إقليم الرشيدية ـ جماعة لسفالات .. مزارع ساقية الواد بواحة الريصاني تحتضر بسبب استمرار الجفاف

 

عرفت منطقة الجنوب الشرقي للمغرب سنوات عجاف نتيجة توالي أكثر من 7 سنوات من انحباس الأمطار وقلة فيض الأودية، مما تسبب في إهلاك الزرع والضرع. وإذا كان الموسم الحالي قد عرف تساقط أمطار مهمة على أغلب أنحاء جهة درعة تافيلالت، وحملت الأودية بكميات معتبرة من مياه الفيض فارتوت المزارع وارتفع مستوى الفرشة المائية في المناطق المستفيدة، فإن أطرافا شاسعة من واحة الريصاني التي تعدد أكبر واحة نخيل في المغرب، لازالت تعاني من الجفاف وزحف الرمال والتصحر، ويرجع ذلك في معظمه إلى أسباب بشرية تتحمل فيها السلطات المحلية والجماعية مسؤولية تنظيف السواقي ساقية الوادا أو بناء قصر إرارة الذي تضرر ولم يعد يحول المياه، نتيجة انكسار الحاجز الترابي من جهة شرق وادي زيز، مما تسبب في ضياع مياه الفيض التي قصدت منطقة الدروة واندثرت في رمال الصحراء، وقد أدى ذلك إلى حرمان سواقي مزارع قصور، إرارة، بوزملة، أولاد الوالي، كاوز وسمارة زاوية سيدي علي وتكزوت..
والحالة الأخرى هي انسداد ساقية الوادا التي امتلأت بالأوحال والأتربة والأعشاب والشجيرات الطفيلية، وهذا ما جعلها لا تمرر مياه الفيض إلا بكميات ضئيلة مقارنة بسابق السنوات، وحرم أغلب الأراضي التي لم يصلها الماء وجعلها تعاني الجفاف باستمرار بخلاف المناطق الأخرى من واحة الريصاني. ومما زاد الطين بلة قيام مصالح وزارة الفلاحة منذ سنين في إطار ما سمي بساقية «لوني» ببناء «سيفون» يقطع الساقية عرضا، الذي شكّل سدا حقيقيا يحجز المياه ومنعها من التدفق الطبيعي إلى السافلة. لاسيما أن شبكة الري العصرية تبث فشلها ولم تشكل بديلا لشبكة الري التقليدية.
هذا الأمر انعكس سلبا على المزارع التابعة لقصور تزكزوت زوايات، ملايخاف، سيدي بوبراهيم، سيد الغازي بلعربي، سيد الغزي بن قاسم، تابوبكارت على الخصوص، وهذا الوضع الذي استمر سنين عديدة جعل منه القصور هذه أكثر هجرة من غيرها، وقلّ عدد سكانها، ومات أغلب نخيلها وقلّ إنتاجها الفلاحي. وأمام هذه الأوضاع الصعبة قام سكان القصور المتضررة، ومن خلال جمعياتهم التنموية، برفع شكاياتهم إلى الجهات المعنية من جماعة السفالات وسلطات محلية ومديرية الفلاحة للتدخل لوقف النزيف وتنقية السواقي ومنع ضياع المياه نحو الخلاء دون أن تروي المزارع.
أما القصور الأكثر تضررا وهي على الخصوص، زوايات، ملايخاف، سيدي علي وتزكزوت، فقد قامت جميعاتها التنموية، بإثارة الوضعية من خلال إيصال شكاياتها لوالي جهة درعة تافيلالت، رئيس جماعة السفالات، ومدير الفلاحة، للتدخل بالآليات المتوفرة لتنقية ساقية الواد وإزالة ما تراكم من طين ورمال ونباتات طفيلية، وإزالة عرقلة «السيفون»، لكن ظل الوضع عليى ما هو عليه، رغم اقتراح الجمعيات توفير الغازوال للآليات، كما جاء في رسالة مؤرخة في 25 شتنبر الماضي، لكن لم يكن هناك جواب إيجابي للطلب الملح، رغم معرفة تلك الجهات بوضعية مزارع هذه القصور المأساوية وحرمانها من الاستفادة من مياه الفيض التي عرفتها هذه السنة باقي المناطق من واحة الريصاني.
تبعا لهذه الوضعية قامت الجمعيات المذكورة بمبادرة اعتمادا على إمكانياتها بعمل أصيل يذكر بالتويزة، وبالإنجاز الذي تم على مستوى إعادة الحياة لسد البطحاء، الذي ظل عشرات السنين مهدما وعاطلا، وهكذا تم كراء آليات الحفر «التراكس» والبدء في العمل فقامت بالشروع في عمليات الحفر والتنقية إلى أن فوجئ العمال بالتوقيف من طرف أشخاص لهم أملاك في عالية الساقية اعتقدوا خطأ أنهم يستفيدون من الوضع، واشترطوا شرطا غير معقول وغير واقعي وهو تعلية أحد السدود وذلك أمر يزيد الطين بلة، ويعقد المشكل بل يفاقم الوضعية لأن مشكل تعلية السدود مطروح على صعيد الواحة كلها، ويقتضي دراسة تقنية من طرف المصالح الهندسية لمديرية الفلاحة، والتشاور مع السكان والأخذ بالاعتبار الأعراف التي تحكم توزيع المياه على السواقي.
إن الجمعيات التنموية الحريصة على خدمة القصور المتضررة لجأت إلى جريدة «الاتحاد الاشتراكي» لعرض هذا المشكل، لعلّ الجهات المعنية محليا ومركزيا تتدخل لرفع المعاناة والتهميش، وتشجيع ما تبقى من سكان القصور على الإقامة والعيش الكريم، ووقف الهجرة التي نخرت أغلب القصور، نتيجة موت النخيل وانعدام وسائل العيش من الزارعة، فالنخيل هناك الذي مات وما بقي هزل وضعف، كما أن الماء في الآبار قد تراجع إلى أدنى مستوى. فإذا كانت الجمعيات التنموية التي يدعمها مهاجرو تلك القصور والمقيمون بعدد من المدن، تبذل جهودا مشهودة للتضامن مع قصورهم ودعمها بترميم الأسوار وبناء المساجد وإصلاح السواقي، فإنها تأسف على عدم قيام الجهات المسؤولة بدعم مبادراتها وتسهيل عملها.
وعلى العموم فإن تلك القصور التي تعاني من الجفاف والفقر كانت بها غابات كثيفة من النخيل، وكانت عامرة بالسكان، وبها نشاط زراعي منتج، ولها تاريخ ثقافي وديني عريق، يشهد على ذلك أضرحة علماء وأولياء اشتهروا بالعلم والصوفية، أمثال سيدي علي ابن عبد الله، سيدي عبد الرحمان بن علي، سيدي الغازي، سيدي احمد الحبيب، سيدي أبو إبراهيم، وغيرهم. هذه الأضرحة والمدارس «محضرات» القرآنية كانت محاطة بجنبات النخيل وأصبحت قاعا صفصفا بل بعضها أصبح أثرا بعد عين.


الكاتب : م . أبو مهدي

  

بتاريخ : 06/02/2025