منذ سنوات قليلة بدأ الناس بعدد من الدول يلاحظون مرور أضواء في السماء على شكل سلسلة متراصة تشبه قطارا يسير بين السحب على ارتفاع منخفض، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الخوف والتكهنات وفتح المجال لمجموعة من القصص الخيالية حول تواجد فضائيين يستعدون لغزو الأرض، صدمة رؤية هذا القطار المريب لم يستثن منها المغاربة الذين لاحظوا ذلك المرور الليلي لقطار شبح يسير بشكل سريع عبر السحب مما خلق لديهم ذات التساؤلات .
الأمر هنا لا يتعلق بكائنات فضائية أو قطارات ستسير في السماء بعد أن ضاقت بها الأرض بل هي بكل بساطة أقمار»ستارلينك» (Starlink) للأنترنيت الفضائي، وهي عبارة عن شبكة من الأقمار الصناعية التي أطلقتها شركة «سبيس إكس» (SpaceX)، لمالكها إيلون ماسك، بهدف توفير خدمة الإنترنت عالي السرعة في جميع أنحاء العالم، خاصة في المناطق التي يصعب فيها الوصول إلى الإنترنت التقليدي أو تكون فيه البنية التحتية ضعيفة. تعتمد هذه الخدمة على آلاف الأقمار الصناعية التي تدور في مدار منخفض حول الأرض، ما يقلل من وقت التأخير مقارنة بالأقمار الصناعية التقليدية.
تم إطلاق أول دفعة من أقمار «ستارلينك» في 23 مايو 2019، وتضمنت 60 قمرا صناعيا، وأُطلقت بواسطة صاروخ فالكون 9 من شركة «سبيس إكس»، التجربة الأولى كان الهدف الأساسي منها اختبار القدرات التكنولوجية للأقمار والأنظمة الخاصة بالشبكة، قبل ذلك وفي سنة 2015، قدمت «سبيس إكس» خططها الرسمية لإنشاء شبكة «ستارلينك»، وقدم أول نموذج أولي بنجاح إلى المدار في فبراير 2018 لاختبار الفكرة، لكن ومنذ2019، أصبحت هناك إطلاقات شهرية تقريبا للأقمار الصناعية، حتى اليوم، أطلقت «سبيس إكس» آلاف الأقمار الصناعية إلى المدار، حيث تعمل على تعزيز التغطية وزيادة الكفاءة، وفي المرحلة التجريبية بين (2019–2020)، ركزت «سبيس إكس» على مناطق محدودة، مثل الولايات المتحدة وكندا، لتحسين الأداء، وقدمت الشركة خدمتها بنظام تجريبي للمستخدمين الأوائل تحت اسم Better Than Nothing Beta(أفضل من لا شيء).
وفي المرحلة ما بين (2021–2024)بدأ الانتشار العالمي حيث تمت تغطية مناطق جديدة حول العالم، بما في ذلك أجزاء من أوروبا، آسيا، إفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وبحلول عام 2024، أصبحت «ستارلينك» تغطي أكثر من 60 بلدا .
مقارنة بالأقمار الصناعية التقليدية تعتبر أقمار «ستارلينك» صغيرة الحجم حيث إن كل قمر يزن حوالي 260 كغ (في النسخ الأولى)، لكنها تخضع لتحسينات دائمة بهدف خفض وزنها والزيادة في كفاءتها، كما يتم استخدام تقنية الدفع الأيوني لضبط مدارها والحفاظ على موقعها.
حسب آخر إحصائيات عام 2024، أطلقت «سبيس إكس» أكثر من 5000 قمر صناعي في مدارات مختلفة، بهدف نشر ما يصل إلى 12,000 قمر صناعي في المرحلة الأولى، مع إمكانية رفع العدد إلى 42,000 قمر في المستقبل، وتتم طريقة الإطلاق باستخدام صواريخ فالكون 9 على شكل دفعات مع كل عملية إطلاق تحمل حوالي 60 قمرا صناعيا، وتشبه عند إطلاقها قطارا مضيئا ما يسمى بـ» Starlink Train.»لأنها تكون مرتبطة في ما بينها على شكل سلسلة وقريبة من بعضها البعض ومسارها أثناء ضبط ارتفاعها ومدارها النهائي يكون في مدارات متقاربة لكنها تنفصل تدريجيا بعد بضعة أسابيع أو أشهر متوجهة إلى مداراتها التشغيلية حيث يتم نشرها لتوفير تغطية الانترنيت، ويحدد مدارها النهائي بين 500 إلى 1200 كيلومتر فوق الأرض أما عن كيفية اشتغالها فهي لا تحتاج كثيرا إلى المحطات الأرضية بسبب أنها أقمار مترابطة في ما بينها باستخدام إشارات الليزر لتبادل البيانات، لكن ورغم طابعا الثوري المتطور في مجال الأنترنيت إلا أن هناك مشاكل وتحديات تواجهها حيث إن عكسها لضوء الشمس في المراحل المبكرة، يسبب مشكلات لعلماء الفلك عند مراقبة السماء ليلا، ولمواجهة هذا المشكل تعمل «سبيس إكس» على تطوير طلاءات مضادة للانعكاس (DarkSat) لتقليل الوهج، كما يبرز مشكل آخر يتمثل في وجود آلاف الأقمار في المدار مما يزيد من خطر الاصطدام، ويثير قلقا حول النفايات الفضائية، لكن هذه الأقمار تُستخدم تقنية «التدمير الذاتي» حيث تنخفض الأقمار التي تنتهي صلاحيتها وتحترق في الغلاف الجوي.
ستتيح «ستارلينك» الإنترنت للمناطق النائية التي قد تكون غير مغطاة بشبكات الانترنيت العادية أو تعاني ضعف البنية التحتية الأرضية، وهي ذات تقنية عالية توفر سرعة إنترنت تصل إلى مئات الميغابت في الثانية، وهي كافية للبث، اللعب عبر الإنترنت، وحتى الاجتماعات الافتراضية، وللاشتراك في هذه الخدمة التي تستعد لغزو العالم لا بد من شراء معدات (طبق استقبال ومودم) بتكلفة أولية، مع رسوم اشتراك شهرية، ما يجعلها خيارا مناسبا للذين لديهم احتياجات حقيقية في المناطق البعيدة. هذه التقنية تتميز بكونها ذات تغطية كوكبية حيث تغطي الشبكة جميع أنحاء العالم تقريبا، بما في ذلك المناطق المعزولة، كما يمكن زيادة عدد الأقمار بسهولة لتحقيق تغطية أكبر.
حتى الآن، لم يتم تفعيل خدمة «ستارلينك» في المغرب، ومؤخرا ظهرت عدة أخبار عن تواجد إيلون ماسك بالمغرب للعمل على إطلاق هذه الخدمة لكنها تقارير غير موثوقة وغير رسمية، وحسب مختصين فإن إيلون ماسك نادرا ما يُجري زيارات مباشرة إلى الدول في سياق مشاريع «ستارلينك»، لأنه يعتمد على فرق عمل إقليمية للتفاوض والعمليات، وفي حال كانت هناك زيارات مستقبلية، قد تكون بهدف الاستثمار أو مناقشة مشاريع مثل الطاقة المتجددة (Tesla) أو النقل (The Boring Company)، نظرا لتركيزه على الابتكار والبنية التحتية، لكن تقارير أخرى تؤكد أن المغرب على بعد خطوات قليلة لاعتماد الانترنيت الفضائي، وحسب معطيات، فإن إجراءات تقنية هي التي تفصل في الحسم في صفقة خدمات الانترنيت عبر الأقمار الصناعية في 2025 حيث يتم إعداد الأرضية التقنية والترسانة القانونية والبنية التحتية اللازمة لتنزيل المشروع، وذلك في إطار استراتيجية المغرب الرقمية قبل سنة 2030.
تجربة رؤية القطار المضيء لا شك ستكون مثيرة واستثنائية، وزيارة سريعة لموقع « find starlink.com». تتيح الاطلاع على الوقت الذي تمر فيه هذه القطارات بالمغرب أو أي بلد آخر، وهي تنساب عبر السحب كحلم قريب !