كلمة : حرمة المال العام

محمد الطالبي
ما زلنا في زمن حيث المسافات تُقاس بعدد الساعات التي تستغرقها للوصول إلى أقرب مركز صحي أو مدرسة أو عمل إن وجد، تصبح الطريق أكثر من مجرد وسيلة للعبور. إنها الفرق بين النجاة والمأساة، بين الحلم المحقق والحلم المؤجل، بين العزلة والانتماء.
في تلك المناطق، لا تعني البنية التحتية تحسينًا شكليًا، بل هي قصة إنسانية تُكتب يوميًا بعرق الفلاحين والعمال الذين يواجهون صعوبة في النقل والتنقل، وبدموع الأمهات اللواتي يترقبن عودة أطفالهن من مدارس تبعد كيلومترات وعرة، وبمعاناة المرضى الذين يصبح الوصول إلى مستشفى رحلة محفوفة بالمخاطر. حين تكون الطريق محفرة، غير معبدة، أو غير موجودة أصلًا، فإنها تفرض على الناس حياة أشبه بالمنفى داخل وطنهم.
كم من مريض فقد حياته لأنه لم يصل إلى المستشفى في الوقت المناسب؟ كم من تلميذ اضطر إلى ترك مقاعد الدراسة لأن الطريق إلى المدرسة كانت طويلة وشاقة؟ وكم من شاب غادر قريته، ليس طمعًا في رفاهية المدن، بل هروبًا من واقع يفرض عليه العزلة والحرمان؟
حين ننظر إلى هذه الصور المتكررة، ندرك أن الحديث عن الطرق والبنية التحتية لا يجب أن يظل حبيس التقارير الوزارية أو جداول الميزانيات، بل ينبغي أن يكون جزءًا من نقاش مجتمعي حقيقي حول العدالة المجالية. فلا يمكن الحديث عن التنمية إذا بقيت بعض المناطق مجرد بقع معزولة على خارطة الوطن، ولا يمكن تحقيق تكافؤ الفرص إذا ظل الوصول إلى الخدمات الأساسية امتيازًا لسكان المدن فقط وربما بعض المدن في تفاوت مجالي صعب التقبل .
الدولة بذلت مجهودات في هذا المجال، لكن العديد من المشاريع إما تتأخر عن مواعيدها، أو تُنفذ بطرق غير مستدامة، أو تغيب تمامًا عن بعض الجهات. وهنا يأتي دور البرلمان، ليس فقط في طرح الأسئلة، بل في متابعة التنفيذ ومحاسبة المسؤولين عن الاختلالات وعن شبهة تمس الأشغال لأنه المال العام والمال العام له حرمة ما بعدها حرمة .
كما أن المجتمع المدني والإعلام يجب أن يكونا صوت الذين لا تصل أصواتهم إلى مكاتب الحكومة، لأن الطريق ليست مجرد بناء إسفلتي، بل هي حق إنساني، وهي الفرق بين وطن يحتضن أبناءه، ووطن يدفعهم للرحيل دون طريق .
قد تبدو قضايا صغيرة ولكنها أساس بناء المساواة والمواطنة والأدق تقاسم خيرات الوطن بشكل عادل .
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 06/02/2025