فاز الفيلم المغربي “تباين « DISPARITY» لمخرجه هلال العزوزي بالجائزة الكبرى للدورة التاسعة للمهرجان الدولي لسينما المقهى في نسخته الفضية التاسعة التي اختتمت فعالياتها عشية الثلاثاء 17 دجنبر الجاري بمسرح تازة العليا . وحاز فيلم « أيام رمادية «Les Jours Gris» للمخرجة عبير فتحوني بجائزة أفضل سيناريو. كما استحق الفيلم التونسي « إنسان 1 في 2 « للمخرجة خلود المثلوتي جائزة الذكاء الاصطناعي تونس» فيما عادت جائزة محمد عصفور: لفيلم « الفحم الأبيض « وايت كول « للمخرج ياسر حمزة علي «سوريا». و خصصت لجنة تحكيم الدورة تنويهين الأول : للمخرج سليمان طلحي « عن فيلم» Une Absence» والثاني للممثلة الواعدة رباب زراك بطلة فيلم» Absence « . يأتي ذلك ،بعد مشاهدة جميع الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للنسخة الفضية من المهرجان وعددها 15 فيلما تم انتقاؤها من أصل 270 فيلما ورد من داخل المغرب وخارجه. يتعلق الأمر بأفلام من المغرب تونس سوريا مصر سلطنة عمان موريتانيا الجزائر وبلجيكا. كلها تبارت على نيل جوائز المهرجان الأربعة: 1 الجائزة الكبرى 2 جائزة أحسن سيناريو 3جائزة الذكاء الاصطناعي4 جائزة محمد عصفور.
الدورة التاسعة قامت كذلك بإحداث جوائز موازية تشجيعا للشباب على الانخراط في الحقل الإبداعي للحقل السينمائي، لا سيما كتابة السيناريو. أسفرت عن تتويج عدد من الأعمال الإبداعية منها: الجائزة الأولى: سيناريو “Tiffugna” للكاتب عبد العزيز مني.المغرب الجائزة الثانية: سيناريو الإثارة والغموض “متكأ” للكاتبة يارا سمير محمود صالح عبيد من مصر . الجائزة الثالثة: سيناريو “تواصل” للكاتب عمرو علي من سوريا الذي جسد فكرة الذكاء الاصطناعي.
وأشادت لجنة تحكيم الدورة التاسعة للمهرجان الدولي لسينما المقهى بتازة المنظم في الفترة ما بين 17 و19 دجنبر 2024 بالتنوع الملحوظ في العرض الثقافي والفني بالإقليم ونوهت بالإشراك الملموس من طرف الجمعية المنظمة لمؤسسات تعليمية وهياكل تربوية ونسيج اجتماعي مدني في الحراك السينمائي بالحاضرة التازية . وأوصت اللجنة المشكلة من الممثل عبد الإله المنياري رئيسا، وعضوية كل من الفنانة التشكيلية الفرنسية مونيك لاتوش Monique Latouche والإعلامي عزيز باكوش في تقرير تم تلاوته عشية الحفل الختامي بمسرح تازة العليا بضرورة الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في الصناعة السينمائية لدى الشباب. ودعت إلى استلهام تقنياته في ابتكار صور وسيناريوهات ملهمة تساهم في إحداث طفرة نوعية في توظيف الخيال وخلق الإيحاء وإشراك المتلقي مما يعزز النظرة الفيلمية ويطور قوالب الإبداع السينمائي.
وعلى صعيد آخر سجلت في تقريرها التطور الملحوظ الذي يعرفه الإنتاج السينمائي عموما وسينما شباب المغرب على وجه الخصوص سواء من حيث استيعاب أحدث التقنيات، أو التنوع في تيمات الأفلام وأشكال الكتابة السينمائية. مما رفع سقف التنافس عاليا. حيث وجدت اللجنة صعوبة كبيرة في الاختيار نظرا لتقارب المستويات التقنية والفنية للأفلام المشاركة ، وتقاطع البنى والتصورات الدرامية . ما فتح نقاشا مستفيضا وجدلا فكريا وفنيا تقنيا غاية في الشفافية والموضوعية. ومن بين التوصيات الهامة للجنة، التأكيد على أهمية إشراك المجتمع المدني من جمعيات وهيئات تعليمية وثقافية بمدينة تازة ومحيطها. التنسيق مع المركز السينمائي المغربي لتنظيم قافلة سينمائية على مدار السنة تستهدف المناطق النائية، ضمن برنامج متفق عليه مع الجمعية المنظمة.
واعتبر الدكتور عزيز زروقي مدير المهرجان ورئيس الجمعية إن النسخة الفضية التي اتخذت لها شعار» السينما وتحديات الذكاء الاصطناعي « دورة محمد عصفور» أب السينما المغربية اتسمت بانفتاح ملحوظ على العالم العربي وبعض الدول الأوروبية. الأمر الذي يعد مكسبا كبيرا للسينما والسينمائيين المغاربة والعرب. ويجعل من المهرجان جسرا حقيقيا لترسيخ للتواصل الثقافي والفني وتبادل الأفكار والمشاريع بين المشاركين المغاربة العرب والأجانب، وفرصة لاكتشاف الطاقات وتعزيز قدراتها في الإبداع والجمال.
من جهته أكد عبد الرحيم المنياري رئيس لجنة التحكيم أن الأفلام المغربية المشاركة أصبحت تفرض نفسها بقوة، مما يشير إلى مستقبل واعد للسينما المغربية. وأضاف أن اللجنة اعتمدت على معايير دقيقة لتقييم الأفلام، مثل جودة السيناريو، الصورة، الموسيقى، والتكامل الفني الذي يخلق تجربة سينمائية ممتعة. أما عمر المنصور، ممثل جماعة تازة الذي أكد أهمية المهرجان باعتباره فرصة مميزة لتعزيز التبادل الثقافي والفني وإشاعة القيم النبيلة بين المشاركين، مشددا على ضرورة تسليط الضوء على معالم التراث المادي واللامادي الذي تزخر به الحاضرة التازية.
وفي معهد الموسيقى والفن الكوريغرافي شكلت الندوة العلمية في موضوع» السينما وتحديات الذكاء الاصطناعي» أقوى لحظات المهرجان بمشاركة أساتذة خبراء وأكاديميين قدموا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة ونفس الكلية بفاس ثم بالرباط وقام بيسير فقراتها بذكاء واقتدار لغوي مزدوج الدكتور عمر صديقي. ولأن الموضوع ذو راهنية وأهمية قصوى كبيرة جدا بحكم الحضور الكبير والمهم للذكاء الاصطناعي في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفي معظم مجالات الحياة ،فقد جاءت المداخلات شاملة ومتكاملة وهمت كذلك حياة المواطن والإنسان.
وفي السياق نفسه قدم الدكتور هشام كزوط أستاذ باحث في قضايا الإعلام والتواصل الإستراتيجي بجامعة محمد الأول وجدة ومنسق شعبة الإعلام والتواصل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، مداخلة علمية تحت عنوان «الصناعة السينمائية في عالم الميتافيرس بين الذكاء الاصطناعي والإبداع الوجداني». وتناول الأستاذ عبد الرزاق مزواك « L’intelligence artificielle Enjeux ,Defits et limites. وتطرق الدكتور يحيى عمارة إلى موضوع» السينما والذكاء الاصطناعي الصداقة المؤقتة والعداوة الدائمة». فيما قدمت الدكتورة نجاة زروقي مداخلة باللغة الفرنسية انسجاما مع وجود مونيك لاتوش فرنسية ضمن لجنة تحكيم الدورة « Vision A artificielles et récit humain: les nouveaux horizons du cinéma à l’ère de l’intelligence
أما الدكتور بلقاسم السهلي فقدم ورقة حول» التكنولوجيا الرقمية في الإنتاج السينمائي» فيما تناول الأستاذ محمد ازروال» الذكاء الاصطناعي في السينما بين تعزيز الإبداع الفني وتهديد الهوية الإنسانية». كما تطرق الدكتور عبد القادر بوعزة بالغتين العربية والفرنسية» Le cinéma et l’intelligence A artificielle de la représentation de la réalité à la reconfiguration des valeurs . فترة المناقشة شكلت قيمة مضافة للندوة وإغناء مضامينها حيث قام المتدخلون بتقديم توضيحات وردود ذات الصلة.
وترى اللجنة في الفيلم المتوج بالجائزة الكبرى “تباين” «DISPARITY» لهلال العزوزي أن مخرجه هلال العزوزي استطاع أن يسلط الضوء على نظرة الفنان نحو شباب ضائع ويائس. شباب يعاني في مواجهة مجتمع معاصر دون أن يمنحه أنصاف الحلول. ومن خلال صوره الفوتوغرافية ومنهجه الفني لا يكتفي بمنح الشباب الأمل بل ويجعل لهم مكانا فيه. إن فكرة «قبل وبعد» في الفيلم تدخلنا في القاموس البصري للفنان. حيث تذهب اللغة الشعرية مباشرة إلى هذه النقطة من الإبهار. لقد تأثرت اللجنة كثيرا باحترافية هذا المخرج وتوظيفه للصورة السينمائية. ودافعت الفنانة الفرنسية مونيك لوتوش عن اختاره بالاجماع.
أما في فيلم «أيام رمادية « الفائز بجائزة أفضل سيناريو تغمرنا المخرجة عبير فتحوني، بالسريالية والبسيطة حيث تحاول الذات نفسها نحو العزلة والابتعاد عن رتابة الحياة اليومية. حيث الضوضاء والضجيج، إنه فيلم رائع بألوان خافتة. فالبطل يرمز إلى ذهان الفكر حين يتوغل في الحياة المعادية للمجتمع. حيث يجب على الفرد أن يواجه عزلته وصمته والفراغ الدائم الذي يحيط به. ويطرح السؤال الفلسفي كيف تجد ابتسامتك؟ بل ويأخذنا إلى ما هو أبعد من المواقف التي يعيشها نحو وعي الفرد ونحو حريته…كما هو الحال في لوحات إدوارد هوبر، فهو يكشف عن جسدنا وعقولنا لمحاربة فكرة الفراغ.
يشار إلى أن حفل الافتتاح تميز بعرض فيلم» الابن العاق» لأب السينما المغربية محمد عصفور متبوعا بورقة تعريفية حول حياة الرائد عصفور من إعداد الباحث الرصين العربي لخصاصي. تلي ذلك تكريم كوكبة من الفنانين والممثلين المغاربة اعترافا بمساراتهم الفنية والسينمائية المميزة، نزهة بدر، رشيدة منار، بوشعيب السفاج، نور الدين بنكيران، الحسين الشعبي، الحسان العوني، ومحمد تدغي مدير معهد الموسيقى والفن الكوريغرافي في مشهد يعكس الوفاء للإبداع الثقافي والفني. وذلك وسط أجواء احتفالية بحضور نخبة من الفنانين والمخرجين فضلا عن إلى جمهور نوعي من عشاق السينما والفن.
كما برمجت النسخة الفضية للمهرجان محطات إبداعية متنوعة جمعت بين الثقافة والفن والسينما. تخللتها أنشطة متنوعة وصلات من الفن الغنائي الشعبي عيساوة كناوة الملحون الطرب الغرناطي الأمازيغي، كما قدمت برنامج عروض سينمائية في دور الرعاية الاجتماعية ودار العجزة والسجن المحلي كان لها الأثر الطيب.
وتابع جمهور نوعي فقرات حفل توقيع كتاب «السينما والفكر النقدي» لمؤلفه خليل الدامون بقاعة معهد الموسيقى والفن الكوريغرافي إضافة إلى ماستر كلاس لنفس الضيف قدمه الباحث الرصين علال لبحر باقتدار واحترافية على مدى ثلاث ساعات من البوح والغوص في ذاكرة الإبداع في المجال السينيفيلي للكاتب. كما تميزت الدورة بتنظيم ورشتين فنيتين، الأولى الخط العربي ،من تقديم الفنان زكرياء عبد الرحمن مزيان، والثانية حول التحف الفنية بإشراف الفنان عبد الجليل شهبون.
الفيلم المغربي « تباين» DISPARITY» يفوز بالجائزة الكبرى للنسخة التاسعة للمهرجان الدولي لسينما المقهى بتازة
الكاتب : عزيز باكوش
بتاريخ : 25/12/2024