الرواية وتخييل الذاكرة (1/2)

عن مختبر السرديات بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، صدر الكتاب السنوي (العدد 7- 2024) والذي يحمل عنوان «الرواية وتخييل الذاكرة»، والذي يضم ثلاثة فصول تشكل، في مجملها، مقاربات نقدية للرواية العربية والمغربية بلغاتها المختلفة؛ العربية-الفلسطينية والمغربية المكتوبة بالأمازيغية والانجليزية، مع رصد تحولاتها وقضاياها وموضوعاتها وأشكالها الفنية، انطلاقا من علاقاتها بالتخييل والذاكرة، وسعيا إلى بناء معرفة جديدة بالذاكرة وظلالها على الذات والإنسان والمجتمع.
جاء الفصل الأول من الكتاب «سرديات الأرض والذات في الرواية الفلسطينية الجديدة» مفتتحا بورقة نقدية للباحثة سعيدة التاقي بعنوان «أصل وفصل: من النص الفلسطيني إلى نسق الكتابة الروائية»، ركزت فيها على دراسة نسق الكتابة الروائية في رواية «أصل وفصل» للكاتبة سحر خليفة، وذلك بالبحث في محورين اثنين، يرتبط أولهما بكشف معالم تمثيل الحكاية للفضاء الفلسطيني، ويتصل ثانيهما بكشف مناحي فرادة الخطاب الروائي، وتنطلق الدراسة في ذلك من فرضية كبرى تتمثل في كون مميزات الكتابة الإبداعية، التي انفرد بها هذا النص ضمن متن سحر خليفة الروائي، هي التي جعلت تلقيه يحيد عن النقد الروائي إلى المقاربات الإيديولوجية، وقد استعانت الباحثة في أجرأة كل تلك المداخل، بمفاهيم السرديات الوصفية والنقدية.
أما الباحث محمد خفيفي فقد تناول في مقالته الموسومة بـ: «الخيمة البيضاء لليانة بدر جراح الذاكرة الفلسطينية» موضوعتين رئيسيتين في الرواية، تتجلى الأولى في وضعية المرأة، أما الثانية فتتحدد في رصد مظاهر الانحراف الإداري والثقافي، علاوة على رصد الباحث للممارسات المشينة لجيش الاحتلال التي صورتها الروائية في روايتها، بعرضها لعدة مقاطع تشكل صورا لما يمارسه جيش الاحتلال تجاه أبناء الشعب الفلسطيني من ممارسات عديدة يطبعها الاستبداد والقهر والاستعلاء والتضييق الممنهج على المواطنين، وقد أكد الباحث من جهته على أن الخيمة البيضاء نموذج لعدد من الروايات التي عانقت التحول في بنياتها ومضامينها، فهي تنسلخ عن خطاب القومية والجهادية والمقاومة، وتتشبث بخطاب الهوية والانتماء، كما تنحاز للذاكرة الفلسطينية الجريحة.
وفي مقالة للباحث محمد علمي: «الترميز والمعنى في رواية «الريحانة والديك المغربي» ليحيى يخلف، سعى الباحث إلى فتْح أفق للتفكير في سؤال الذات، والانفتاح على مختلف العناصر الجمالية البانية لكينونة الإنسان العربي، وإلى البحث في انشغالاته وهمومه وهواجسه، وذلك من خلال الارتكان إلى الفعل الإبداعي بوصفه إنجازا خلاّقا هادفا إلى تشكيل عوالم موازية ومغايرة. وعلى هذا الأساس، عمل الباحث على تتبع تمثّلات الهوية العربية في هذا العمل الأدبي الذي يتأطر ضمن الإبداع الروائي الفلسطيني، وذلك من خلال تسليط الضوء على قضية جوهرية تتمثل في القضية الفلسطينية، دون إغفال البحث في الجماليات اللغوية والفنية التي قام عليها العمل السردي.
فيما قدم محمد زكرياء بنسالم ورقة بعنوان ذاكرة سجنية للمستقبل، قراءة في رواية ستائر العتمة للروائي وليد الهودلي، قسمها إلى محورين، الأول هو أحادية المكان وتعدد الدلالات حيث بين فيه قدرة المكان على توليد الأحداث من خلال الاشتغال على المكان الإطار/ نابلس والمكان المؤطر/ الزنزانة. بينما أبرز في الثاني وهو من المتناهي في الصغر إلى المتناهي في الكبر تناصات صغرى يتخللها النص الروائي ليخرج من النص الروائي المصغر إلى نصوص كبرى يتقاطع معها العمل في لوحة فسيفسائية متناهية في الكبر.
وكشف الباحث بلعيد جليح في مقالته «ربيع حار لسحر خليفة، نقد الذات وفضح جرائم الاحتلال» عن الأبعاد السياسية والاجتماعية التي شكلت الهاجس الأول لرواية ربيع حار، ذلك أن الرواية تمخضت عن انتفاضة الأقصى التي انفجرت أحداثها في ربيع سنة 2002، فأحداث الرواية مستوحاة من عمق هذا السخط الفلسطيني في وجه آلة الدمار والفتك الصهيونية الظالمة، وما خلفته من تحولات و ردود فعل وتصدعات في التركيبة السياسية والاجتماعية للفلسطينيين، وعلى رؤيتهم للمستقبل وللعالم من حولهم، كما ركز الباحث على ابراز الجانب الفني والجمالي للعمل الروائي الذي يقوم على استثمار الروائية في نسج الحكاية للخطاب التسجيلي وتوظيف اللغة العامية الفلسطينية.
فيما اعتبر محمَّد زكّاري في مقالته البُعدُ التاريخي والاجتماعي في رواية: «احتضار عند حافَّة الذاكرةِ» للروائي الفلسطيني أحمد حرباوي أنَّ العلاقةَ بينَ الذاكرةِ ومجالها تتجاوزُ شروطَ الماديّ والواقعيِّ وتغوصُ في أبعادٍ رمزيةٍ تختزلُ تاريخ الأمّةِ الفلسطينيةِ في مرحلةٍ تاريخيَّةٍ حرجةٍ، وهو ما نجده حاضرا في الرواية المدروسة التي عملت على رسم ملامح المكانِ وعلاقتهُ بالذَّاتِ. باعتباره نتاج علاقةٍ بين الذاتِ ومحيطها، كما أشار الباحث إلى أن أحمد حرباوي حاول تقديمَ وصفٍ دقيقٍ لعلاقاتٍ احتضنتها فلسطين مطلع القرن العشرين، مضيفاً عليها بعداً إنسانوياً عميقاً، تذوبُ فيه الاختلافات وتنصهرُ عنده الفروقات، فصورت المقالة كيفية تعامل الروائي مع المكان الذي أعاد رسمه من خلال شخوصه.
من جهته اختار عبد الجليل الشافعي في مقاله «سردية الألم وتشظي الهوية» العمل على رواية «رواية منذ ساعة تقريبا» لناصر رباح، باعتبارها أنموذجا للرواية الفلسطينية التي قامت على تسريد الهوية، حيث ركز على إيضاح مفهوم الهوية ومدلولاته وعلاقته بالذات الفردية والذات الجمعية، منطلقا مما تعرضه الرواية عبر أحداثها المختلفة وشخصياتها المتعددة. ليخلص في الأخير إلى استنتاجات مؤداها أن هذه الهوية تتميز بالتشظي وعدم الانسجام، سواء تعلق الأمر بالهوية الفردية، أم بالهوية الجمعية، وأن هذا التشظي تنعكس تجلياته على أكثر من مستوى، تتجلى فيما هو نفسي-وجداني واجتماعي وديني وغير ذلك من المستويات (…) كما استنتج أن الألم الذي سببته العوامل السياسية والتاريخية (الانتداب البريطاني ثم الاستيطان الاسرائيلي) على نحو رئيس، قد عزز من تشظي هذه الهوية، فكانت النتيجة أن الهوية الفلسطينية، حسب الرواية، هوية غير منسجمة، وأليمة.
وفي ورقته المعنونة بالرواية الفلسطينية الصيغ الدلالية والجمالية في رواية «مديح لنساء العائلة» للكاتب الفلسطيني محمود شقير، كشف الباحث أنس هاشيم عن أهم التمثيلات الجمالية والفنية للرواية، مع رصد أهم الأبعاد الواقعية والاجتماعية والتاريخية التي تطبع محكيات النص الروائي، في محاولة للوقوف عند أهم الدلالات التي تحملها المرأة الفلسطينية، وكيفية تصوير الروائي لها ضمن قالب سردي، وقوفا عند محكي الاغتراب المهيمن على بنية النص من بدايته لنهايته ، ليخلص إلى أن هذا النص تجسيد وتمثيل لواقع فئة من الأسر الفلسطينية التي تخلت عن عروبتها وتقاليدها وأعرافها واتبعت نظاما غربيا بأبعاده الحداثية.
فيما سعى سُفيان البرّاق في ورقته الرّواية والواقع: رواية «على درب مريم» لنادية حرحش نموذجاً إلى إبراز التقاطع الحاصل بين الرّواية والواقع، على اعتبار أنّ هذه الرّواية حملت على عاتقها تصوير الأعباء والأعطاب التي تنخر الواقع الفلسطيني بدءًا من الاستلاب الذي طال المرأة العربية، والفلسطينية تحديداً، والهضم المجحف لحقوقها، ثم العُدوان المخزي الذي مارسه المحتلّ الغاشم في حقّ الفلسطينيين، كما أشار إلى استدعاء الكاتبة الرمزية الدينية، والأحداث التاريخية التي عاشتها فلسطين، والمنطقة العربية عامّةً، المليئة بالإيماءات الرّمزية، إلى جانب تقديمه للمقوّمات الفنية والجمالية التي يتمتّع بها النّص من خلال العناية الواضحة باللغة وتضاريسها، ناهيك عن تسليطه الضوء على التقنيات السّردية الحديثة التي جنحت الكاتبة إلى توظيفها.
وفي مقاربته السوسيولوجية لرواية جريمة في رام الله» لعبّاد يحيى ، ركز الباحث الخامس غفير على وظيفة الرواية ودورها في تجسير الهوة بين المجتمعات والحضارات وبناء القيم وتنمية الوعي بالحاضر وبانتظارات المستقبل، كما تناول الرواية بشكل «هرمينوطيقي» معتمدا في سبيل تحقيق ذلك على مجموعة من الحقول المعرفية المختلفة؛ وفي مقدمتها حقل السوسيولوجيا، إضافة إلى توصيف شخوصها، مبرزا بعض السمات والخصائص النفسية والاجتماعية المميزة لكل شخصية، وهو ما يعكس بجلاء طبيعة التحولات الثقافية والقيمية والفكرية والسياسية داخل المجتمع الفلسطيني كما سعى في هذه المقاربة السيوسيولوجية إلى استحضار مقاربة النوع، بتجلية ذلك من داخل المتن الحكائي الذي يشهد على دور المرأة في المقاومة وصناعة الذات الفلسطينية، وفي إعداد رجالاتها بشكل لا يتعارض وبنية المجتمع الفلسطيني الأبيسية.
وفي آخر ورقة من هذا الفصل، توقفت الباحثة الروكي سكينة عند صورة فلسطين في رواية بنت من شاتيلا لأكرم مسلم، موضحة أن فلسطين في هذه الرواية صُورت كمكان له رمزيته المجازية المبتعدة عما يألفه القارئ، وباعتباره مكانا يحمل خصوصية قومية تعبر عن رؤية مكانية تذهب أبعد من ذلك، تتصل بجوهر العمل الفني المتجاوز للفرز الأجناسي إلى تجسيد معالم فلسفية وأنطولوجية للوجود الإنساني في المكان (الوطن)، لتكشف فلسفات في تشابك تاريخي ووجودي للذات بنظرة الآخر، إلى جانب إيضاحها للدلالات المرجعية للتاريخ التي أضفت على المتخيل واقعية.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 07/01/2025