أعي أن الورقة هذه ليست بكافية لإبراز منطلقات وتحولات وانعطافة مشروع عبد الرفيع جواهري الشعري الوارف الذي ما انفك يتشيد ويتسيد المشهد الثقافي المغربي منذ عقود. ذاك المشهد الحفيل بالبناء والهدم، وبالإيجاب والسلب سياسيا واجتماعيا، وبالتحديث والتجديد والاحتراق ثقافيا وفكريا وإبداعيا.
تجربة الشاعر عبد الرفيع الشعرية وسيعة ورحيبة وعميقة مغربية بأجنحة، وعربية بالشجرة والأوراق. يتعامد فيها الأفقي بالشاقولي لغويا وغنائيا على مستوى الكتابة، أي على مستوى بنية الفصل والوصل كتمظهر بلاغي باعتبارها أحد التجليات السطحية / العميقة لانسجام الخطاب واتساق مفاصله. ويرتسم على أديمها وفي قرارتها، دم الشاعر ودم الشعر الذي سال غزيرا منذ 1967، واستمر سائلا إلى يوم الناس هذا. فالشعر..الشعر الأصيل طبعا، هو، على الدوام، أحد ألد خصوم أولئك الذين يحبكون الشر. وأراني، منذ البدء أقول في شعرجواهري بأنه: قَطْرُ النَّدى وبَلُّ الصَّدى. وما قاله ناقد فيتنامي في شعر مواطنه الشاعر الكبير» توخيو»: ( مثل ينبوع أزرق من الماء العذب الشفاف يأتي شعره إلى القارئ بأفكار ومشاعر، وعند وصوله إلى القلوب الإنسانية، يُشعلها إلى الأبد، مالئا إياها بعبير لذيذ. ). ذلك، لأن جواهري أدرك حرقة الأسئلة: أسئلة الواقع وأسئلة الشعر، واعتبر أنه لا مندوحة للشاعر أي شاعر من الارتباط عضويا بواقع وطنه، وبخاصة إذا كان هذا الواقع مختلا. وما يمليه هذا الارتباط من توصيل الرسالة الشعرية إلى المتلقي في مساق لا يقطع مع الوضوح من دون تضحية بجوهر وروح الشعر، وتلك أعقد مشكلة وأعوص مسألة يعانيها الشاعر، ويتسَقَّطُها الناقد النبيهُ في حال اضطراب الدِّلاء. ففي الشعر تكون العواصف الشخصية العميقة كقاعدة مرتبطة بشكل لا فكاك له مع المشكلات الاجتماعية والأحداث البارزة، وموضوعة على خلفية حياة الشعب بكامله كما يقول « نيكولاي نيكولين «.
يشتعل الوطن الصغير والوطن الكبير في مدونة الشاعر الشعرية، فيزداد الشاعر غراما:( قصيدة مراكش )، وينكسر الحلم على حافة نتوء حاد بتعبير شعري، فينمو ألم الشاعر، وترتفع نياحته السوداء مجلجلة مسمية الأشياء بأسمائها، تدفع الرمز لحظةً إلى الظل لتقول الواقع كما هو، أو كما يعيه الشاعر شعريا، مخففا من أثقال المساحيق وزخرف البلاغة، حادا موجعا يكاد يبعث على اليأس والحبوط التام:
قال: تغير طعم الأتَايْ
فقلت: تغير طعم الوطن. ــ وفي مكان آخر من النص عينه، يقول الشاعر:
ما عاد يا صاحبي الحلم يبهجنا
قتلتنا نيازكه
لم يعد في القياثر غير احتراق النغم ( الوردة العاشرة )
في ديوان جواهري الأول»وشم في الكف»، الصادر العام 1980 عن دار ابن رشد، تشريح لمرحلة سوداء قاتمة مغربيا وعروبيا، زَوَاجَ الشاعر ـ وهو يقرؤها ويتقرّاها ويندمج فيها فاعلا ومنفعلا ـ بين همين وهاجسين: هَمّ وهاجس الواقع المختل والإنسان المقهور، وهَمّ وهاجس التعبير الشعري. وفي أثنائهما قلق التميز والإضافة إلى المتن الشعري المغربي الذي شرع يختط له طريق التحديث والتجديد على مستوى الشكل كما على مستوى المحتوى الذي انحاز كلية إلى المغبونين، إبّانَ الستينات، على الرغم من أن القصيدة الشعرية الستينية في المغرب لم تراكم خبرة متطورة في الأساليب الجمالية، وإِنْ شهدت جميعها وعلى تفاوت محسوب من التفاعل والامتصاص، هجرة نصوص السياب والبياتي وصلاح عبد الصبور، وأدونيس، وخليل حاوي. في الفترة تلك، حدث تطور في شعر عبد الرفيع، انتقل فيه من الشكل العمودي إلى الشكل الجديد، وتحديدا بعد هزيمة الأنظمة العربية العام 1967. ويرجع ذاك التطور إلى عدة عوامل، يأتي في مقدمتها ـ كما ألمحنا ـ التأثر بالحركة الشعرية الجديدة في المشرق والشام، والحركة الداخلية محليا عبر مجلة « أقلام « المغربية، فيما يقول الشاعر محمد بنيس في كتابه (ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب). إن هاجس نقل الواقع إلى الشعر، ونقل الشعر إلى الواقع، ظل ثاويا في كتابة جواهري، مبثوثا في النسيج الشعري، يغذيه وعيٌ إيديولوجي، ووعيٌ جمالي بانْدِغامٍ وتَصَادٍ. والشاهد على ذلك ـ تمثيلا ـ قول الشاعر راثيا الشهيد محمد كرينة العام 1979، مستنفرا عناصر الطبيعة، وعناصر الشعر في آن:
تقول العصافير في يده رفرفتْ زهرةٌ،
فأطلقها في الفضاء
فطارتْ وأَرْخَتْ إلى الريح أجنحةَ العندليبْ
على كتف البحر حطَّتْ فقال لها البحر: هذي مكامن ذاتي ادخليها
إلى وطن أخضر
بدون زمان إلى زمن أخضر
بدون وطن
إلى أن يقول:
تقول العصافير: في يده رفرفت زهرة ثانية
تقول الحدائق: في يده رفرفت زهرة ثالثة
تقول العشيات: في يده رفرفت زهرة رابعة
تقول الضفافُ:
وها قد توالدَ في يده الأقحوانُ شحاريرَ طارتْ
وداهمت الشمس بالأجنحة.
وهذا المقطع المُفْتَلذ من قصيدة: ( أيها السيف هاك دمي) من ديوان « وشم في الكف «، يَشي بمقدرة شعرية معتبرة، سَمَتْ بقضية شهيد مغربي شاب، إلى مثال مطلق على جناحيْ الخيال الوقّاد، والوجدان الملتهب، والشعر البديع. ويستمر هدا الدَّيْدَنُ ناشرا ظله على مفاصل باقي النصوص الشعرية في: ( وشم في الكف )، على الرغم من نتوء الإيديولوجيا على حساب الشعر في بعض المقاطع ضمن بعض النصوص. وهي من القلة بحيث لا تشكل منحىً أسلوبيا ضارباً أو خطابا شعريا مؤدلجا ومهيمنا. وعلينا أن نستحضر الإطار التاريخي والسياق المرحلي اللذين انكتبت فيهما نصوص الديوان الشعري حتى نَأْمَنَ منزلق الإسقاط، والتعالم النَّقْدوي. إذ أن تسلل الخطاب أو الموقف الإيديولوجي إلى الشعر، لم يكن ـ في المحصلة الأخيرة ـ سوى انسراب سؤال المرحلة بكل زخمها إليه، فضلا عن أنه الجامع المشترك بين النصوص الشعرية المغربية أيامئذ، بَلْهَ العربية طُرّاً. وإذا كانت مواكبة الشاعر واستدراجه للسؤالين الشعري والسياسي قائمين ومركوزين في أعطاف وأطواء نصوصه، ك: ( فارس في حجم طلقة من البارود المهداة إلى روح الشهيد عمر بن جلون )، ( وقال البحر: المهداة إلى شهيدة مغربية )، ( والأيام تشتعل )، ( وأبيات على الحيطان )، ( وأشعار من المدينة القديمة )، ( حائط الأسرار )، ( وشم في الكف )، وغيرها ، فإن الهم القومي كان في صلب هذه المواكبة والاستدخال،وفي صميم ذلك الحريق والاحتراق، وفي الرأس منه: القضية الفلسطينية التي كرس لها الشاعر دمه الشعري، وانتماءه العربي المتجذر، بدءاً من ( الأرز ينهض تحت كوفية فلسطينية )، و (جسر الدماء)، و (الأزهار تنبت في البنادق )….وصولا إلى نصوص ديوانه الشعري الثاني:» شيءٌ كالظل «. وأعني بها نصوص: ( النشيد البيروتي)، و (الوليمة)، و (زهرة سرية على صدر قاسيون ) الخ.. الخ.
وإلى ذلك، فالقارئ لهذه التجربة الشعرية الممتدة والأصيلة، يقف على أن اللحن الأساس في القصائد االتي كرست للوطن، والقضية / القضايا القومية، هو لحن مأساوي ضاج بالسواد والحزن، وأن اللغة مسنونة أو مشذبة تتضرج بالدم. فالدم عنوان مرحلة، وميسم عقود، كما لا نحتاج إلى تبيين. ولقد أحصيت ما يفيض عن إحدى وستين ( 61 ) ملفوظة دم بعينها، وضمن حقلها الدلالي الذي تحيل عليه في ديوان «وشم في الكف « وحده. وسيستمر ورودها وترددها في أطواء ديوانه المتميز: « شيء كالظل «، سبعا وثلاثين مرة ( 37 ). والملفوظ إياه يؤشر ـ في البدء والختام ـ على وعي الشاعر الحاد بفداحة القتل والقهر حقيقة ومجازا، وانتصابه شاهدا بحَدَقتَيْ قلبه الواسعتين اللتين لا ترمشان ولا تطرفان لحظة، على وطن نَكَّلَ بأبنائه الشرفاء، وطنِ القُسُس الجدد والكواسج، الوطن المُرِّ. لنقرأْ الشاهد في ( الوردة العاشرة )، وفي ( ممر النخيل )، و (مراكش )، و( نشيد لأطفال يوم السبت )، حيث الإجهاز على القُبَّرات الصغيرة، وعلى الأجنحة التي يتنفس فيها الربيع بتعبير الشاعر. وفي النص الأليغوري الذكي: ( الحمار ) حيث يبصر على ظهر راكبه بردعة أخرى، وفي ( قمر أصغر من دمعة )، حيث السكين مغروسة إلى النصل، والنياحة عامة وشاملة:
إني أسمع أجراس الدمع
صوت سقوط الدمعة في كأس الشاي
أسمع نجما يتكسر
شجرا يبكي
وتكشف هذه التنويعات المختلفة من ناحية أخرى، عن الإحساس الفاجع بالعجز الفردي والخيبة الجماعية الفادحة. صوت الشاعر عبد الرفيع جواهري في ديوان « وشم في الكف «، وفي ديوان: « شيء كالظل « يسمق متغلغلا في سماء الشعر لأنه صوت مركب من ثخونة الواقع ومن كثافة الحب، ومن مكابدة المناضل المؤرق بحب الوطن، إذا استعرنا كلام محمد برادة في شعر الأشعري.
وتنهض النصوص الشعرية التالية شاهد صدق على ما نقوله. الأمر يتعلق تمثيلا ب: « وعد البنفسج «، « لا قبر للموت « ـ و « قمر أصغر من دمعة « ـ « الوردة العاشرة « ـ « ليل الليل « ـ « مراكش « ـ «حفريات في ذاكرة رجل اسمه مسعود «. الخطاب الشعري هو خطاب فني ـ جمالي أولا بأول كما لا نحتاج إلى تذكير، ومع ذلك فقد ينطوي على منسوب ما، على جرعة ما من الخطاب الإيديولوجي، من دون أن يتحول إلى شعار وهتاف، أي من دون أن تستعلي الإيديولوجيا على الجمال في النص، وتطمس جذوته المتقدة. وإذا ما حصل ذلك، فلن يكون النص شعريا بأي حال، لأنه لا يكون ـ في الأساس ـ نتاج التجربة الجمالية، كما لا يكون تعبيرا عن الوعي الجمالي الذي يختلف بشكل جلي عن أشكال الوعي الأخرى، برغم تقاطعه معها. ونقصد بالخطاب الإيديولوجي ما يتمظهر على مستوى الرؤيا الكلية، والنموذج الفني، والصورة والرمز، وهي المستويات / المقومات التي تستقطب رؤية ورؤيا الشاعر، وتنتشر، تاليا، في نسيج نصوصه الشعرية، مأتاها وينبوعها وعي جمالي يتعامل مع الواقع والمعيش من خلال ما ينبغي أن يكون، ووعي إيديولوجي اندغامي مسنود بالمقروء والمرجع والممارسة. وهو وعي بالواقع طبعا يتوسل بسيد الكلام ليقول سيزيفية ناسه، ومساراته المنكسرة، وكبوة ريحه بتعبير الشاعر المجاطي. بين لحظَتَيْ: « وشم في الكف «، و « شيء كالظل «، سمقت شجرة الشعر الظليلة والبليلة، وتألقت في أعطاف وأطواء النصوص كاشفة عن مغرب مسروق، وأحزان إنسان مشنوق، من دون أن تدير الظهر للجمال والورد والطفل والمكان، والشمس القادمة. هكذا، يشيد عبد الرفيع عوالمه النصية ومتخيله الرمزي رابطا إياها دلاليا بطبيعة المرحلة وما رافقها من أحداث وهزات سياسية واجتماعية محليا وقوميا؛ وإيقاعيا بسؤال الشعر الذي لا معدى من اعتباره أُسَّ الكتابة الشعرية إذْ به تكون أو لا تكون. نقول ذلك، وفي البال تأتلق كأزهار اللوتس، النصوص الشعرية التالية: ( تمثال بوشكين ـ الأنهار ـ وقت للرسم ـ ملامح من وجه طانيا ـ حجارة الرأس ـ صورة نملة ـ الوردتان ـ مقعد ـ الأشياء الجميلة ـ الحائط العتيق ـ وجه في لون الماء ـ شيء كالظل.. ). فالكناية التي تلتبس كثيرا بالمجاز المرسل، تلتقي ـ في ظني ـ بالأليغورية التي تعتبر نوعا من الاستعارة الرمزية أو التمثيل أو الأمثولة. وتجد مشخصاتها في النصوص التي تنحو ـ بوجه عام ـ نحو البساطة في التعبير، التي تروم التوصيل، وتتغيا تحقيق التفاعل بين النص ومستقبله. وتمثيلا على ذلك، نشير إلى شاهدين شعريين. فأما الشاهد الأول فهو: « الحمار «. وأما الشاهد الثاني، فهو مطولة الشاعر الموسومة ب: « حفريات في ذاكرة رجل اسمه مسعود «. نفتح قوسا لنقول إنها مطولة شعرية تتعامد وتتناص مع قصائد شعرية مغربية ممهورة باستراتيجية القص والسرد ضمن قالب حكائي، يبصمها الهم السبعيني واقعيا وشعريا، وتنبني سَمْتاً ونعتاً على رامز شخوصي واقعي أو متخيل. يتعلق الأمر بشخصية الشكدالي في قصيدة عبد الله راجع: « رائعة أيامك يا حرب الزنج «. و «وقائع متوهجة من سيرة الفقيه بولحية « في ديوان: « صهيل الخيل الجريحة « لمحمد الأشعري. و «وجه متوهج عبر امتداد الزمن « لمحمد بنيس. وشخصية « ياسر أبو النصر الجائي « في ديوان: « سبحانك يا بلدي « لأحمد بلبداوي. وأبو فراس في « يوميات في الأسر « لمحمد بنطلحة. و «على أعتاب ابن الفجاءة « لحسن الأمراني. وغني عن البيان أن الأليغوريا تراهن على توصيل الرؤية بأسلوب القصدية الأليغورية، وهو نوع من الشعر يأتي في قالب حكاية خرافية أو رمزية. وأضيف: أو أمثولة ـ بسيطة التركيب بناءً، عميقة الرؤيا دلاليا ومغزى فلسفيا وإيديولوجيا فيما يقول: العياشي أبو الشتاء. أما تجليات هذا التعريف، فحاضرة بادية وملتمعة عبر بناء النص الشعري الانسيابي والمنكسر، وعبر تحولا « مسعود « خلل تشغيل ذاكرته وإبصاره واستبصاراته وهو يرى ـ مُنْصَعِقا ـ القساوسةَ الجُدُدَ يمتطون ظهر المرحلة، ويمتصون ما تبقى في ضرع « البقرة « من حليب أو دم .. سيان. فيسدل مسعود ستارةَ السواد على واقع أشد سوادا، رافعا كأسا سوداء في صحة سواد الأمة. ختاما أقول: لم أستَبِرْ ـ وقد عللت ذلك في المهاد ـ القول والمقول الشعريين كما عبَّرا عن نفسيهما من خلال المجموعتين الشعريتين المذكورتين، ومن خلال مجموعتيْه البديعتين: « كأني أُفيقُ «، و « الرابسوديا الزرقاء « ( وقد أعود إليهما ). إذ أن مقاربة خاطفة كهذه تقصر عن الإمساك بتلابيب التجربة الشعرية، فما بالك باختراقها والتوغل في مقاصيرها، وردهاتها وسراديبها، وكيمياء لغتها، وجمالية هذه اللغة، وما به تميزت وتفردت وتجوهرت حتى أضحت محسوبة على صاحبها لائطةً به لَوْطَ تركيبة الماء. ولعله من النافل التنصيص على شعرية شعر جواهري، فرنينُها الجماليُّ الفاتن يَقْرَع السمع والفؤاد بحريرية ونعومة، هل للجمال رنين؟. نعم، هو ما تَتَسَمَّعه وتهفو إليه الأعماق، وتَتَشَرَّبُه الأرواح. ذلك أن الشاعر، وهو يسعى إلى سقف أعلى ويشرئب نحو أفق أبهى، كان على موعد مع قصيدة جديدة موصولة مفصولة ـ في الآن نفسه ـ حيال المنجز الشعري السابق، منجزه هو، ومنجز مجايليه والمشائين أمثاله. قصيدة جديدة واسعة الأحداق، كثيفة الأوراق، إذْ ترتفع زَانةُ الشعر إلى الأشهق فيما هي مشدودة إلى جاذبية واقع حفيل بشعر أثيل، وسواد ضاج حيث الذات والموضوع متوالجان متنافذان متماهيان يقولان حرائقهما متخارجين متداخلين: سمكة وماء، وجهاً وقَفا.
إحــــالات:
1 ــ «قطر الندى وبل الصدى «: مؤلف مختصر في علم النحو للعالم اللغوي ابن هشام الأنصاري ( ت 761 ه ). دغدغني عنوانه، فدمغت به شعر الشاعر الرفيع عبد الرفيع لأني وجدت فيه قطرا وبلاًّ.
2 ــ أغلب القراء والمتلقين لا يعرفون عبد الرفيع جواهري إلا من خلال شعره الغنائي العذب الذي سال رائقا رقراقا عبر أصوات شجية ورخيمة وفخمة: عبد الهادي بلخياط ـ محمد الحياني ـ أحمد الغرباوي ـ رجاء بلمليح ـ رداد لوكيلي ـ كريمة الصقلي ـ مريم بنمير.. الخ، ضمن ألحان بديعة لعبد السلام عامر ـ عبد الحميد بنبراهيم ـ حسن القدميري ـ عبد الرفيق الشنكيطي ـ وسعيد الشرايبي.
والحال، أن عبد الرفيع يعد من رواد القصيدة المغربية الحديثة والمعاصرة، غمس قلمه الملهم في قضايا الوطن والإنسان والجَنان. فكأن شهرة شعره الغنائي غطت على شعره الآخر العضوي والجمالي، كما غطت شهرة « الخبز الحافي « على باقي أعمال محمد شكري المتميزة.