لم تكُن العلاقة بين الرّواية و التّرجمة ـ والتي لم تكُن في يوم من الأيّام مهادِنةَ ـ لتنفلت بدَورها من متغيّراتٍ عالميّةٍ تتعلّق اجتماعيّاً بصُعود طبقةٍ جديدةٍ
ـ كما عند نشأة الرّواية ـ نَمَا لديها وعيٌ تاريخِيٌّ و سيّاسيٌّ وتُراثِيٌّ وحضاريٌّ وهَوِيَاتيٌّ نتيجة استفاقتِها على عَودة الأمبرياليّة المتوحّشة من أبوابٍ وبمُسمّياتٍ أخرى. وسيَكون لهذا لا محالةَ بالغَ الأثر على الكتابة الرّوائيّة وعلى تلقّيها وتأويلِها و ترجمتِها ـ لا فقطّ على الرّواية العربيّة ـ وهي تنحى هذه المناحِي التّاريخيّة التراثيّة الهَويّاتيّة المحليّة. فصار لها لذلك أن تُصارِع على واجهتيْن:
ـ في الحفاظِ على الجوانب الفنّية و الجماليّة و الخياليّة والإبداعيّة واللّغةِ الأدبيّةِ و الحِبكةِ الرّوائيّةِ فيها حتّى لا تَسقُطَ في فخِّ التّاريخ والإيديولوجيا
ـ في الإنفلاتِ من المَدِّ الجارفِ للصُّورةِ والرّقمنةِ على الأدبِ عموماً وعلى الرّوايةِ والتّرجمةِ على وجه الخصوص في ما صار يسمّى بالأدب الرقميّ و الرّواية والتّرجمة الرّقميّة (الغوغليّة).
كما سيَكون على الرّوايةِ كذلك، ومعها التّرجمة، في محطّتها المفصليّة هاته، وفي رهانِها على المحليّة الضيّقة باستعادة زمن الملاحم والأمجاد فيها ـ إذا صحّ التّعبيرـ أن تُجيبَ عن أسئلة عديدة و جديدة من قبِيل:
ـ أهميّة ترجمة هذه الرّواية المعزولة هكذا عن العالَم؟ جدواها sa validité ـ صلاحيّتُها (الزّمانيّة و المكانيّة)
؟sa rentabilitéـ مردوديّتُها؟
ـ اختيّار ترجمة نصوصاً بعيْنها؟ ـ لمَن تترجَم؟ ـ مدى توفُّر الأسباب لها (أيْ الرّواية والتّرجمة) للقَطع مع تاريخٍ طويلٍ يمتدُّ لقُرونٍ من العلاقةِ الصَّعبةِ بين الشّرق و الغرب في كلّ شيء؟
وهي أسئلةٌ عديدةٌ سنَقف عند ما يواجهنا منها بحِدّةٍ خلال فحصِنا لراهِن العلاقة بين الرّواية و التّرجمة.
وبالنّظر لالتصاق السُّوال الأخير.. شرق/غرب بثقافتِنا وبأدبِنا وبتفكيرِنا اليوميِّ شئنا أم أبيْنا من حيث لا يُمكِن مَعرفتُنا بذواتنا دون مَعرفة صُورة الآخر عنّا، وبالنّظرِ أيضاً لتَورُّطنا في الثنائيّة الضدّيّة المزمِنة مسلم/مسيحي، ثمّ بالنّظر إلى اشتغالِنا الشّخصيّ في الدّرس المقارَن والصّورلوجي، كلُّ هذا جاء مبعَثاً على اختيّارِنا لورقتنا ضِمن مِحور «الرّواية والتّرجمة» الموضوع هذا:» الرّواية و التّرجمة، وأثر المتغيّرات العالميّة في العلاقة بينهُما».
ولتحديد هذا الموضوع الفضفاض ووضعِه في دائرة الضَّوءِ اخترنا بعنايةٍ عمليْن روائيّيْن وترجمتُهما.
يشترك العمَلان:
ـ في كوْنِهما لعربيّيْن من بلدَيْن عاشا نفس التَجربة الكولونياليّة (فرنسا)
ـ و في نيْلِهما جائزتيْن فرنسيّتيْن.
ويختلفان في أكثَر من هذا بكَثير:
ـ في زمن كتابتهما بفارِق ثلاثة عقود ونيف (1987 ـ 2020)
ـ في لغة كتابتهما الأصليّة. الأوّل باللّغة الفرنسيّة والثاني باللّغة العربيّة
وبالتّالي اختلاف لغة ترجمتِهما.
الأوّل إلى العربيّة بعد نيْله جائزة فرنسيّة والثّاني إلى الفرنسيّة التي نال بها جائزة فرنسيّة أيضاً.
كما يختلف العَملان في طابَع موضوع التّناول.. الأوّل ذو طابع فولكلوريّ عجائبيّ والثاني ذو طابع تاريخيّ أنتروبولوجي. وهذه مسألة أساسيّةٌ في موضوع تناوُلِنا وجبَ التّسطيرُ تحتها.
ـ كما يَختلف العَملان حتّى في جنس كاتبيْهِما. وهذا مهمٌّ أيضاً1.
لقد راعيْنا في اختيّارنا هذَين النّموذجيْن الرّوائيَّين جميع هذه الاختلافات الدّقيقة في مُجملِها حتَى نشقّ منها أوجُهَ المقارنةِ الحقّةِ التي سنعتمِد عليها في بناء فرضيّاتنا للكَشف عن أثر المتغيّرات العالميّة في العلاقة بين الرّواية و التّرجمة.
و الحقُّ أنّ هذه الاختلافات قد استجابت للمتغيّرات التاريخيّة والسياسيّة والاجتماعية والاقتصادية والجيو سيّاسيّة بين الشّرق والغرب، وانعكس كلُّ ذلك على الرّواية والتّرجمة بما كان له الأثرُ الواضحُ على علاقتِهما.
وأمّا أنموذجُنا الروائيُّ الأوّلُ فهو:
للطّاهر بنجلون (1987) La nuit sacrée وترجمتُه العربيّة «ليلة القدر» لمحمّد الشركي (1987)
هذه الرّوايةُ في كتابتها الأصليّة باللّغة الفرنسيّة لقيّت سريعاً مباركةً واسعةً من لدُن القارئِ بالفرنسيّةِ على وجه العموم و القارئ الفرنسيِّ على وجه الخصوص، وحظيّت، كما هو معروف بأعلى جائزة فرنكوفونيّة، ذلك في نفس سَنة إصدارها وفي زمنٍ ما يزال فيه لدى الغربيِّ بقايا السُّطوة السيّاسيّة والاقتصاديّة على مستعمراتِه القديمةِ وحنينٌ إليها وإلى عجائبيّة وغرَابة ناسِها وفضاءاتِها، فجاءت الرّوايةُ بطابعِها هذا الفولكلوريِّ العجائبيِّ قويّةً بأفق الانتظار (المَقِيت) و بقوّةِ التلقي (الماكِر).
غير أنّه عندما نَعود إلى ترجمتها العربيّة سنجدُ أنّه على الرَّغمِ ممّا توفَّر لها من:
ـ سرعةٍ في التّلقُّف، بحيث أنّها ظهرت في نفس سَنة الإصدار.
ـ تولّي أمرَها مترجِمٌ مقتدِر.. محمّد الشركي2.
على الرّغم من كلّ هذا فإنّها لن تقدِّم أيّ إضافةٍ أو إبداعٍ ثانٍ، بل إنّها ستُعلن عن ضحالةِ و جُمودِ واندحارِ معماريّتها، وفَقدِها عجائبيّتَها وغرائبيّتَها كما تُلوقِيّت بهما عند القارئ الفرنسيِّ كما لو أنّها تذكِرةً مجَانيّة لدُخول سيرك للمهرِّجين.
هذا لأنّ التّرجمةَ هذه ستُصادف قارئاً قد ضاق ذِرعاً بإسقاط وبتسويق صوَّرَ القُبحٍ والعارِ والتّهجينِ النمطيّةِ عليه وعلى تاريخِه و مِلّةِ أجدادِه بداية من سنوات ما قبل الاستقلال..
سنـة 1954، مع «le passé simple» (الماضي البسيط) لإدريس الشرايبي، التي تلقيّت بمعارضةٍ شديدةٍ من الوطنيّين.
مــروراً ببداية السّبعينات.. سنة 1972، مع رواية «le pain nu» (الخبـــز الحـافــــي) لمحمّد شكري وما أثارته من زوابعَ والتي لم يَكن مترجمَها إلى الفرنسيّةِ سوى الطّاهر بنجلون نفسُه (1981م.).
ووصولاً إلى روايتِنا هته (ليلة القدر) التي لابدّ من أن تُستقبَل أيضاً وأكثَر ممّا مضى بالجفاءِ و اللاّمبالاة والحَذَرِ وهي لا تُسِيءُ إلى هويّة القارئ المغربيِّ و العربيِّ والمسلمِ فحسْب، ولكن إلى الكتابة الرّوائيّة في تزييفها الوقائع، وإلى المتابعة النقديّة الرّصينة و الحصِيفة بإخراجها عن طوْعها نتيجة تحامُلِها على الإبداعِ الحُرِّ الخلاّقِ والخيالِ والتّاريخِ لا لشيءٍ سوى لإبقاءِ أفواه الغرب نصف مفتوحة على الشّرق.
نقرأ في «ليلة القدر»:
«إن الحمّام بصفةٍ عامَّة مكان ملائم للأخيلة، فالأشباح تعمّره بالليل لخوض محادثاتها السرية. وعندما تُفتح الأبواب، في الصباح الباكر، يَشمّ المرء رائحة الموت، ويعثر على قشور فستق العبيد ملقاة على الأرض. إذ من المعروف أنّ الأشباح يتكلمون متذمِّرين. «ص.67-68.
هذه الصّورةُ التي ساقتها وسوَّقتها هذه الرّاويةُ عن الحمّام لا تترجِم الواقع في شيءٍ وإنّما تستجيب للصّورةِ الأسطوريّةِ الغرائبيّةِ العجائبيةِ التي يَختزنها الغرب عن الشرق لردْحٍ من الزّمن و يُصرُّ على إبقاءها وبالتّالي تَكشِف عن تبنّي الكاتب النّظرة الفرنسيّة عن المغرب وأفريقيا.
والحالُ أنّ الحمَّامَ المغربيَّ التقليديَّ مكانٌ ملائمٌ للألفة والسّكِينةِ و الاسترخاء والاقتراب من الرُّوحِ والذّات، وهو إلى ذلك مَعلمةٌ هندسيّةٌ بسَقفه الدائريِّ وبتفاوُت درجة حرارة حُجُراته، ثمّ إنّه مؤسسّةٌ تتكوّن من طاقم عمَليٍّ متخصّص2.
وهو من السّهولةِ بمكانٍ رصْدَ الكثيرَ من الصوُّر المغلوطة عن المغرب في هذه الرّواية مثل قوْل الرّاوية: « كان علينا للوصول إلى الدار، أن نَعبرعدة أزقة يتداخل بعضها في بعض حسب رسم خَطته الصُّدفة أو إرادة بَنّاء فاسد.»ص.51.
والحالُ أنّ البنَاء هذا معمارٌ فريدٌ من نوعه صُمِّم استجابة لأحوال الطقس ولاستتباب الأمن داخل الحارات فلا يَجوز تبخيسُه بجرّةِ إرضاءَ طرفٍ أو آخر.
وهكذا فلم نستغرب ردّة القارئ والنّاقدِ المغاربيِّ عقِب الإعلان عن غونكور هذه السّنة التي ليست سوى تكريس لتمادِيها في بناء صرحها على حساب تاريخ و حضارة وهويّة الشعوب المغاربيّة، وهو ما سيَنقلب بلا شكّ سَلباً على ترجمتِه المنتظرَة إلى العربيّة مَهما اشتُغِل عليها وبأكثرَ ما اشتُغِل عليها.
فمَن سيَرفعُ التحدّي ويَركبَ المغامرة؟؟
Chanson douce نقِف قليلاً للعَودة إلى إحدى روايات غونكور لسنة 2016..
المغربيّة/الفرنسيّة ليلى سليماني، وبِقصْد التّدليل على كلامِنا، فموضوع روايتها الكائنِ و الممكِنِ، مع توابله الفنيّة والبلاغيّه هو ما ميّزها عن كثيرٍ من روايات غونكور لمّا حظيّت من لدُن القرّاء والنقّاد بالتفاتٍ والتفافٍ كبيريْن كما بالنّسبة لترجمتِها العربيّة.
من المؤسف جدّاً أن تستمرَّ بعضُ المؤسّساتِ وبعضُ دور النّشر في دعم الرّوايات المعاديّة للتحرُّرِ وترجمتها. ومن المؤسف أيضاً أن يَحدُث هذا في تحدِّ سافرٍ لكتّابَ طلائعيِّين و هم ماضُون في الغَوْص في قراءاتٍ جديدةٍ لتاريخ بلدانهم في رواياتٍ مستنبتة في تربتِها كلّما غارت في المحليّة كلّما تضاعفتْ طبْعاتها وسافرت بترجماتها عبر أصقاعِ العالم، ومنها رواية أنموذجنا الثاني:
«نازلة دار الأكابر» للتّونسيّة أميرة غنيم (2020)
« Le désastre de la maison des notables» وترجمتُها الفرنسيّة
لسعاد لَبِيز(2024)
صدرت هذه الرّوايةُ سنة 2020 عن دار مسكلياني و دار مسعى.وصلتْ إلى الطّبعة11 في بلدٍ لا تتجاوز ساكنته 12 مليون نسمة.تُرجِمت إلى الإيطاليّة سنة 2022 و إلى الفرنسيّة سنة 2024 كما يُنتظر أن تترجَم إلى الإنجليزيّة سنة 2025.
قبل الوقوف عند نُسخة هذه الرّواية الأصليّة باللّغة العربيّة وترجمتها باللّغة الفرنسيّة نوَدُّ إلقاءَ نظرةٍ على بعض الكتابات الرّوائيّة المغاربيّة والعربيّة والمتوسّطيّة الجديدة الجِرِّيئة التي أعادت قراءة ماضِي وحاضرَ بلادها دون وساطةٍ غيريّةٍ فأعطت بذلك صُورةً حقيقيّةً وسنداً لا مشروطاً لتعقّل شعوبِها ضدّاً على الجنون الذي أصاب العالم، كما حقّقتْ ترجماتُ هذه الرّواياتِ بالفعلِ وبالقوّةِ ما لم تَستطعْ كُتب التَاريخِ والذّاكرةِ تحقيقَه ما جعلها تَرتفعُ و تترفّعُ على كثيرٍ من المَصادر والمَراجع المألوفة في التّعاريف وفي البُحوث حوْل بلدانها إنْ لم نَقُل أنّها تَقوم مَقامَها:
1ـ رواية «وجع الرمال» ل عبد العزيز الراشدي. ترجمة: فيارا ليبونوفا
وقد رأينا كيف استقبِل كاتبُها ببلغاريا بعد أن تُرجِمتْ إلى لغة هذا البلد.
وكيف أحاط به الكِبارُ والصِّغارُ في تعطُّشٍ إلى حكايات ذلك البلد البعيد..
لقد ساهم هذا اللّقاءُ الثقافيُّ وهذه التّرجمةُ بالذّاتِ بشكلٍ كبيرٍ في هَدْمِ ما تبقّى من الأسوار الحُصون الفاصلة بين الثقافتيْن في ما لم تُساهم به السيّاسة والدّيبلوماسبّة الثقافيّة الرّسميّة.
2ـ رواية «الدّيوان الإسبرطي» لعبد الوهاب عيساوي
تَحكي عن السّنواتِ الأولى للغزْو الفرنسيّ للجزائر وتُعتبَر حسْب النقّادِ أوّلَ روايةٍ تاريخيّةٍ جزائريّةٍ بالمفهومِ البنائيِّ والتوثيقيِّ الفكريِّ معاً.
ما يعني أنّها تَقرأُ تاريخَ الجزائرِ قراءةً جديدةً. ومن حيث أنّها كذلك.. صادِقة.. فإنّها ستصِل بترجماتها إلى أبعدَ مدى و تُتَلقّى بكبير الارتياح و الابتهاج لا لِما تحقّق لها من تقدُّمٍ سريعٍ في الوصول إلى الآخر، أو لتحصُّلِها على جائزة كبيرة، ولكن بكلِّ بساطةٍ لأنّ ثمّة قارءاً ذكيّاً.
هذه الرّواية تُرجِمَتْ إلى الماليالامية.. إحدى لغات جنوب الهند و لقيّت بذلك قَبولاً حَسناً.
Jolanda Guardi.. ترجمتها تُرْجِمَتْ أيضاً إلى الفرنسيّةِ و إلى الإيطالية
3ـ رواية «وشم الطائر» للعراقيّة المغتربة بأمريكا دنيا ميخائيل
تحكي عن أصالة مواطنِيها الأكراد ومحنتهم المجانيّة مع الدّاعشيّين.
ترجِمت إلى عِدة لغات.
Giuseppe Catozzella 4ـ رواية «لكنّك ستفعل» للكاتب الإيطاليّ
تقع أحداثها المفجِعة بإحدى البلدات الإيطاليّة النّائيّة، فتَنقل ترجمتُها (العربيّة) واقع سكّانها إلى شعوبٍ في ضفاف أخرى طالما اعتقدت أنّها الوحيدة المعنيّة بالألم.
في العَودة إلى رواية «نازلة دار الأكابر» للجامعيّة للتونسيّة أميرة غنيم فإنّها صاحبت مَوجةٍ غاضبةٍ من الرِّواياتِ التي أعقبت الرّبيع العربيّ بتونِس والذي انتهى إلى إسقَاط زُمرة من بقايا أزلام الاستعمار، وهي رواياتٌ في مُجملِها لمُعايِشي نظاميْ ما بعد استقلالٍ لم يَرَوْه أبداً فنهضوا لمناصِرة التّغيير بالإنكباب على إعادة قراءة تاريخ بلدهم المجيد الذي ظلّ الشّعبُ معزولاً ومنقطعاً عنه لعُقود طويلة. ومن هؤلاء الرّوائيّين:
الحبيب السّالمي (ضيف الدّورة7 من الملتقى) ـ جمال جلاصي (صاحب رواية «باي العُربان») ـ أمين الغزي (في روايته «زندالي») ـ محمّد عيسى المؤدّب ـ سفيان رجب (في روايته «مصنع الأحذيّة الأمريكيّة») ـ …
كان من الطّبيعيِّ أن تَصل رواية أميرة غنيم إلى طبعتِها التّاسعة و قد استثمرَت بذكاءٍ ما تُتِيحُه الرّوايةُ من إمكاناتِ الخوْض في المتغيّرات العالميّة الجديدة التي أضحى العالمُ بمَوجبها قريةً صغيرةً وصار بمَقدور وحقّ أيٍّ كان أن يتحدّث عن نفسِه وبلدِه دُون خجَلٍ أو وجَل، فأخذت هذه الكاتبةُ المثقّفةُ مكانَها الطبيعيَّ في التّرافع عن أبناء وطنها البسطاء.
فكان أن استجاب أنموذجُنا الرّوائيُّ الأوّل «ليلة القدر» لرغبة المستعمِر القديم في العَودة بالشّعوب إلى البربريّةِ ومَحْوِ تاريخِها فانقلبت عليها ترجماتُها بالاستنكار والرّفض، واستجاب أنموذجُنا الثاني هذا لإرادة الشعب وطموحِه فصارت ترجماتُه تحلّق في سماواتٍ بعيدة.
هكذا نخلص في «علاقة الرّواية بالتّرجمة» إلى أنّ لفْق الخيّانة بالتّرجمة لا يَصدُق دائماً عليها، وإنّما يَصدُق أيضاً على الرّواية كلّما زاغت عن ملامسةِ الوقائعِ والممكناتِ و كلّما تمّ استنباتُها في غير أرضِها، فتَكون ترجماتُها ضحيّة لها فحسْب.
هوامش
1ـ حتى مَطلع الإستقلال ما تزال نسبة الأميّة لدى النّساء مرتفعة جدّاً في المغرب.
2ـ تَرجم ل إدمون عمران المليح، عبد اللطيف اللعبي، جورج أوفيد، و غيرهم.
Concha Lopez Sarasua 3ـ أنظر كيف تحدّثت كاتبة إسبانيّة و قد تحرّرت من تلك الأحكام الجاهزة تجاه المغرب و المغاربة عن الحمّام المغربيّ بجمال فائق و porque tengo que emigrar ? خصّتة بقصّة خاصّة (الحمّام) ضمن قصص روايتها.
*قام بترجمة الرّواية إلى العربيّة رشيد أبو الصّبر بعنوان «لماذا يجب أن أجاهر؟» و قدّم لها و راجعها الدّكتور عبد النبي ذاكر، صدرت عن جامعة المبدعين المغاربة سنة2021.
*نص مداخلتي في النّدوة الدوليّة للملتقى التاسع الرّواية بأكادير حول: «الرواية: القراءة، الترجمة و التأويل» المنعقد بين21و24نونبر2024.