في الجلسة الشهرية المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة حول موضوع: «المؤشرات المالية والاقتصادية وتعزيز مكانة المملكة دوليا»
أكد المستشار إسماعيل العالوي في تدخله باسم الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين، في جلسة يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 المخصصة لمناقشة موضوع «المؤشرات المالية والاقتصادية وتعزيز مكانة المملكة دوليا»، أن الاقتصاد العالمي يشهد تحولات عميقة وتحديات غير مسبوقة، فالحروب القائمة بين روسيا وأوكرانيا والتحولات السريعة داخل منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها على سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، كلها عوامل تفرض إعادة النظر في السياسات المالية والاقتصادية.
وأضاف في ذات السياق، أن الأزمات المتتالية التي يشهدها العالم من تضخم وركود تضخمي، وتباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى، تستدعي يقظة خاصة في تدبير المالية العمومية.
وشدد المستشار الاشتراكي على أن التحولات الكبرى في النظام المالي العالمي، وتنامي الاتجاه نحو التمويل الأخضر والمستدام، وتسارع وتيرة التحول الرقمي في القطاع المالي، تضع البلاد أمام تحديات هيكلية تستوجب استجابة سريعة وفعالة.
كما أن المنافسة المتزايدة بين الأقطاب الاقتصادية الإقليمية في إفريقيا والشرق الأوسط تفرض على البلاد تطوير الأدوات المالية وتعزيز القدرات التنافسية، مبرزا أن دول الجوار الشمالي تسابق الزمن لتطوير أسواقها المالية وجذب الاستثمارات الأجنبية، في حين تظل سياساتنا المالية حبيسة نماذج تقليدية لا تواكب متطلبات العصر.
وأشار المستشار العالوي إلى أنه على المستوى الوطني، نجد أن البلاد في مرحلة مفصلية تتميز بتحديات متعددة، فالجفاف الذي ضربها في السنوات الأخيرة، ومخلفات جائحة كوفيد-19، وارتفاع نسب التضخم، كلها عوامل أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، تبرز بشكل جلي محدودية السياسات المالية المتبعة من قبل الحكومة في معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد.
إلى هذا سجل المستشار العالوي، أن المؤشرات المالية الحالية تكشف عن اختلالات عميقة تستدعي المساءلة، فعجز الميزانية لا يزال في منحى تذبذبي من سنة لأخرى، ضاربا عمق التوقعات الحكومية المتفائلة وتصريحات الحكومة المتعلقة بمعدل نمو 4.6، مما يضع استدامة المالية العمومية في خطر حقيقي.
ومن جهة أخرى فارتفاع نسبة الدين العام وتأثيره على الناتج المحلي الإجمالي بمستويات قياسية، الذي وصل إلى 70 مليار دولار أي ما يناهز 50% من الناتج الداخلي الخام، يحد من قدرة الدولة على الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية والحيوية ويرهن مستقبل الأجيال القادمة.
وبالموازاة مع ذلك، أكد، وفي سياق الاستدامة المالية، على الغياب الواضح للرؤية الاستراتيجية في تدبير المشاريع الكبرى، متسائلا في هذا الإطار : «فكيف يمكن لحكومتكم أن تضمن التمويل المستدام لتنظيم كأس العالم 2030 – سواء لكم أو للحكومة التي ستأتي بعدكم- وإنجاز مشاريع البنية التحتية الضخمة، في ظل هذا العجز المتفاقم؟ إن غياب خطة تمويل واضحة ومستدامة يثير مخاوفنا المشروعة حول مصير هذه المشاريع ومدى قدرتنا على الوفاء بالتزاماتنا الدولية.»
وأكد المستشار الاشتراكي متوجها لرئيس الحكومة، أن قطاع الفلاحة الذي كنتم مسؤولاً عن تدبيره في السابق من خلال إشرافكم على تنزيل مخطط المغرب الأخضر، فرغم الإنجازات التي تحققت في إطار هذا المخطط، إلا أن الواقع اليوم يكشف عن محدودية نتائجه في تحقيق الأمن الغذائي وتحسين دخل صغار الفلاحين، ولعل هذا ما دفع إلى إطلاق استراتيجية «الجيل الأخضر 2020-2030» التي تواجه اليوم نفس التحديات المالية التي واجهها سلفها، خاصة في ظل شح الموارد المائية وتداعيات التغيرات المناخية، وبالتالي غياب آليات تمويل مبتكرة وفعالة، واستمرار نفس المقاربة المالية التقليدية، يهدد نجاح هذه الاستراتيجية الجديدة، تماماً كما كان الحال مع المخطط السابق.
وأضاف أن السياسة الضريبية الحالية تعكس قصوراً واضحاً في تحقيق العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية، فبينما تثقل الحكومة كاهل الطبقة المتوسطة والفقيرة بالضرائب، نجد أن بعض القطاعات الاقتصادية الكبرى تستفيد من امتيازات ضريبية غير مبررة، ومنه، فهذا الخلل في المنظومة الضريبية لا يؤدي فقط إلى تعميق الفوارق الاجتماعية، بل يقوض أيضاً ثقة المستثمرين في عدالة النظام الضريبي المغربي.
أما في ما يخص القطاع المالي، فإن ضعف تنويع الأدوات المالية وبطء التحول الرقمي يحدان من قدرة البلاد على جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير أسواقه المالية، كما أن الاعتماد المفرط على التمويل التقليدي وضعف الابتكار في المنتجات المالية يجعلان المغرب يتخلف عن ركب التطور المالي العالمي، خاصة في مجالات التمويل المستدام والتكنولوجيا المالية.
وختم المستشار العالوي تدخله بالتأكيد على تعزيز المكانة الدولية للبلاد الذي يتطلب إصلاحات جذرية في المنظومة المالية تتجاوز الإجراءات الظرفية والترقيعية، ونحتاج إلى ثورة حقيقية في السياسات المالية تقوم على ثلاثية الشفافية والعدالة والكفاءة، حيث تصبح الحكامة المالية الجيدة منهجاً راسخاً وليس مجرد شعارات.
وعلى مستوى تعزيز الشفافية، فالأمر يتطلب نظاماً معلوماتياً متكاملاً يتيح للمواطنين والمستثمرين الوصول إلى المعلومات المالية بسهولة ويسر، كما يستوجب تقارير دورية مفصلة عن أداء المالية العمومية والمؤسسات المالية.
فهناك حاجة إلى نظام ضريبي متطور يواكب التحولات الاقتصادية العالمية، نظام يحقق التوازن بين تحفيز الاستثمار وضمان العدالة الاجتماعية، نظام يعتمد على التكنولوجيا الحديثة في التحصيل والمراقبة، ويوفر حوافز حقيقية للقطاعات الواعدة كالاقتصاد الرقمي والطاقات المتجددة، كما أن تطوير أسواقنا المالية يجب أن يتجاوز الإصلاحات الشكلية إلى إحداث تحول نوعي في آليات التداول والتمويل، مع تطوير أدوات مالية مبتكرة تلبي احتياجات مختلف الفاعلين الاقتصاديين.
ونبه المستشار إلى أن الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام عبر الاقتراض المتزايد وتأجيل الإصلاحات الهيكلية، أوصل البلاد إلى وضع حرج يهدد مستقبل الأجيال القادمة، فالمديونية المتصاعدة تستنزف موارد الدولة وتحد من قدرتها على الاستثمار في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والبنية التحتية، ما يجعلنا في أمس الحاجة إلى خطة واضحة المعالم لإعادة هيكلة الدين العام وتنويع مصادر التمويل، مع التركيز على الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتطوير آليات تحصن دعامات الاقتصاد الوطني، مشددا على المراجعة الشاملة للنموذج المالي، مراجعة تستحضر التحديات المستقبلية وتستثمر الفرص المتاحة. فموقعنا الاستراتيجي كبوابة لإفريقيا، وبنيتنا التحتية المتطورة، واستقرارنا السياسي، كلها عوامل يمكن أن تجعل من البلاد مركزاً مالياً إقليمياً/دولياً مهماً.