تجد جماعات جهة الرباط-سلا-القنيطرة نفسها في مواجهة أزمة مالية حادة بسبب تراكم الأحكام القضائية التي تلزمها بأداء مبالغ ضخمة، تصل إلى عشرات المليارات من السنتيمات. وفقًا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات، تم إصدار 437 حكمًا قضائيًا ضد جماعات الجهة في الفترة الممتدة من 2017 إلى 2022، بمجموع ناهز 63.5 مليار سنتيم. وتشير المعطيات إلى أن الأحكام تركزت بشكل رئيسي على الاعتداء المادي على الممتلكات، النفقات العمومية، والتوريدات، ما أدى إلى تراكم الديون وتعقيد الوضع المالي لهذه الجماعات.
وقد أظهرت النتائج أن غالبية الأحكام تتعلق بالمنازعات الإدارية، بينما شهدت بعض الجماعات حالات تنفيذ جبري للأحكام القضائية، حيث تم الحجز على أموال 14 جماعة، بمبلغ إجمالي فاق 35.9 مليار سنتيم. يضاف إلى ذلك ضعف الاعتمادات المالية المخصصة لتنفيذ هذه الأحكام، حيث لم تتجاوز نسبة 25% من المبالغ المستحقة، مما أدى إلى تراكم الأحكام غير المنفذة، وتراكم الديون على مر السنين.
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات الجماعات الترابية باتباع استراتيجيات فعالة لتدبير المنازعات، تشمل تعزيز الوقاية من النزاعات عبر اللجوء إلى الحلول البديلة لتسوية الخلافات قبل الوصول إلى المحاكم. كما شدد التقرير على أهمية تفعيل دور الوكيل القضائي للجماعات الترابية، لضمان الاستفادة من المساعدة القانونية والقضائية التي يوفرها هذا الجهاز.
كما نبه المجلس إلى ضرورة تحسين برمجة الاعتمادات المالية المخصصة لتنفيذ الأحكام القضائية، داعيًا إلى تخصيص ميزانية كافية لتفادي تراكم الديون والحفاظ على توازن الميزانية. إلى جانب ذلك، أكد المجلس على ضرورة الرفع من كفاءة الموارد البشرية المكلفة بتدبير المنازعات من خلال التكوين المستمر، وتحسين التنسيق بين المصالح المختلفة داخل الجماعات لضمان تنسيق فعال في تدبير الملفات القضائية.
الأزمة المالية التي تواجهها هذه الجماعات لم تعد مجرد إشكال إداري، بل باتت تهدد استمرارية الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون. وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه، قد تتحول هذه التراكمات المالية إلى أزمة تنموية عميقة تؤثر سلبًا على المشاريع التنموية وجودة الحياة اليومية للمواطنين.