عادت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالمغاربة إلى تسعينيات القرن الماضي في مواجهة مرض الحصبة، بعد أن تجاوز سقف الإصابات المسجلة بالمرض 25 ألف حالة، وهي نفس الوضعية التي عرفها المغرب سنة 1997، وبالتالي فشلت في الحفاظ على التراكم الإيجابي الذي تحقّق ما بعد 2014 في مواجهة بوحمرون، والذي ساهم فيه أجيال من الممرضين والممرضات الذين كانوا يجوبون المداشر والجبال من أجل تطعيم الصغار ضد الأمراض بشكل عام، وضمنها هذا الداء الذي بات حاضرا في المشهد الصحي اليوم بقوة، متسببا في إصابة الصغار والكبار، بل ومؤديا إلى وفاة العشرات منهم، الذين تختلف الأرقام بشأنهم في كل يوم.
بوحمرون الذي كان المغرب في 2019 يقوم بتحضير ملف متكامل، بناء على الشروط التي حددتها المنظمة العالمية للصحة، للحصول على شهادة تفيد بكونه يوجد في مرحلة ما قبل القضاء النهائي على المرض، تفوّق على البرنامج الوطني للتمنيع وعاد بقوة بعد موجة 2013، ضدا عن إضافة الجرعة الثانية المندمجة في 2014، وهي الخطوة التي تم القيام بها آنذاك لمحاصرة أكبر للمرض. هذه العودة كانت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 وما خلّفته من بين العوامل التي أدت إلى هذا الوضع اليوم، إذ عرفت إحجام الكثيرين عن تلقيح أبنائهم بلقاحات مختلفة ضمنها اللقاح ضد الحصبة، مما جعل التغطية التلقيحية ضد المرض التي كان من المفروض أن تصل إلى نسبة 95 في المئة تتوقف عند مستويات تراوحت ما بين المتوسطة والضعيفة.
وإذا كانت المرحلة التي تمر منها بلادنا اليوم تعتبر وبائية، على حدّ وصف المسؤول عن مديرية الأوبئة، وهو التصريح المتأخر جدا، لأن الوزارة كان عليها أن تتعامل بحزم أكبر في وقت سابق مع المرض للحدّ من انتشاره عوض أن تخرج اليوم لتقدم أرقاما عن الإصابات والوفيات، وتتحول إلى مجرد «مركز رصدي» لتقديم الأرقام الجافة والأليمة، خاصة في ظل المعطيات المتوفرة المتعلقة بنفس المرض التي عرفتها دول أخرى والتي كان يجب أن تكون دافعا لأخذ كل الاحتياطات، فإن الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد وما ترتب عنها ليست هي السبب الوحيد في هذه المعضلة الصحية، فإلى جانب «تبخيس» الوزارة للأمر، فقد ساهم في تفاقم حدته كذلك الإضرابات المتتالية التي عرفتها ولا تزال تعرفها المراكز الصحية الأولية ومختلف المؤسسات الصحية العمومية، بالنظر إلى أن مراكز «الجلبة» كانت تعرف بدورها إضرابات ليومين ولثلاثة وأحيانا إذا ما تزامنت مع عطلة ما فإن العمل بها قد لا يتجاوز اليوم الواحد طيلة أيام الأسبوع؟
هذه الوضعية، بمختلف تفاصيلها وتبعاتها، من يتحمل فيها المسؤولية كاملة اليوم، هم مدبرو الشأن الصحي في بلادنا، فالوزارة الوصية على القطاع لم تتعامل بالحكمة المطلوبة مع مرض الحصبة، ولم تخرج للتواصل بشكل مبسط ومقنع مع المواطنين في حينه، أما إذا توقفنا عند معطى أن هناك أطباء وقعوا في خلط ولم يتمكنوا من تحديد طبيعة المرض خلال فحوصات أجروها، فهذا شأن يستوجب نقاشا آخر، وينضاف إلى كل هذا وذاك إغلاقها لأبوابها ف يوجه الشغيلة الصحية التي تحتج وترافع لأجل تنفيذ مطالبها التي شكلت موضوع التزام حكومي بناء على اتفاق 23 يوليوز، فاختلط بذلك الحابل بالنابل، والنتيجة كانت أن سقط عدد من الأشخاص من مختلف الأعمار ضحية للمرض، منهم من فارق الحياة وترك قلوبا مكلومة، ومنهم من عاني من وقع وتبعات الإصابة، وهو الوضع الذي لا يزال مفتوحا على كل الاحتمالات، بالرغم من المناشدات التي ظلت تصدر من هذه الجهة أو تلك، التي تطالب بتعامل أكثر حزما مع الموضوع حفاظا على الصحة العامة!