لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد! : أنا والرئيس تبون … على سرير واحد! 03

كان المحامي الأستاذ أوصديق مراد الذي يترافع عن العميل الموثوق حميد صياد، مثل أب له، ولكنه بالأساس كان مشهورا كالنار على علم، يتمتع بجنسيتين فرنسية جزائرية. اشتهر بالدفاع عن أعضاء جبهة التحرير الوطني الجزائرية، استطاع أن ينشئ ائتلافا دفاعيا لهذا الغرض ضم في عضويته المحامي الشهير جاك فيرجيس رولان دوما وجزيل أيمي، وكلهم كانوا من أنصار ما يسمى «الترافع الجذري» حيث يسعى المتهَم إلى أن يتحول إلى متهِم..
الجزائري مراد أوصديق اشتهر كذلك بكونه دافع عن المعارضين للحسن الثاني ومنهم مومن الديوري الذي نجح في إسقاط قرار المحكمة بترحيله إلى المغرب. وكان المعارض الديوري قد نجح في ربط علاقات دولية هامة، وصلت به إلى حد استقبله الرئيس بيل كلينتون، أمام ذهول الحسن الثاني.
كما دافع عن العديد من المهاجرين ومنهم المغني الشاب خالد والإرهابي كارلوس، جنبا إلى جنب مع المحامي فيرجيس. أطوار المحاكمة ستتطلب التحاق محام آخر في الدفاع عن حميد صياد، وهو الأستاذ ايريك دوبون موريتي، الذي أصبح وزير العدل في حكومة إيمانويل ماكرون الثانية.
وهو الذي كان وراء القرار بمتابعة أسبوعية جمعة سبت أحد «في اس دي» بتهمة التشهير، أمام الغرفة 17 بباريس .
أمام المحكمة لم يكن للصحافي من حجة أو وثيقة للدفاع عن مقالته سوى »تقرير. أبيض«، بارد عن الاستعلامات العامة. والتقرير الأبيض عبارة لنعت تقرير تقوم به الأجهزة عن كل ما يقع تحت علمها أو معها.
في غالبها تقارير مبنية للمجهول ( سمعنا.. يروج..يقال … إلخ ). وهذا التقرير الأبيض كان يتهم حميد صياد ببيع السلاح، وتبييض المال القذر للجنرالات الجزائريين، وهو ما يبرر في نظره اللجوء إلى الأجهزة الجزائرية.
أطوار المحاكمة ستبين الحاجة إلى الاستعانة بالصحافة في تقوية الدفاع، ولذلك لجأ المحامي إلى يومية «فرانس سوار»، التي كانت متخصصة في قضايا المحاكم، وكانت من أكثر الصحف انتشارا، وقد تم توظيف اليومية في الرد على نظيرتها وفي نفس الوقت محاولة إعطاء مبررات الهجوم على الجزائري حميد صياد الذي نجح في أعماله. ومما قاله مراد أوصديق المحامي إن »تهمة حميد صياد كانت أنه تجاوز حجمه كجزائري كان عليه أن يشتغل في بيع الكسكس أو في فرش المبيعات فوق الأرصفة. وأنه لم يغفر له أنه سعى إلى شراء «الفوكيتس»، وهذا هو السبب الذي يبرر الشكاية الكيدية«.
انتهت القضية بحكم ببراءة المعني، من طرف المحكمة التجارية بباريس، والتي مكنته من استرجاع رأسماله والعودة إلى شراء ما يستطيع من حانات ومطاعم، ولكنه ربح بالأساس، كما يقول هو ذلك، علاقات وطيدة في الصحافة والبوليس وفي الاستعلامات.اعتاد حميد صياد وزوجته تنظيم لقاءات خاصة بالأصدقاء ومأدبات يحضرها بعض الأصدقاء المنتقين، غالبا ما كنا نستضيف حلقة ضيقة من الأصدقاء للعشاء معنا في البيت وقضاء أمسيات للحديث والمناقشات النشيطة، لا سيما منها تبادل الأفكار وفي إطار من التفاهم. وبهذه الطريقة تعرفت على الرئيس القادم للجزائر .« وهو يعني عبد المجيد تبون.
ويفرد الكاتب فصلا كاملا لعلاقته مع عبد المجيد تبون، اختار له كعنوان »»رئيس قادم على مائدتي« «، يتباهى حميد صياد بأنه تعرف على عبد المجيد تبون، ويعتبر ذلك فخرا له. ويقول بأنه »يناديه بمجيد« فقط لأنهما اعتادا الحديث ومناداة بعضهما البعض بالاسم الشخصي. لقد تعرفت، يقول صياد، على شخص يتحمل الآن رئاسة الدولة ببلدي الأصلي . ذات يوم استضفته في بيتي لتناول الشاي مع بعض الأقارب، لأنني كنت أتوقع له مستقبلا زاهرا. بل كنت أتوقع وبدون تواضع بأن يكون على رأس بلادي..«.
التقيته في باريس في 1993، وهو خريج المدرسة الوطنية للإدارة في الجزائر.اختار تخصصا له الاقتصاد والمالية. اشتغل في الوظيفة العمومية قبل تولي مناصب وزارية لمدة قصيرة في التجارة والسكنى والعمران والاتصالات في عهد بوتفليقة كما شغل مناصب الوالي في تيزي وزو وتيار وأدرار. بعدها عرف مرحلة الفراغ الكبرى كما يحصل في الجزائر حيث الحياة السياسية مثل بحر متلاطم الأمواج. في تلك الفترة اختار الإقامة في باريس.. في انتظار أن تتم المناداة عليه في منصب جديد! تعرفت عليه في تلك الفترة، وقتها كنت صاحب مطعم «كلوني» الكبير في شارع سان جيرمان حيث كان يأتي يوميا لتناول قهوته. كان يأتي وحيدا.. إذ من الغريب بأنه كان بلا أصدقاء في باريس اللهم إلا نادرا. سرعان ما تقابلنا، ورأيت بأنه زبون غير عادي. كانت نقاشاتنا، مع مرور الأيام، تزداد حرارة .. ذات يوم قال لي: إذا أصبحت غنيا في يوم من الأيام أشتري سفنا من الصباغة لكي أصبغ الجزائر كلها لأعيد لها بياضها ولمعانها القديمين«!ـ..) كان يحلم بأشغال كبرى. وبناء المساكن، وكل ما ينقص الجزائر التي تعرف اقتصادا مغلقا وتابعا للروس. كما هو الأمر اليوم، حيث لم يتغير شيء.
قال لي ونحن نسير على جسر «نوتردام»، خلف الكاتدرائية، ذات الاسم نفسه، غير بعيد عن مطعمي كلوني: لا بد لبلادنا أن تنفتحَ .، شريكنا الوحيد هو فرنسا التي نشترك معها الكثير، التاريخ واللغة والثقافة. إذا وصلت ذات يوم إلى السلطة ستكون أولويتي هي تقوية العلاقات مع فرنسا،« ثم أضاف بغير قليل من الهزل:» . وستكون الناطق باسمي!«..
يواصل حميد صياد الفصل مع تبون «» كنا نلتقي كل يوم ولطالما حدث أن تجولنا مطولا مع وقفات في صالون مسجد باريس حيث نتناول الشاي.كان يومها شخصا متخلى عنه، منبوذا، يهودا الإسخريوطي ….وعند وقوع واقعة «في اس دي»، VSD والحملة ضدي كان أول من توجهت إليه لطلب النصيحة وبعدها يصف الكاتب العميل الرئيس الحالي بالاتزان والإنصات والقدرة على الصبر، إلا مرة واحدة. عندما تمت سرقة حقيبته. وعن ذلك كتب حميد صياد يقول»: ذات صباح باكر، وهو يرتب عودته إلى باريس راح ضحية سرقة حقيبته التي كانت تضم كل ماله، وذلك عند شباك الاستقبال في فندق سويسرا حيث كان يقيم، بالقرب من حانتي. شرح لي بأن السرقة استغرقت بعض الثواني عندما أدار. ظهره.. أقرضته مالا.، ليتدبر أمره ووضعت رهن إشارته غرفة فوق مطعم حانة «كلوني» كي يتسنى له الإقامة المريحة بباريس حتى يحين وقت السفر. وكم كانت دهشتي كبيرة عندما اتصل بي بعد حين، يدعونا لزيارته في الجزائر ليرد القرض ويشكرني،.. أثلجت الدعوة صدري، ولم أتردد في حزم حقائبي بدون التفكير بأن الجزائر وقتها تعيش في عز الفوضى. وقتها كانت الحرب الأهلية هناك. الكل حائر وصامت، وهذا ما انتبهت إليه بسرعة بأم عيني وما زلت أتذكر الليلة التي قضيتها في بيته والتي وشمت ذاكرتي . وقد تناقشنا إلى حين طلوع الشمس والخوف مستبد بنا بسبب حالة الطوارئ المفروضة والأزمة السياسية. في الخارج لا صوت إلا صوت الدبابات والجزمات العسكرية والمجنزرات. وحدات عسكرية في كل مكان. أخرج مجيد مسدسا ووضعه عند رأسه. فوق الطاولة. وكنا وقتها .. على نفس السرير!

لم‭ ‬يمنع‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تبادل‭ ‬الآراء‭ ‬وربما‭ ‬شجعنا‭ ‬عليه‮… ‬خاصة‭ ‬وأننا‭ ‬كنا‭ ‬معا‭ ‬نعبر‭ ‬صحراء‭ ‬قاحلة‭ ‬من‭ ‬الوحدة‭ ‬‮!‬‭ ‬كان‭ ‬دعمه‭ ‬كبيرا‭ ‬وخاطبني‮«‬‭ «‬إنك‭ ‬ضحية‭ ‬الحرية،‭ ‬وعليك‭ ‬الترفع‭ ‬عنها‭ ‬لقد‭ ‬أردت‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬رمز‭ ‬‮(‬مطعم‭ ‬الفوتيكس‮)‬‭ ‬وأرادوا‭ ‬أن‭ ‬يدفعوك‭ ‬الثمن‭ ‬لرغبتك؛‭ ‬في‭ ‬شراء‭ «‬الفوتيكس‭»‬،‭ ‬اصبر‭ ‬الاستقامة‭ ‬والقانون‭ ‬معك‮».‬
‭ ‬ومن‭ ‬الفقرات‭ ‬ذات‭ ‬الدلالة‭ ‬الغريبة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬يريده‭ ‬من‭ ‬صداقته‭ ‬مع‭ ‬حميد‭ ‬صياد‭ ‬الفرنسي‭ ‬الجزائري‭ ‬صاحب‭ ‬الأعمال‭ ‬والمال‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬المحاكمة‮.‬‭ ‬فقد‭ ‬أفشى‭ ‬السر‭ ‬بأن‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬للجزائر‭ ‬كان‭ ‬ينوي‭ ‬المغامرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والأعمال‭ ‬وفق‭ ‬قوله،‭ ‬‮« ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬استيراد‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬صغيرة‭ ‬واستيراد‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬الجزائريون‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬أدوات‭ ‬المطبخ‭ ‬الكهربائية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المنتوجات‭ ‬الأساسية،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬هنا‮ ‬ينقص‭ ‬الناس،‭ ‬وعليه‭ ‬هناك‭ ‬عمل‭. ‬وأضاف‮«‬‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أنني‭ ‬سأواصل‭ ‬السياسة‭ ‬هنا لقد‭ ‬رأيت‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬عليه‮.‬‭ ‬إنها‭ ‬الفوضى،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نشتغل‭ ‬في‭ «‬البزنس‭»‬،‭ ‬وأن‭ ‬نقدم‭ ‬للمواطنين‭ ‬ونستورد‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬ينقصهم‮.‬‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتصل‭ ‬ببعض‭ ‬التجار‭ ‬وتحصي‭ ‬حاجياتهم‭ ‬ويمكن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الطلبيات‭ ‬أن‭ ‬تسافر‭ ‬وتحضر‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬البضائع‮».‬‭ ‬
تفاجأت،‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أنتظر‭ ‬منه‭ ‬ذلك‮.‬‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬لا‭ ‬لكني‭ ‬عندما‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬تراجعت‭ ‬وقلت‭ ‬لنفسي‮:‬‭ ‬أسرتي‭ ‬وأعمالي‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‮»‬‭ ‬لقد‭ ‬تفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وصار‭ ‬أخطر‭ ‬فأخطر‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬اغتيال‭ ‬الكتاب‭ ‬والصحافيين‭ ‬والمغنيين‭ ‬والسياسيين‭ ‬‮.»‬‭ ‬تفرق‭ ‬السبل‭ ‬بين‭ ‬الرجلين،‭ ‬حيث‭ ‬عاد‭ ‬‮«‬مجيد‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬وتولى‭ ‬الوزارة‭ ‬الأولى‭ ‬لمدة‭ ‬21‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬كأقصر‭ ‬مدة‭ ‬يقضيها‭ ‬جزائري‭ ‬وزيرا‭ ‬أول‮.‬‭ ‬انقطع‭ ‬الاتصال‭ ‬بيننا،‭ ‬وغير‭ ‬هو‭ ‬رقم‭ ‬هاتفه(ـ‮…)‬حدث‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬التقينا‭ ‬لما‭ ‬صار‭ ‬وزيرا‭ ‬أول،‭ ‬كنت‭ ‬رفقة‭ ‬زوجتي‭ ‬نتجول‭ ‬في‭ ‬شارع‭ «‬ري‭ ‬فولي‭» ‬أمام‭ ‬فندق‭ «‬موريس‭» ‬الفاخر‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬باعتباره‭ ‬وزيرا‭ ‬أول‭ ‬‮.‬‭ ‬كان‭ ‬يدخن‭ ‬سيجارته‭ ‬وحياني‭ ‬مسرورا‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬رآنا‮.‬‭ ‬بعد‭ ‬تبادل‭ ‬السلام‭ ‬ولأنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ ‬همست‭ ‬لزوجتي‮«‬‭ «‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الدولة‮»‬‭» ‬هنَّأته‭ ‬ثم‭ ‬همست له‭ ‬بدورها،‭ ‬ببرودتها‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬‮«‬وحميد‭ ‬أصبح‭ ‬جدا‮»»‬‭!..‬