أكد أحمد رضا الشامي أن التحول الرقمي المتواصل الذي يعرفه العالم، مسار لا رجعة فيه يتيح فرصا مهمة للأطفال في تعزيز نموهم الشخصي، وتحرير قدراتهم التعبيرية والإبداعية، وتوسيع آفاقهم المعرفية، كما يتيح لهم إمكانيات لا محدودة للانخراط في الأنشطة التفاعلية والترفيهية المتنوعة، إذ أن الحياة اليومية أصبحت تتشكل، في جزء منها، داخل بيئة رقمية تتطور باستمرار بما تحمله من فرص للتعليم والإنتاج وتطوير المهارات، وما تحمله أيضا من مخاطر تهدد السلامة الجسدية والمعنوية والحياة الخاصة، والمعطيات الشخصية، خاصة بالنسبة للأطفال.
وأوضح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في كلمة تقديمية لرأي المجلس حول “حماية الأطفال في البيئة الرقمية”،أنه في المغرب، يستخدم المنصات الاجتماعية حوالي تسعة من أصل عشرة أشخاص، كما بلغت نسبة استخدام الأطفال دون سن 18 سنة لهذه المنصات حوالي 97% مع بداية عام 2024، مشيرا إلى أن عدد المغاربة الذين يستخدمون الإنترنت يصل إلى 31 مليونا، بينما بلغ عدد مستخدمي اليوتيوب 28 مليونا، ولدى الأسر طفلان من أصل ثلاثة يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي.
ولم يخف الشامي أن الاستخدام المفرط وغير الملائم لهذه التكنولوجيات والمنصات الرقمية يؤثر سلبا على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، ويؤدي إلى عواقب وخيمة مثل السلوكيات الإدمانية، والعنف، واضطرابات القلق، والانغلاق على الذات، والعزلة، وإيذاء النفس، واضطرابات النوم، ومشاكل التركيز، والاكتئاب، بل ومحاولات الانتحار في بعض الحالات.
ولاحظ رضا الشامي، أن المخاطر تتضاعف في ظل غياب الآليات القانونية والتكنولوجية الملائمة لحماية الأطفال وضبط دخولهم إلى البيئة الرقمية، وهو التحدي المطروح على الصعيد العالمي.
وأظهر التقرير أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية نفسية وعقلية للأطفال. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر كبير من التعرض للمحتوى غير اللائق أو العنيف، حيث تؤكد الإحصائيات أن الأطفال يواجهون تحديات كبيرة في ظل وجود محتوى غير مناسب يمكن أن يؤثر على سلوكهم وفهمهم للواقع.
من أخطر المخاطر التي تطرق إليها التقرير، التحرش الإلكتروني والعنف السيبراني، حيث يتعرض العديد من الأطفال للمضايقات على الإنترنت سواء من خلال الرسائل التهديدية أو الصور والفيديوهات التي يتم نشرها بهدف الإساءة إليهم. كما أن انتشار المعلومات الكاذبة والتلاعب الإعلامي من خلال الخوارزميات يعرض الأطفال إلى التأثير على قراراتهم وسلوكياتهم دون إدراكهم.
ورغم جهود العديد من الأسر في مراقبة استخدام أبنائهم للإنترنت، إلا أن التحديات، يقول التقرير، تبقى قائمة. فأكثر من 70% من الآباء يعبرون عن قلقهم تجاه تأثير الإنترنت على صحة أطفالهم، فيما يجد العديد منهم صعوبة في التحكم في نوعية المحتوى الذي يتعرض له أطفالهم عبر الإنترنت. وتتزايد هذه المخاوف خاصة عندما يتعلق الأمر بتفاعل الأطفال مع أشخاص غرباء عبر منصات التواصل الاجتماعي.
من أجل حماية الأطفال في الفضاء الرقمي، تبذل الدولة المغربية جهودًا كبيرة على مختلف الأصعدة. حيث تعتمد على مجموعة من القوانين التي تهدف إلى حماية الأطفال، مثل قانون حماية البيانات الشخصية، ومكافحة الجرائم الإلكترونية، وكذلك قوانين تنظيم وسائل الإعلام. كما أن هناك العديد من المبادرات الوطنية مثل «فضاء مغرب الثقة السيبرانية»، الذي يستقبل البلاغات حول المحتوى الضار، إضافة إلى حملات التوعية التي تقوم بها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات.
وحث التقرير على ضرورة اتخاذ خطوات إضافية لتوفير بيئة رقمية آمنة للأطفال. من بين هذه الخطوات: تعزيز الإطار القانوني من خلال فرض قوانين أكثر صرامة على منصات التواصل الاجتماعي لضمان حماية القاصرين. كما يوصي بزيادة الوعي الرقمي بين الآباء من خلال برامج توعية موجهة إليهم لتعلم كيفية حماية أبنائهم من المخاطر الرقمية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد التقرير على ضرورة تفعيل الرقابة الأبوية الرقمية من خلال أدوات مراقبة فعالة تساعد الآباء في تتبع أنشطة أطفالهم على الإنترنت. وفي هذا السياق، يُوصى بتطوير برامج التربية الرقمية للأطفال لتمكينهم من استخدام الإنترنت بشكل آمن ومدروس.