فشل حكومي ذريع في تنمية سلسلة التمور جعل المغرب ثاني أكبر مستورد في العالم أين «الاكتفاء الذاتي» الذي وعد به أخنوش حين كان وزيرا للفلاحة؟: وما مصير 7.5 مليار درهم المرصودة لغرس 5 ملايين نخلة؟

لماذا أقدمت وزارة الفلاحة على إلغاء «الاستراتيجية الوطنية لتنمية الواحات والأركان»؟

 

 

رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة بشأن تحقيق الاكتفاء الذاتي من التمور، لا تزال سلسلة نخيل التمر تعاني من أزمات متفاقمة، جعلت البلاد تعتمد بشكل متزايد على الاستيراد، خاصة مع اقتراب شهر رمضان الذي يشهد ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب على هذه المادة الأساسية.
رئيس الحكومة عزيز أخنوش، كان قد أعلن قبل بضع سنوات حين كان وزيرا للفلاحة آنذاك، أن المغرب سيحقق اكتفاءه الذاتي من التمور خلال سبع سنوات بفضل برنامج غرس 3 ملايين نخلة. لكن بعد مرور هذه المدة، تكشف الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية والمهنية أن الواقع بعيد كل البعد عن هذه التصريحات المتفائلة. فقد تراجع الإنتاج الوطني للتمور من 143 ألف طن في الموسم الفلاحي 2019-2020 إلى 103 آلاف طن في 2024-2025، أي بتراجع فاق 40 ألف طن. بل إن بعض المهنيين يشككون في صحة هذه الأرقام، ويؤكدون أن الإنتاج الفعلي لا يتجاوز 80 ألف طن.
هذا التراجع الحاد في الإنتاج الوطني لم يترك للحكومة خيارا سوى اللجوء إلى الأسواق الخارجية لتلبية الطلب المتزايد، وهو ما جعل المغرب يحتل المرتبة الثانية عالميا في استيراد التمور بعد الهند، حيث استورد خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر 2023 ومارس 2024 حوالي 130 ألف طن، وهو رقم مرشح للارتفاع مع دخول السوق في ذروة الاستيراد قبيل شهر رمضان.
وفي الوقت الذي كان يُنتظر من الحكومة اتخاذ إجراءات عاجلة للنهوض بهذا القطاع، أقدمت وزارة الفلاحة على إلغاء الاستراتيجية الوطنية لتنمية مناطق الواحات والأركان 2030، وهو ما أثار استغراب المتابعين، خاصة أن هذه الاستراتيجية كانت تهدف إلى تطوير إنتاج التمور وتحقيق الاستدامة في المناطق الواحية.
كما أن الميزانية الضخمة التي رصدت للعقد-البرنامج 2021-2030، والتي بلغت 7.47 مليار درهم، لم تنجح في وقف تدهور القطاع، رغم ما تضمنه البرنامج من وعود بغرس 5 ملايين نخلة، وتحسين معدلات التلفيف والتحويل، وعصرنة قنوات التوزيع والتسويق. وبالمقابل، نجد أن الأسواق المغربية تُغرق بالتمور المستوردة، في ظل غياب أي حماية حقيقية للإنتاج المحلي.
ويتجلى هذا الإغراق بوضوح في سوق «درب ميلا» بالدار البيضاء، حيث تتدفق شحنات التمور الجزائرية والتونسية والمصرية بشكل غير مسبوق، حتى أن بعض الشحنات تصل إلى المغرب عبر الموانئ الفرنسية والإسبانية. هذا الوضع تسبب في ارتفاع أسعار التمور المستوردة بنسبة تتراوح بين 30% و50% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع توقعات بزيادة تصل إلى 80% مع اقتراب شهر رمضان نتيجة للارتفاعات في الأسعار في دول المنشأ.
ورغم أن هناك دعوات متزايدة لمقاطعة التمور الجزائرية بسبب المخاوف المتعلقة بجودتها، لا تزال هذه التمور تجد طريقها إلى الأسواق المغربية بطرق مختلفة، من بينها التهريب عبر مالي وموريتانيا وصولًا إلى المغرب عبر معبر الݣرݣرات. وقد قامت السلطات المغربية مؤخرًا بحجز وإتلاف كميات كبيرة من التمور الجزائرية المغشوشة، وهو ما يطرح تساؤلات حول نجاعة الرقابة المفروضة على استيراد هذه المنتجات.
في المقابل، تشهد التمور المصرية إقبالا متزايدا في السوق المغربية، حيث أفادت تقارير متخصصة بأن المستهلك المغربي بات يفضل تمور «الواحة» المصرية، بسبب استقرار أسعارها وجودتها المقبولة. كما أن الطلب المغربي على التمور المصرية ارتفع بشكل لافت مع اقتراب شهر رمضان ، حيث إن المصدرين المصريين يسعون إلى تعزيز حصتهم في السوق المغربية خلال السنوات القادمة. ومن المتوقع أن تتصدر مصر هذا الموسم قائمة الدول المصدرة للتمور إلى المغرب بعد أن حققت صادرات قياسية في الفترة من أكتوبر 2023 إلى مارس 2024، إذ تجاوزت صادراتها الإجمالية في الموسم الماضي البالغة 33 ألف طن.
أمام هذا الوضع، يتساءل الفاعلون في القطاع عن مصير الدعم الحكومي المخصص لتنمية سلسلة التمور، ولماذا لم ينعكس هذا الدعم إيجابيا على الإنتاج المحلي؟ كما يطالبون بتدخل حكومي عاجل لوضع حد للفوضى التي يشهدها القطاع، سواء من حيث الاستيراد العشوائي أو المضاربة التي تضر بالفلاحين المغاربة.
وفي ظل استمرار الحكومة في تعليق فشلها على شماعة الجفاف، يتفق معظم المهنيين على أن المشكل أعمق من ذلك، حيث يعود بالأساس إلى سوء تدبير المخططات الفلاحية، وعدم تفعيل الإجراءات الكفيلة بحماية المنتجين المحليين من المنافسة غير العادلة مع التمور المستوردة، التي تستفيد من إعفاءات جمركية تجعلها أكثر تنافسية من التمور المغربية.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 11/02/2025