قانون مهنة المحاماة …أفقا للتفكير

أحمد حموش (*)

من المسائل التي استرعت اهتمام المحاميات والمحامين، بين مؤيد ومعارض، في إطار النقاش الذي واكب شروع وزارة العدل بإعادة فتح الحوار مع مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب حول مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، مسألة سن مقتضيات قانونية بإحداث مجلس وطني للهيئات، ومسألة التمثيلية داخل مجالس الهيئات بشقها النوعي المتمثل في طريقة انتخاب المرأة المحامية بمجالس الهيئات باعتماد نظام الكوطا، وشقها العمري المتمثل في شرط الأقدمية لأحقية المحامي أو المحامية في الترشح لمنصب النقيب، والذي حسب ما يروج إلى حدود الآن أنه تم التوافق على تحديده في 25سنة من الممارسة المهنية، ولولاية وحيدة لا تقبل التجديد، وكذلك تحديد 15 سنة من الممارسة المهنية كشرط للترشح لمجلس الهيئة.
وإذا استعرنا مضمون المرجعيات المؤطرة لهذا المشروع، نخلص إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى إعادة إنتاج ما سبق تضمينه ضمن توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة المعد سلفا من طرف الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة سنة 2013.
حيث حدد الهدف الرئيسي الخامس من أهداف الإصلاح إنماء القدرات المهنية لكل مكونات منظومة العدالة، وذلك من خلال توفير مؤسسات قادرة على تأهيل مختلف العاملين في هذه المنظومة، وتحسين شروط الولوج إلى المهن القضائية والقانونية، وضمان جودة التكوين الأساسي والارتقاء بمستوى التكوين المستمر، وتوسيع مجال التكوين المتخصص، وكذا تقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية والقانونية ودعم آليات تعزيز ثقة المواطن في هذه المهن.
ولسنا في هذا المقام في معرض بيان جميع الأهداف الاستراتيجية التي يسعى الإصلاح لبلوغها، ولا الأهداف الفرعية المنبثقة عنها، ولا الآليات التي يستلزم تنفيذها، ولا الإجراءات المرافقة لمشروع التوصيات، ولكن وفي انسجام مع ما سبق ذكره يكفي أن نستعرض أنه لبلوغ الهدف الفرعي السادس للإصلاح المتمثل في تقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية والقانونية نجد من ضمن توصيات الميثاق إحداث مجلس وطني لهيئات المحامين، من ضمن مهامه وضع التصورات العامة للتكوين الأساسي والمستمر للمحامين، ووضع نظام داخلي موحد لهيئات المحامين، ومدونة سلوك المهنة، ومراجعة طريقة ومدة انتخاب النقيب وأعضاء مجلس هيئة المحامين، بما يحقق المناصفة والتمثيلية للفئات العمرية والأقدمية في المهنة، وحصر مدة انتخاب النقيب في ولاية وحيدة غير قابلة للتجديد، وإعطاء الجمعية العمومية لهيئة المحامين صلاحية المراقبة والمحاسبة المهنية تجاه مجلس الهيئة، ومراجعة شروط قبول ترافع المحامي أمام محكمة النقض.
وكما علمتنا أدبيات القانون عموما فالنصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعا ما لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ومرد ذلك أنها لا تصدر عن فراغ، بل مرماها إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها المشرع ويعكس مشروعيتها عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها وطريق الوصول إليها.
فلئن كان الدستور يكفل لكل حق أو حرية نص عليها الحماية الدستورية، وتتمثل هذه الحماية في الضمانة التي يكفلها الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم وسائلها من خلال النصوص القانونية التي ينظم بها هذه الحقوق وتلك الحريات، فإنه في قضية التمثيلية مثلا ينبغي في مشروع قانون المهنة أن يكون تنظيمها كافلا لتنفسها في مجالاتها الحيوية، أي المجالس المنتخبة باعتبار هذه الأخيرة هي المساحة اللازمة لاستكشاف الحق في المناصفة والتمثيلية للفئات العمرية، ولا ينبغي أن يفهم من هذا المجال الحيويّ كمجال للصراع.
وإذا كانت المحاصة النسائية أو حصة النساء وتمثيلية الشباب تعني تخصيص نسبة، أو عدد محدد من مقاعد الهيئات المنتخبة، وذلك لضمان إيصال هذه الفئات إلى مواقع وصناعة القرار، فهو يمثل أحد الحلول المؤقتة، التي تلجأ إليها الدول والمجتمعات لتعزيز مشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة، وبإمكانها انطلاقا مما سبق أن تشكل قاعدة في تصويب اختلال تمثيلية المرأة المحامية والشباب على المستوى مجالس الهيئات وتعزيز مبدأ المساواة والمناصفة بين الجنسين، وذلك تكريسا للمبادئ الدستورية، إذ نصّ الفصل 19 من دستور المملكة على أنه:»يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها».
ونصت الفقرة الثانية من الفصل المذكور على أنه:»تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وتُحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز»؛
كما نص الفصل 33 من نفس الدستور كذلك على أنه: «على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي:
– توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛…»
ولئن كانت تمثيلية الشباب في القانون الحالي المنظم لمهنة المحاماة لا تطرح أي إشكال باعتماده على نظام الفئات طبقا للفصل 88 من القانون المذكور، فإن واقع تمثيلية المرأة المحامية داخل المجالس المهنية المنتخبة سواء الحالية أو السابقة في ظل غياب مقتضيات قانونية يظل محتشما، لذلك من الطبيعي أن نسجل أن هناك ضعفا كبيرا وحضورا باهتا بجميع المجالس، وهو ما يفسر إلى حد ما تخبط كل الأصوات غير المتفقة مع نظام الكوطا التمثيلية في الاعتماد على البرديغمات الجاهزة من قبيل توسل عنصر الكفاءة بصرف النظر عن مقاربة النوع، والتمثل السلبي إزاء التمثيلية الخاصة بالمرأة عموما والتوجس منها، فكان واقع نتائج الانتخابات المهنية تلك الصخرة الصلبة التي تكسرت عليها كل هذه البراديغمات، بإفراز واقع مهني غير منسجم أحيانا مع ما تصبو القاعدة إليه، مما يعني السقوط في فخ الأحكام المسبقة والأفكار النمطية، ومما زاد الحال سوءاً هو مخلفات الانتخابات المهنية، والتي لا يتسع المقال والمقام ولا الحيز المتوفر لذكرها.
ولتجاوز هذه المعضلة ينبغي أولا تفكيك هذه البارديغمات الجاهزة وما يتخللها من تنميط متعدّد الوسائل والأشكال، والتي تضرب بجذورها في عمق التاريخ المهني، في أفق تبوّء الوعي المهني المنزلة المعيارية في الحكم على القضايا المهنية الشائكة، والارتقاء به إلى آفاق تطورية كبرى، وتفادي المعوقات ومواجهة التحديات المستقبلية وإنقاذ القضايا المهنية الكبرى من براثن الحلول الترقيعية الذي باتت أسيرة له، وحتى لا نقع في فخ الاستنبات التشريعي ومعاودة متاهات التعديلات بعد كل وقت وحين.
ثم ثانيا، تحرير هذا الوعي المهني بأن يكون حاضنا للتغيير على مستوى تمثلنا لمفهوم الديموقراطية بوسطنا المهني، بالقضاء على كل الظواهر الشاذة التي تفسد العملية الانتخابية وتضربها في مقتل، ويتحقق ذلك عندما تدور مناحي هذا الوعي حول محور واحد وهو المنهج الديموقراطي والحقوقي، وفي المسعى ذاته تفكيك العقدة التقليدانية للممارسة المهنية وما يدور في فلكها من شوائب.
فنحن نقف عند واقع لا نتفق معه ولا نقبله، لكن من باب كن واقعياً واطلب المستحيل، فإن اعتماد نظام الكوطا وتمثيلية الشباب في المجالس المنتخبة للهيئات ربما هو حل مرحلي لمشكلة «عضال» أمام تعقد الإشكالات الأخرى المرتبطة بالممارسة المهنية عموما، وعدم وجود دراسات علمية مرتبطة بسوسيولوجيا الانتخابات المهنية، ولسنا هنا في مقام الجواب عن السؤال الذي ينبت على حواشي هذا الواقع هو هل القانون هو الكفيل بحل إشكالات هذا الواقع؟
وعلى هذا الأساس حري بنا التفكير أكثر وموازاة مع الحلول الممكنة لمعضلة تمثيلية للمرأة المحامية والشباب في الإشكالات الأخرى المقلقة والتي ستؤثر، لا محالة، في شكل المهنة التي ستستوعب هذه التعديلات إن تم قبولها إيجابا.
ومن هنا يعلو الجواب على الأسئلة الآنية التي ينبغي للمشرع أن يجيب عنها بالأجوبة التي صاغها المحامون في مؤتمراتهم ووثائقهم المرجعية عن القضايا الكبرى التي تكفل الولوج المستنير للدفاع لمحراب العدالة، من قبيل :حصانة الدفاع واستقلالية المهنة وموقعها في منظومة العدالة وشروط الولوج، والتكوين الأساسي والمستمر وبنيات استقبال المتمرن، وقواعد ممارسة المهنة واحتكار الدفاع وتوسيع الاختصاصات، والمكاتب الأجنبية والمساطر التأديبية، والرقمنة… وغيرها من القضايا والتي ينبغي من خلالها تحديد الخيارات الممكنة التي من شأنها أن تقوّض البنى المترهلة على مستوى الممارسة المهنية الحالية، في أفق صياغة واقع مهني حداثي ومتطور ينعم فيه كافة منتسبي المهنة وفقا لمقاييس التقدم، وذلك بالانتقال من الوضع الحالي والذي من سماته التخلف، إلى الوضع المتقدم والمحقّق لمهنة المحاماة كرسالة نبيلة وممارستها وفق المبادئ بشأن دور المحامين المتعارف عليها دوليا.

(*) محام بهيئة الدارالبيضاء

الكاتب : أحمد حموش (*) - بتاريخ : 25/12/2024