من العاصمة .. الأغلبية أضربت عن قانون الإضراب ! 

محمد الطالبي

صادق مجلس النواب على مشروع القانون التنظيمي للإضراب بأغلبية 84 صوتا مقابل معارضة 20 نائبا، فيما غاب عن الجلسة 296 نائبا.
هذه الأرقام مهولة وتعني أن تمرير قانون يمس الحريات وحقوق الإنسان وحقوق العمال والموظفين، بل يرتبط أيضا بالاستثمار الداخلي والخارجي، وله تأثير على المستقبل واستقرار الأوضاع في بلادنا. كما أنه يمثل مرآة تعكس صورة الدولة أمام العالم، في سياق سعيها للتموقع عالميا وتعزيز امتدادها القاري بخطى ثابتة، (فإن تمريره )في ظل غياب نقاش واسع وتمثيل برلماني قوي، يثير تساؤلات حول مدى احترام المنهجية الديمقراطية في إقراره.
إن حجم الحضور، ونحن على مشارف انتخابات حاسمة بعد أشهر قليلة، لا يمكن تفسيره إلا في اتجاه تكريس العزوف السياسي والمس بمصداقية المؤسسات المنتخبة، وتقليل شأنها، خصوصا إذا أضفنا إلى ذلك المعارك الدونكيشوتية التي شهدها البرلمان خلال الأسبوع الماضي، والتي وصلت حد الجدل حول دستورية بعض التدخلات، وفرض الرقابة على البعض، فضلا عن المس بحرمة المؤسسة البرلمانية بعد صراعات خطيرة بين أطراف من الأغلبية، مما يشير إلى أن هناك خللا داخل الحكومة.
ولعل الإضراب العام الذي دعت إليه بعض المركزيات النقابية، حتى وإن جاء خارج السياق الزمني المناسب، يبقى محاولة للضغط من أجل تعديل النص القانوني ليحمي العمال والعاملات ويصون الحريات عموما. فرغم توقيته، فإنه قد تكون له تداعيات لاحقة، خاصة وأن الإضراب، ومنع الإضراب، والمس بالحريات، ومحاولة فرض وجهة نظر الأغلبية التي توسعت نفوذها منذ البداية، كلها عوامل تعكس واقعا سياسيا مثيرا للقلق.
هذه الأغلبية، التي رفعت شعار اقتسام الحكومة والجهات والجماعات ومجالس العمالات وفق اتفاقات قبلية مسبقة، وصلت حد تشكيل «حكومة داخل الحكومة» تحت مسمى التنسيق، مما يعني أن هناك فرقاء داخل الحكومة لا يُشركون في اجتماعات الأغلبية، وهو إشكال سياسي كبير آخر.
لكن الأهم في كل هذا هو العبث الذي يشهده البرلمان، حتى بات المشهد وكأننا أمام مسلسل رمضاني يُطرح خلاله تساؤلات جوهرية حول مدى جدية مناقشة القضايا المصيرية التي تهم الوطن، الشغيلة، والحقوق الاجتماعية.
كيف يمكن لقانون بهذه الأهمية، يمس أحد أبرز الحقوق الدستورية، أن يُمرر بمشاركة أقل من ثلث أعضاء البرلمان؟ أليس غياب 296 نائبًا عن التصويت مؤشرًا على ضعف الالتزام التشريعي أو ربما تهربًا من المسؤولية السياسية؟
في الأنظمة الديمقراطية، يعد البرلمان ساحة للنقاش الجاد والتفاعل مع قضايا المواطنين، لكن حين يغيب هذا العدد الكبير من ممثلي الأمة، فإن ذلك يثير مخاوف حول جدوى العمل البرلماني ومدى ارتباطه بانشغالات الشارع.
فهل يعكس هذا التصويت إرادة حقيقية للأمة أم أنه مجرد تمرير شكلي لقانون كان لا بد أن يرى النور؟
الآن، وقد بات القانون ينتظر رأي المحكمة الدستورية والنشر في الجريدة الرسمية، تبقى مسألة التطبيق والآثار العملية لهذا التشريع محور النقاش المقبل. فهل سيحقق التوازن بين حق الإضراب وضمان استمرارية المرافق العمومية، أم سيكون أداة لتقييد هذا الحق الدستوري؟
وهل سيكون القضاء منصفا لكل ما سبق وأحسن تأويلا للدستور لأن التشريع لا يمكن أن يسمو على القانون الأسمى للمملكة .
للبيت رب يحميه !

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 08/02/2025