الملتقى الوطني للإعلام والسينما بفاس وسؤال الجدوى « لماذا ولمن ننتج إعلاميا وسينمائيا وفنيا؟

 

انطلقت في الفترة ما بين 30 و31 يناير و1 و2 فبراير 2025 فعاليات الملتقى الوطني للإعلام والسينما في نسخته الأولى بفاس. ويٌنظم هذه التحفة البديعة والملهمة معهد -ايماتيك IMATIC – لمهن السمعي البصري وتقنيات الإعلام والتواصل من خلال شراكات ناجعة تم احتضان ورشاتها بكل من مقر معهد إيماتيك للإعلام وفضاء جمعية فاس سايس ومركز نجوم المدينة وقاعة مقاطعة فاس المدينة. وتضمن برنامج اليوم الأول ورشات تكوينية تفاعلية استفسارات وتوضيحات وشروحات من طرف طلبة المعهد همت آفاق التكوين والوحدات التكوينية للمعهد. قدم في شأنها وأشرف على تأطيرها كل من السادة الأساتذة نجيب الطاهري عبد الصمد العلوي الأستاذ فيصل سعيدي. فيما تابع جمهور نوعي الجمعة ندوة فكرية حول ” دور الإعلام السمعي البصري في بناء وعي الجمهور” من تأطير الدكتور حسن صابر رشيد الشيخ إدارة النقاش فيصل السعيدي. إضافة إلى تدخل الدكتور عبد المجيد الكوزي. كما تميزت أمسية السبت بحفل فني أحيته الفرقة الموسيقية لجمعية امحمد بوزوبع للتراث الأصيل برئاسة الأستاذ فؤاد العامري.
ويعد الملتقى بصيغته الجديدة وطرحه الإشكالي “جدوى الإنتاج السينمائي والفني” أكبر تجمع لمتخصصين وأكاديميين وأساتذة باحثين في شؤون الصحافة والأعلام والإنتاج السينمائي والفني بالمملكة، في محاولة جادة لتعويم السؤال والبحث عن قوارب للنجاة وسط بحر من التحديات التكنولوجية التي تتسارع بجنون.
مدير معهد إيماتيك والمدير الفني للملتقى فيصل السعيدي توجه بأسمى كلمات الشكر وأرقى التعابير لكل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاح فعاليات الملتقى الوطني للإعلام والسينما ومهن السمعي البصري وتقنيات الإعلام والتواصل بفاس وعبرعن فخره بالقول ” إنه الحدث الأول من نوعه في الجهة الذي سلط الضوء بالأساس على إشكالات الإنتاجات الإعلامية وصناعة المحتوى السمعي البصري في ظل متغيرات وتحولات على مستوى الوعي الجماهيري. وشدد فيصل على أهمية طرح السؤال الجوهري “لماذا ننتج إعلاميا وسينمائيا وفنيا” والتداول بحكمة وبعد نظر في تحدياته ورهاناته. وأضاف قائلا “أن هذا الملتقى الذي يندرج في سياق تخليد مرور 10 سنوات على تأسيس معهد مهن السمعي البصري وتقنيات الإعلام والتواصل- إيماتيك- لا يشكل نقطة تجمع للأنتلجنسيا المغربية في مجال الصحافة والإعلام ومؤثث بحضور نخبة من الخبراء والأكاديميين وأساتذة باحثين في مجال الصحافة والإعلام النشر بمختلف تجنيساته إلى جانب ثلة من الإعلاميين المرموقين على الصعيد الوطني فحسب، وإنما في كونه محاولة أكثر من جادة لردم الهوة وتذويب الشساعات لفهم ما جرى ويجري من تحولات مجنونة في عالم الإنتاج الفني والسينمائي.
فيما أكد الإعلامي ذ جواد عبيد أن مثل هذه الملتقيات تدفعنا، أحيانا قسرا من باب كرمها، إلى إعادة طرح الأسئلة حول بعض المفاهيم المتداولة. لكن الملتقى الوطني للإعلام الذي حضرناه والذي طرح سؤالا مؤسسا فلسفيا عميقا لماذا ننتج إعلاميا وفنيا، كان مختلفا تماما. ليس لأن اللقاء فيه بين الفاعلين في المجال كان روحانيا فحسب، وإنما تميزه بالتنوع في التيمات والأشكال التواصلية والأمكنة التي توزعت بين الورشات التكوينية والندوات وتوقيع كتب تهتم بقضايا الإعلام.
أما بخصوص الطرح الإشكالي للملتقى فيرى ذجواد عبيد أنه سؤال يعيدنا إلى الأصل والبداية في زمن هذه التحولات الرقمية والقيمية التي عومتنا في الرداءة والتفاهة والبداءة، لأنه يطرح قضية الاستخلاف والإعمار، فنحن مستخلفون في هذا الكون البديع ومطالبون بإعماره، والإعمار برأي المتحدث لا يكون بالمادة فقط الإعمار يكون بالقيم بمستوييها الأخلاقي والجمالي، والفعل الإنتاجي إعلاميا أو فنيا أو تواصليا يجب أن يكون مؤطرا بهذه الرؤيا وهذه الغايات، وتابع مستشهدا بمجموعة ناس الغيوان (ما هموني غير الرجال يلا ضاعو. الحيوط يلا رابو كلها يبني دار).
من جانبه عبر زكرياء أيت عبد المجيد إعلامي وباحث عن سعادته حضور هذه الندوة الوطنية ومساهمته في هذا النقاش الأكاديمي حول إشكال غاية في الأهمية “لماذا ننتج إعلاميا فنيا وسينمائيا؟ في زمن يطبعه الإنتاج السريع “فاست فود” حتى على المستوى الإعلامي وتغلب عليه التفاهة أمام موجة التفاهة التي تملأ الدنيا وتشغل الناس. مشدداً على ضرورة البحث عن مكامن الضعف والنقص في هذه المنظومة الإعلامية والبحث عن أجوبة ماذا ننتج ولمن ننتج؟ لابد من تفكيك أضلاع قاعدة شعبية مفادها” أن الجمهورعايز كده “من أجل تبير هذه العادات السيئة. وقدم زكريا أيت عبد المجيد الدليل من زمن كورونا على أن الجمهور يتفاعل مع المنتوج الجيد حتى في فترة الأزمات، مبرزا كيف تصالح الجمهور مع إعلامه التقليدي الذي بوصفه فيه الحد الأدنى من المصداقية والنزاهة.
وبدوره اعتبر الأكاديمي حسن اليوسفي لمغاري الملتقى إضافة نوعية في مجال التكوين الإعلامي والتقني. وأثنى على الحضور الفاعل لمؤسسة إيماتيك بالجهة موضحا أن الإنتاج الإعلامي الجيد ضرورة وليس ترفا. ويجب أن يكون بعيدا عن التفاهة والرداءة التي تطبع معظم محتوياته اليوم، كما يجب أن يكون مؤطرا بالقانون والضوابط المهنية والمعرفة الدقيقة للموضوع. وشدد حسن اليوسفي المغاري على ضرورة تكوين شباب له القدرة على التعبير وعلى الإنتاج الإعلامي الجيد وإيماتيك معتمدة ولها ما يكفي من الخبرة في ذلك.
وفي السياق ذاته، ثمن الباحث والإعلامي مصطفى اللويزي فعاليات الملتقى وقال بخصوص سؤال ماهية الإنتاج لمن وكيف ننتج؟ أن النقاش كان متنوعاغنيا ودسما. وجاءت الأجوبة متنوعة بحكم تنوع المقاربات والحضور الذي ينتمي إلى مجالات متعددة في الإبداع الفني المسرح السينما والأدب والاقتصاد. وأوضح المتحدث ذاته أن جميع الأجوبة المقترحة لم تكن تقليدية، وإنما جاءت مركبة ومبطنة عبارة عن أطروحات سواء على المستوى الفني أو الإعلامي. فنحن ننتج كي نرقى بمجتمعنا يقول د مصطفى اللويزي لكي نرقى على مستوى الذوق الجمالي والأدبي للمجتمع. ثم ننتج كي نفيد المجتمع على المستوى الإخباري والمعرفي. وشدد الباحث على ضرورة إثارة النقاش حول طبيعة الإنتاج وجدواه، ما دمنا نعيش في مدينة تتنفس تاريخا وفنا وعلما من أجل بناء مجتمع هادف ينمي أفراده والجماعة التي ننتمي إليها.”
ومن أجواء المشاركة في الملتقى الوطني للإعلام والسينما ومهن السمعي البصري وتقنيات الإعلام والتواصل بفاس قدم الدكتور محمد الزوهري مداخلة حول واقع صناعة المحتوى الرقمي بالمغرب. وبمقر رياض نادي نجوم المدينة على زاوا أديرت ندوة حول” دور الإنتاجات السمعية البصرية في بناء وعي الجماهير” بمشاركة الدكتور حسن صابر والسيناريست هشام الغافولي والسينمائي والمخرج رشيد الشيخ الذي قدم مداخلة عن الإنتاج السينمائي في ظل القانون الجديد 18-23 الخاص بالصناعة السينمائية والمركز السينمائي المغربي. وقد لاقت جميع هذه المداخلات تفاعلا ملموسا من خلال مناقشة مضامينها من الحاضرين وخصوصاً من طلبة المعهد.
في ذات السياق بحضور مجموعة كبيرة من الأساتذة من مختلف التخصصات الإعلام والتواصل والسينما والمسرح والإعلام السمعي البصري ومن فاعلين جمعويين ومخرجين مسرحيين وسينمائيين. قدم الدكتور قاسم السهلي مداخلة حول “عناصر التكوين في الخطاب الفيلمي”. مشددا على أهميتها أيا كان هذا الخطاب الفيلمي، سواء كان تلفزيونيا أو سينمائيا أو فيديو. واستعرض أستاذ التواصل بجامعة فاس عناصر التكوين في الخطاب الفيلمي بالشرح والتحليل وهي عناصر متعددة من بينها الإطار والتوازن، الكتلة البصرية، الألوان، الإضاءة. وذكر بأهميتها باعتبارها مجموعة من عناصر تكوين لا يخلو أي خطاب فيلمي منها. مشيرا في السياق نفسه إلى ضرورة إلمام صانع المحتوى السمعي البصري بها. كما لفت الانتباه إلى أهمية توظيف هذه العناصر بطريقة جمالية درامية وتشكيلية أيضا. ليس ممن أجل الإبداع فحسب يضيف ذ السهلي، وإنما من أجل المقدرة على تعزيز قوة الإقناع كذلك.
أما الصحفي والإعلامي بقناة ميدي1 تيفي الدكتور أنور لكحل فقد حدد في مداخلته الأهداف وطبيعة الجمهور المستهدف من وراء الإنتاج الإعلامي مستندا إلى دراسات علمية تحدد احتياجات الجمهور وسلوكياته واهتماماته قائلا “أن اختيارنا للجمهور يتأثر بعوامل مثل العمر الثقافة، الخلفية الاجتماعية، والوسيلة الإعلامية المستخدمة، فالإعلام الإخباري يضيف المتحدث يخاطب المهتمين بالسياسة والاقتصاد، بينما يستهدف الإعلام الترفيهي فئات أوسع من المجتمع، أما الإعلام التعليمي فيوجه محتواه للطلاب والباحثين، في حين أن الإعلام التسويقي يركز على المستهلكين المحتملين. وشدد الدكتور أنور لكحل على أن الإجابة العلمية على “لمن ننتج إعلاميًا؟” تعتمد بالأساس على التحليل الدقيق لخصائص الجمهور المستهدف، وأهداف الرسالة، والمنصة الإعلامية المناسبة، بعيدا عن عقيدة الصدمة ورأسمال الكوارث كمبدأ للاغتناء السريع على حساب الجمهور الافتراضي. كما أن نجاح المحتوى الإعلامي يعتمد على قدرته التفاعل مع الجمهور، تحقيق التأثير المطلوب، ومراعاة القيم والمعايير الأخلاقية والمهنية.
من جانب آخر، عبرت طالبة بمعهد إيماتيك عن سعادتها بحضور فعاليات هذا الملتقى الذي وصفته بالمناسبة الكبيرة للنهوض بالوضع الإعلامي بالجهة عبر طرح أفكار جديدة وتقديم اقتراحات جادة من قبل خبراء ودكاترة متخصصين واغتنمت الطالبة الفرصة موجهة الدعوة ومناشدة للمسؤولين والأوصياء على الشأن الإعلامي من أجل توفير الدعم الكافي لمثل هذه الملتقيات حتى نرى صورة إيجابية للإعلام ببلدنا. وعن ارتساماتها في المشاركة مع مهنيين وخبراء في المجال قالت زميلة لها في معهد إيماتيك إن فعاليات الملتقى تمثل نقطة مضيئة في مسارها المهني الطموح. وأوضحت أن هذا الحدث العلمي الهام سيدفع دون شك الجهات المعنية بالقطاع إلى إعادة التفكير والتقييم لمواكبة التحديات الجديدة والتغيرات المجنونة مع حلول الذكاء الاصطناعي ضيفا مهيبا على الإعلام السمعي البصري بروح تنافسية.
وشارك في فعاليات الملتقى الذي استمر حتى الثاني من فبراير الجاري أكثر من 20 فاعلا في مجال الصحافة والنشر والإنتاج السينمائي والفني على الصعيدين الجهوي والوطني. إلى ذلك، وبعد 4 أيام من الأنشطة المرتبطة بمجالات الإعلام والسينما والفنون، أسدل الستار الأحد مساء عن فعاليات الملتقى الوطني للإعلام والسينما ومهن السمعي البصري بفاس. الحدث الذي عرف مجموعة من الورشات التكونية و الندوات العلمية و الفقرات الفنية، كما تخلل النشاط توقيع ثلاث كتب وإصدارات في مجالات الإعلام و التواصل- الإعلام في زمن الأزمات- لزكرياء أيت عبد المجيد، الإعلام في زمن اللايقين للدكتور جمال محافظ، و Communication de crise et crise de communication للدكتور مصطفى اللويزي .وتكريم ثلة من الأساتذة ساهموا في بناء إيماتيك صرح مهني وأكاديمي .كما تخللته سهرة ملحونية وأندلسية احتفت بتراثنا الموسيقي العريق .ليختتم الملتقى بطاولة مستديرة جمعت ثلة من الإعلاميين والأكاديميين ناقشوا الإشكاليات المطروحة في المشهد الإعلامي وقدموا اقتراحات وإجابات على السؤال المحوري في أفق تعزيز الاحترافية وتبادل الخبرات. مداخلات واقتراحات شددت على مسؤولية الإعلام في تشكيل الرأي العام الهوية الثقافية ومسؤوليته اتجاه المجتمع. الملتقى وبعد مداخلات ونقاشات مثمرة وبناءة لمضامينها أسفر عن خلاصات وتوصيات يعتزم المعهد إصدارها في كتاب لاحقا وتوزيعها على المؤسسات الموضوعاتية لكل غاية مفيدة.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 15/02/2025