينتظرون تحسنا ملموسا في سوق الشغل. لكن، وفقا للمعطيات الأخيرة الصادمة التي كشف عنها الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، فإن الواقع يقول العكس تماما. فبدلا من أن تسهم الحكومة في توفير فرص الشغل، ارتفع معدل البطالة بشكل كبير، لتتضح فداحة الفشل في تنفيذ الوعود التي أطلقتها.
ووفقا للإحصاءات التي قدمها شكيب بنموسى، المندوب السامي للتخطيط، فإن معدل البطالة في المغرب شهد انفجارا غير مسبوق، حيث انتقل من 16.2% في 2014 إلى 21.4% في 2024، أي بزيادة فاقت 5% في عقد واحد. وهو ما يعني أن عدد العاطلين بالنظر سكان البلاد بلغ بالضبط 7.8 مليون نسمة، هذه الزيادة لم تقتصر على الفئات الضعيفة أو المناطق النائية، بل شملت جميع شرائح المجتمع من الحواضر إلى القرى. ففي المدن، ارتفع معدل البطالة من 19.3% إلى 21.2%، بينما سجلت المناطق القروية زيادة صادمة في معدل البطالة من 10.5% إلى 21.4%.
هذه الأرقام تكشف بشكل صارخ عن فشل الحكومة في توفير الفرص التي وعدت بها، وتؤكد أن الحكومة الحالية، التي تدعي أنها جاءت لتكريس مفهوم “الدولة الاجتماعية”، لم تتمكن من تحقيق أي تقدم ملموس في هذا المجال. فبدلا من أن تشهد البلاد تحسنا في سوق العمل، نجد أن الوضع يسير من سيء إلى أسوأ.
إحدى الفئات الأكثر تضررا من هذه الأزمة هي النساء. فقد وصل معدل البطالة بين النساء في 2024 إلى 25.9%، وهو ما يعكس الوضع المأساوي الذي تعيشه النساء في سوق الشغل بالمغرب. رغم أن الحكومة حاولت الترويج لمبادراتها التي تدعي دعم النساء في مجالات العمل، إلا أن الواقع يكشف عن تهميش مستمر لهذه الفئة. ففي عام 2014، كان معدل البطالة بين النساء 29.6%، وفي 2024 انخفض هذا المعدل قليلا إلى 25.9%، لكن ذلك لا يعكس تحسنا حقيقيا في وضع النساء العاملات، بل مجرد تقليص طفيف لا يتناسب مع الوعود الكبيرة.
أما بالنسبة للرجال، فقد ارتفع معدل البطالة أيضا من 12.4% في 2014 إلى 20.1% في 2024. وعلى الرغم من أن هذا المعدل لا يزال أقل من نظيره في صفوف النساء، إلا أن الزيادة الواضحة في البطالة بين الرجال تشير إلى تدهور شامل في سوق العمل، وهو ما يبرهن على أن حكومة أخنوش لم تتمكن من إيجاد الحلول الفعّالة التي وعدت بها.
من بين أبرز المعطيات السلبية التي أظهرتها نتائج الإحصاء هو تراجع ملحوظ في معدل النشاط الاقتصادي. فبالمقارنة بين 2014 و2024، نجد أن نسبة السكان الذين يشاركون في النشاط الاقتصادي انخفضت بشكل كبير، حيث بلغ معدل المشاركة 41.6% في 2024 مقابل 47.6% في 2014. هذا التراجع يعكس عزوفًا متزايدًا عن سوق العمل، ويزيد من تعميق الهوة بين الوعود الحكومية والممارسات الواقعية.
ويظهر أن الحكومة لم تفِ بوعدها بخلق بيئة مشجعة للشغل، حيث أن العديد من المواطنين، خاصة النساء، أصبحوا أكثر عزوفا عن الانخراط في سوق الشغل بسبب غياب الفرص الحقيقية والمجزية. في الوقت نفسه، تراجع معدل النشاط لدى الرجال من 75.5% إلى 67.1%، ما يضع الحكومة أمام تساؤلات حقيقية حول جدوى سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.
من الملاحظ أيضا أن ارتفاع البطالة في بعض المناطق قد بلغ مستويات كارثية. فمناطق مثل “گلميم-واد نون” (31.5%) و”الجهة الشرقية” (30.4%) و”بني ملال-خنيفرة” (26.8%) سجلت أعلى معدلات البطالة في المملكة، بينما كانت بعض المناطق الكبرى مثل “الرباط-سلا-القنيطرة” (19.8%) و”الدارالبيضاء-سطات” (18.8%) أقل تأثرا. هذه الفوارق الجهوية الواسعة تعكس غياب استراتيجية تنموية شاملة من طرف الحكومة، لا تستهدف فقط المناطق الحضرية المتقدمة بل تمتد لتشمل المناطق القروية التي تعاني من الفقر والعزلة.
من جهة أخرى، يكشف هذا التباين الجغرافي أن الحكومة لم تتمكن من تحقيق التنمية المتوازنة بين مختلف الجهات والأقاليم، وهو ما يعكس ضعف السياسة الاقتصادية التي لا تلبي احتياجات المواطنين في جميع أنحاء المملكة. في هذا السياق، تظل وعود الحكومة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتطوير المناطق الأقل حظا مجرد إشاعات وشعارات فارغة.
والأكيد أن فشل حكومة عزيز أخنوش في الوفاء بوعدها بخلق مليون فرصة شغل لا يعكس فقط إخفاقا في تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها، بل يعكس أيضا غيابا تاما لرؤية استراتيجية واضحة تعالج التحديات الهيكلية التي يعاني منها سوق الشغل في المغرب. على الرغم من التفاؤل الذي رافق بداية هذه الحكومة، إلا أن الأرقام والإحصاءات التي تم الكشف عنها تشير إلى أن السياسة الاقتصادية لا تزال عاجزة عن استيعاب البطالة المتزايدة وتوفير فرص العمل للمواطنين.
الوضع الكارثي الحالي يتطلب من الحكومة أن تتحمل المسؤولية كاملة عن فشلها في تلبية احتياجات المواطنين في مجال خلق مناصب الشغل والفرص الاقتصادية. وفي ظل هذا الواقع المؤلم، تبقى أسئلة كبيرة معلقة: هل يمكن لحكومة أخنوش أن تخرج من دائرة الوعود إلى دائرة الإنجاز؟ أم أن الفشل في خلق فرص الشغل سيظل يلاحقها، ويظل المواطن المغربي هو الضحية الوحيدة لهذا الفشل الكبير؟


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 19/12/2024