لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد! 5- العميل الجزائري صديق الرئيس تبون يكشف أسرار علاقة مخابرات الجزائر وإسرائيل
عبد الحميد جماهري
في حكاية الاتصال مع الإسرائيليين، في هاته الفترة من حياته، يفيدنا العميل الموثوق حميد صياد بأن البداية كانت من الندوة الصحافية التي نظمها بمعية محاميه في سياق محاكمته على محاولة شراء مطعم «الفوتيكس». وقتها التقى »الصحافي« الإسرائيلي، »جان غي«… الذي كان يبدو مثل المفتش التلفزيوني كولومبو…
وكانت له أبوابه للدخول إلى كل الأوساط لا سيما لدى استخبارات بلاده. هذا الصحافي كان متخصصا في الإرهاب، ولهذا اقترح علي حميد صياد اللقاء بالمسؤولين الكبار فيها. وبالمناسبة فقد كان فرنسيا إسرائيليا، ويهوديا مزدادا بالجزائر، وهو الذي فتح أبواب السفارة الإسرائيلية في وجه العميل الجزائري الفرنسي المزدوج حميد صياد. .وسهل عقد أول لقاء مع المسؤولين فيها.
وهناك أسر له مدير المخابرات: «بالنسبة لنا لا يجب أن تسقط الجزائر «، وقتها كان السياق مناسبا ليس كما هو الحال بعدها. وأضاف نفس المدير مشددا «»ذلك ليس من مصلحتنا ولا مصلحة الجزائر««.
دار الحديث بعدها كالتالي، على لسان مدير مخابرات الموساد في السفارة»علينا أن نعمل سويا ونتغافل عن خلافاتنا، ونحن هنا في خدمة الجزائر إذا اقتضى الأمر ذلك««.
كانت الرسالة واضحة وجديدة تماما دفعت العميل إلى آفاق جديدة ورحبة، على حد قوله، كما شكل رهانا جديدا يفوق التوقع بالنسبة للعميل الذي كان…
يقول العميل الجزائري:» أخبرت رجال الاتصالات الجزائريين بفحوى اللقاء، وأجابوني بأنهم سيبلغون الحكومة الجزائرية . بعد ثلاثة أيام جاء الرد من الجزائريين على الشكل التالي: «حاول أن تعرف منهم كيف يمكنهم مساعدتنا««،عدت إلى السفارة الإسرائيلية، التي أصبحت شخصا مألوفا لديها. باعتبارها المكان الأكثر أمنا في كل باريس. وطوال أسابيع كان مخاطبونا ينصتون إلى الحجج المتعلقة بمحاربة الإرهاب من طرف بلادي. وقد حرصت بانتظام أن أنقل فحوى لقاءاتي إلى المسؤولين العسكريين الجزائريين وأخبرت الفرنسيين كذلك.
وبعد عشر لقاءات، أطمأن المخاطبون الإسرائيليون إلى صدق نيتي، بالرغم من أنهم أناس يحتاطون جدا. وقد أخبروني ما مرة :» نحن نتعاطف مع الجزائر في محنتها«. وقالوا أيضا : لا نريد أسلمة المغرب الكبير، ومهما كان الثمن، وقل للمسؤولين عندكم بأننا مستعدون لإطلاق سراح السجناء الجزائريين الذين قاتلوا جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين وبقية الجماعات العربية. وذلك عربونا على حسن نيتنا في حالة تعاوننا«. لم تتغافل الجزائر عن هذا العرض… تقدمت المفاوضات، فاقترحت إسرائيل إرسال وفد من كبار الشخصيات للنقاش رسميا مع شخصية كبيرة في الجزائر. سارعت لبرمجة موعد يوم 25 يوليوز 1995 في الساعة الثالثة زوالا في حانة -مطعم «بيركلي» في شارع «ماتينيون»، في أحد أحياء باريس الراقية. غير بعيد عن سفارتي البلدين، فجلس اليهودي والعربي في نفس الطاولة. أخبرت «الديستي» الفرنسية عن هذا اللقاء التاريخي الذي لم تخف عنهم أهميته..
لم تكن الأمور سهلة، وقد كانت الحرارة مرتفعة يومها في باريس وداخل سيارتي حيث كان يجلس المسؤول الجزائري، كان يتصبب عرقا، ولم يكن ذلك بسبب أشعة الشمس عبر الزجاج، فالمسؤول تسبب لي أيضا في التعرق لما قال لي بأنه ينتظر الضوء الأخضر من أعلى سلطات البلاد، وهو ما لم يكن متوقعا ولا في البرنامج. من حسن الحظ أن »الدخان البابوي« طلع وجلسنا بعده في مطعم «بيركلي» في مكان خاص. تركتهم مع بعض، لأن ذلك ليس من مهامي بالرغم من أنهم اقترحوا علي البقاء معهم. لم أعرف التفاصيل لكن قيل لي بأن المحادثات مرت في جو إيجابي…
وعلى كل، نلت ثقة الإسرائيليين وهو ما يعتبر استحقاقا نادرا .. وقد أوصوا الأمريكيين بي، وهو ما زاد من مكانتي بين الفرنسيين. . كنا نتحدث في كل المواضيع مع الإسرائيليين بما في ذلك تقديمهم لنصائح لحل مشكلة السكن في الجزائر .. خلال زياراتي إلى السفارة بباريس التقيت إسحاق رابين. الذي عبر من هناك.. كانت الصدمة، وكنت الجزائري الوحيد الذي حصل على صلاحيات من هذا النوع، باعتبار أنني أول من حاز الانتداب بخوض مفاوضات على أعلى مستوى، قد دخلت التاريخ أو هذا على الأقل ما قاله لي الإسرائيليون حرفيا :» إذا حصل وأصبحت علاقاتنا الديبلوماسية طبيعية سنعيِّنك القنصل الأول في سفارتكم ببلادنا،« كما صرح لي بذلك رجل الاتصال الإسرائيلي المفضل لديهم في فرنسا.
ونتيجة لذلك، أو لا : في سنة 1999 صافح الوزير الأول إيهود باراك يد الراحل بوتفليقة في جنازة ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، كانت صورة تاريخية، ولعلي قد قدمت فيها لبنة صغيرة، لكنها لبنتي!
(…) المقاول الذي كنته دوما لم ينس ما قالته مخابرات «الديستي» ذات يوم بخصوص الخدمات التي قدمتها خلال العشرية السوداء: «»تستحق تمثالا في الجزائر»«!….ولم أحصل على التمثال كما لم أعين قنصلا أولا«!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 18/01/2025