تأخر الحكومة في إطلاق الجيل الخامس للاتصالات يضيع على المغرب فرصا استثمارية بملايير الدولارات

سبقتنا إليه جنوب افريقيا ومصر ودول الخليج ومساهمته في الاقتصاد العالمي تقدر ب 2.2 تريليون دولار

 

على الرغم من الوعود المتكررة، مازالت الحكومة تتلكأ في إعطاء الضوء الأخضر لوكالة تقنين الاتصالات من أجل إطلاق تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) في قطاع الاتصالات، حيث يعيش المغرب تأخرا ملحوظا في الانتقال الرقمي إلى هذا العهد التكنولوجي الجديد، مما يثير قلقا حول تداعيات هذا التأخر على الاقتصاد الوطني والفرص التي تضيع في ظل هذه الوضعية. بالرغم من تطور البنية التحتية لقطاع الاتصالات في المغرب ووجود ثلاث شركات رئيسية تخدم السوق، إلا أن هذا التأخر يعكس تحديات تنظيمية وتقنية تعيق تحول البلاد الرقمي في وقت تسارع فيه دول أخرى لاعتماد هذه التكنولوجيا.
وتتقدم العديد من الدول العربية والأفريقية في تبني تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) في قطاع الاتصالات. في المنطقة العربية، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي في طليعة هذه الدول. فقد حققت دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول عربياً والرابع عالميا في إطلاق واستخدام شبكات الجيل الخامس، وفقا لمؤشر الاتصال العالمي الصادر عن «Carphone Warehouse» كما أظهرت شركات اتصالات في قطر والسعودية والكويت سرعات تحميل عالية في شبكات الجيل الخامس، حيث تصدرت شركة «أوريدو» القطرية قائمة أسرع شبكات الجيل الخامس عربيا، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في استخدام تقنية شبكات الجيل الخامس، وفي القارة الأفريقية، تعد جنوب أفريقيا من الدول السباقة في اعتماد شبكات الجيل الخامس، حيث أطلقت خدماتها منذ عام 2020.
تجدر الإشارة إلى أن تبني تقنية الجيل الخامس يتفاوت بين الدول الأفريقية والعربية بناء على جاهزية البنية التحتية والاستثمارات في قطاع الاتصالات. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام يشير إلى زيادة الاهتمام بتطوير شبكات الجيل الخامس لتعزيز الاتصال ودعم التحول الرقمي في المنطقة.
وتقدم شبكات الجيل الخامس سرعات إنترنت تصل إلى عشرة أضعاف سرعة الجيل الرابع، بالإضافة إلى زمن استجابة منخفض للغاية يسمح باستخدامات دقيقة مثل العمليات الجراحية عن بُعد، السيارات الذاتية القيادة، وإنترنت الأشياء. ومع ذلك، لا تزال شبكة الجيل الخامس في المغرب في طور التجارب، بالرغم من تعهد الحكومة بإطلاقها قبل نهاية عام 2023. لكن غياب إطار تنظيمي واضح ونقص الاستثمار في البنية التحتية مثل الألياف الضوئية، يعدان من أبرز العقبات. يذكر أن المغرب يعتمد حتى الآن على نحو 20 ألف برج اتصالات مخصصة لشبكات الجيل الثاني والثالث والرابع، بينما تتطلب تغطية الجيل الخامس ما بين 25 ألفا إلى 30 ألف برج إضافي، مما يجعل التكلفة التقديرية ضخمة.
وتتوقع التقارير أن تصل مساهمة الجيل الخامس في الاقتصاد العالمي إلى 2.2 تريليون دولار بحلول عام 2034، مما يعكس أهمية هذه التكنولوجيا كرافعة اقتصادية. لكن في ظل غياب هذه الشبكة في المغرب، تخسر البلاد فرصا لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات تعتمد على تقنيات متقدمة. على سبيل المثال، الشركات العالمية التي تسعى إلى التوسع في مجال المدن الذكية أو الزراعة الذكية تُفضل الدول التي توفر بنية تحتية رقمية متقدمة. هذا الأمر يضع المغرب في موقع تنافسي ضعيف مقارنة بدول مثل مصر التي بدأت في تنفيذ مشاريع تجريبية في العاصمة الإدارية الجديدة، وجنوب أفريقيا التي أطلقت خدمات الجيل الخامس منذ عام 2020.
العائق الأساسي في المغرب يتمثل في غياب سياسة واضحة لمشاركة وتوحيد البنية التحتية بين شركات الاتصالات، مما يرفع التكلفة الإجمالية ويحد من انتشار الشبكة. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر التحديات المرتبطة بتحرير الترددات من الاستخدام الحالي عقبة كبيرة. فحتى الآن، لا تزال الترددات المخصصة للجيل الخامس تُستخدم لخدمات أخرى، مما يعرقل عملية التخصيص.
ومع اقتراب استضافة المغرب لأحداث رياضية كبرى مثل كأس أفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، أصبح تطوير شبكة الجيل الخامس ضرورة ملحة. فوفقا لتصريحات الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح، سيتم إطلاق الجيل الخامس من الإنترنت كجزء من استعدادات المغرب لتنظيم هذه الأحداث. وأوضحت الوزيرة في دجنبر الماضي في قبة البرلمان أن الهدف يتمثل في تغطية 25% من السكان بهذه التقنية بحلول عام 2026، مع الوصول إلى تغطية 70% بحلول عام 2030، إضافة إلى ضمان التغطية الكاملة للمدن التي ستستضيف مباريات كأس العالم. كما أشارت الوزيرة إلى أن الحكومة ستؤمن جاهزية 6300 موقع عمومي إداري بخدمة الإنترنت عبر الألياف البصرية بحلول عام 2026، وتجهيز 5.6 مليون منزل بحلول عام 2030. وأكدت أن الاستثمارات في هذا القطاع بلغت 8.4 مليار درهم في عام 2023 لدعم التحول الرقمي الوطني.
للتغلب على هذه التحديات، يتطلب الأمر من المغرب وضع خطة واضحة تتضمن منح تراخيص لشركات الاتصالات، وتسريع تحرير الترددات، والاستثمار في الألياف البصرية لتغطية جميع أنحاء البلاد. يمكن أن تلعب الاستثمارات الأجنبية دوراً رئيسياً في هذا الإطار، حيث يبدي العديد من المستثمرين اهتماماً بدخول السوق المغربي. من جهة أخرى، يُوصى بإدخال نموذج «مشغلي البنية التحتية المستقلة»، وهو نموذج يسمح بإنشاء وإدارة البنية التحتية بشكل مشترك بين جميع شركات الاتصالات لتقليل التكاليف وتوسيع التغطية.
تأخر المغرب في اعتماد الجيل الخامس لا يهدد فقط جاذبية الاقتصاد الوطني، بل يُفاقم أيضا الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والقروية. في حين تغطي شبكة الألياف البصرية مناطق محدودة، فإن الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة في المناطق القروية يظل ضعيفا، مما يعمق التفاوت الرقمي والاجتماعي.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 22/01/2025