اقتصاد الرياضة.. رافعة للتنمية وتحقيق الطموحات الوطنية

المهدي كمال الحجام
في خضم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم، يبرز المغرب كنموذج فريد في استثمار القطاع الرياضي كرافعة للتنمية الشاملة. ولعل ما يثير الإعجاب حقاً ليس فقط حجم الإنجازات المحققة، بل الرؤية الاستراتيجية المتكاملة، التي تجعل من الرياضة محركاً حقيقياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فعندما نتأمل في المشهد الرياضي المغربي اليوم، نجد أنفسنا أمام تحول جذري في مفهوم الاستثمار الرياضي، فلم تعد الرياضة مجرد نشاط ترفيهي أو وسيلة للترويح عن النفس، بل انتقلت إلى صناعة متكاملة تساهم في الناتج المحلي الإجمالي، وتخلق فرص العمل، وتجذب الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى أن المميز في التجربة المغربية في هذا المجال هو قدرتها على المزج بين الطموح والواقعية، وبين الحلم والإنجاز الملموس.
وتمثل الرياضة اليوم في المغرب نموذجاً فريداً للتنمية المندمجة، وهو نموذج لم يكن ليرى النور لولا الرؤية الملكية السامية، التي جعلت من القطاع الرياضي رافعة استراتيجية للتنمية الشاملة. هذه الرؤية التي تتجاوز المفهوم التقليدي للرياضة لتجعل منها محركاً أساسياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومدخلاً لتعزيز إشعاع المغرب إقليمياً ودولياً.
لقد شكل الإعلان الملكي في مارس 2023 عن تقديم ملف ترشيح مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال 2030 نقطة تحول في المسار التنموي للمملكة. الإعلان كان بمثابة إطلاق لدينامية تنموية شاملة، وسرعان ما تحولت إلى ورش وطني كبير التف حوله مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، خصوصا وأن هذا المشروع خصص له جلالة الملك حيزا كبيرا في اجتماع للمجلس الوزاري في الرابع من دجنبر 2024، من أجل إعطاء التوجهات العامة لضمان التنظيم الأمثل للمونديال.
وما يثير الاهتمام هو كيف استطاعت مختلف المؤسسات الوطنية أن تترجم هذه الرؤية الملكية إلى برامج عمل ملموسة، فمن القطاعات الوزارية إلى المؤسسات العمومية، ومن الجماعات الترابية إلى السلطات المحلية، نشهد اليوم تعبئة غير مسبوقة، تعكس الإيمان العميق بأهمية هذا المشروع الطموح.
ولعل ما يميز هذا المشروع هو قدرته على خلق التقائية بين مختلف المتدخلين، فعندما نتحدث عن تأهيل الملاعب وتوسعة المطارات وتقوية البنيات التحتية الطرقية، نجد أن كل مؤسسة تعرف دورها بدقة وتعمل في إطار رؤية مندمجة تجمع بين الأبعاد الرياضية والتنموية.
إن التعبئة القوية التي نشهدها اليوم من طرف مختلف المؤسسات والهيئات تعكس نضجاً مؤسساتياً لافتاً، فالقطاعات الوزارية تعمل في تناغم تام مع المؤسسات العمومية، والجماعات الترابية تنسق جهودها مع السلطات المحلية، في منظومة متكاملة تهدف إلى تحقيق الأهداف المسطرة.
وما يزيد من أهمية هذا المشروع هو البعد التشاركي الذي يميزه، فالقرار الملكي بإحداث لجنة موسعة تضم ممثلي المجتمع المدني والمغاربة المقيمين بالخارج وكفاءات إفريقية يعكس إيماناً عميقاً بأهمية إشراك كل الطاقات الوطنية في هذا الورش الكبير.
كما أن البرنامج المندمج للتأهيل الترابي، الذي يمتد خارج المدن المستضيفة لمباريات كأس العالم، يعكس عمق الرؤية التنموية التي تتجاوز البعد الرياضي لتشمل التنمية المجالية الشاملة، فنحن أمام مشروع تنموي متكامل يهدف إلى خلق دينامية اقتصادية واجتماعية في مختلف جهات المملكة.
وعندما نتحدث عن تطوير البنية التحتية الفندقية والتجارية، وتقوية وتحديث العرض الصحي، وتطوير شبكات الاتصال، نجد أن كل هذه المشاريع تندرج في رؤية شمولية تجعل من الحدث الرياضي رافعة للتنمية المستدامة.
كما أن برنامج التكوين الموسع، الذي يستهدف تقوية كفاءات الشباب، يعكس البعد الاستراتيجي لهذا المشروع التنموي، حيث أن الاستثمار في العنصر البشري يعد خيارا استراتيجيا يهدف إلى ضمان ديمومة المشروع وتحقيق أهدافه على المدى البعيد، وينتقل من مجرد كونه ضرورة تنظيمية.
وختاماً، فإن النموذج المغربي في استثمار الرياضة كرافعة للتنمية يقدم درساً مهماً في كيفية ترجمة الرؤية الملكية السامية إلى واقع ملموس من خلال تعبئة مختلف الفاعلين وتنسيق جهودهم في إطار رؤية تنموية شاملة ومتكاملة. فما نشهده اليوم ليس مجرد استعداداً لتنظيم حدث رياضي كبير، بل هو مشروع مجتمعي متكامل يجسد طموحات المغرب في الريادة والتميز.
الكاتب : المهدي كمال الحجام - بتاريخ : 10/02/2025