كلمة: الذبيحة تقسم الحكومة

محمد الطالبي
سيكون من السذاجة جدًا أن نصدق أن في البلد حكومة منسجمة ومتناغمة ومتفقة على برنامج قابل للتطبيق بعيدًا عن المزايدات وبعيدًا عن كل تفسير سطحي. فما تعيشه الحكومة المغربية اليوم هو أمر خارج السياسة وخارج المنطق، بل وأكاد أجزم أنه يقع خارج الدستور الذي ينظم كل العلاقات في هذا البلد. فالحكومة «العتيقة»، بتعبير إخوتنا اللبنانيين، لم تدخر سلاحًا إلا وأشهرته في وجه بعضها البعض. وكانت آخر الرصاصات الحية والثقيلة أيضًا بسبب الفضيحة التي وقعت في السنة الماضية بمناسبة استيراد رؤوس الأغنام من أجل عيد الأضحى.
كان الهدف المعلن هو حماية السوق المغربية وتوفير عدد كافٍ من المواشي لحاجيات عيد الأضحى، أما السبب الآخر غير المعلن فهو إخفاء الفشل في المجال الفلاحي، وهو القطاع الذي قاده وسوقه للمغاربة السيد رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش حين كان وزيرًا للفلاحة ذات حكومة. وللفلاحة مع المغاربة قصة عميقة جدًا، حيث صُرفت مئات الملايير في برامج ومسميات عديدة، لكن لا أحد قدّم الحساب عن الفشل، على الأقل إذا لم نقل بأشياء أخرى.
الواقع اليومي يتعدى قضية «الأكباش» التي استفاقت الحكومة من سباتها، أو استبق جزء منها الأحداث للتأكيد على أن مالًا عامًا سُلِّم ربما بطريقة غير سليمة لأناس لا يستحقونه. فالمبالغ خيالية، وكانت تكفي لتجديد القطيع المغربي والحفاظ عليه لسنوات، لكن كان للحكومة رأي آخر وتصور آخر قضى بصرف المال العام دون أن ينعم المواطن المغربي بقليل من الحماية في مواجهة عيد أضحى أصبح عبئًا كبيرًا على أغلب الأسر المغربية، التي تقف عاجزة بين الاحتفال بالعيد – أو بالأحرى بالذبيحة – وبين توفير ما يتطلبه الأمر من إمكانيات مالية، والتي تتزامن عادة مع نهاية شهر رمضان الفضيل.
وهنا، المناسبة شرط: فهل سيأتي من الحكومة من يشرح لنا بعد فوات الأوان أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، كالأسماك، ليس حسب تفسير الوزير الذي استهزأ بالمغاربة وأحال الأزمة على الجفاف؟ أم أن عجز الحكومة عن حفظ كرامة أهل الحوز بالسرعة اللازمة وبالإمكانيات المرصودة ليس سوى بسبب «نقص في اليد العاملة»، كما ادّعى وزير آخر؟
حقًا، من الممكن أن يكون هناك نقص حاد في اليد العاملة، لأن شروط العمل في قطاع البناء تصل حدّ الاستعباد وتقع خارج القانون، بعيدًا عن الضمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور والكرامة والسلامة. هذا الوضع يجعل الشباب والشابات يهجرون هذا القطاع، ومعه قطاع البناء برمته، لأن ما في العقار يأكل الأخضر واليابس، بل إنه أصبح آلة لطحن المغاربة من المهد إلى اللحد، فحتى القبر، الذي يُحيل إلى الحياة الأخرى، أضحى في يد المقاولين العقاريين.
ولنعد إلى الحكومة. لا أعتقد أن هناك أي مواطن لا يريد أن يرى حكومة وطنية، مواطنة، تخدم مصالح البلاد والعباد، لكن الواقع لا يرتفع. فالفرقاء في السياسة المغربية اليوم، وفي تشكيلاتهم الحزبية التي لم تكن يومًا طبيعية، لم يحظوا يومًا بالالتزام الحقيقي ولا بتجربة الحب الحقيقي للسياسة كفعل نضالي ومواطن يسعى لخدمة البلد ولا شيء غير البلد، بكل ما يلزم من غيرة وحب والتزام بالقيم.
إن اختلافاتنا جميعًا، مهما تمددت ومهما تفاوتت حدتها، يبقى الوطن موحدًا للجميع باعتباره انتماءً مجاليًا، ترابيًا، وروحيًا. قد نغير الأماكن، لكن لا يمكن أن نغير الوطن ، حتى لو فكر بعضنا في ذلك. ستكون الحكومة مطالبة، غدًا وفي أي حين، بالإجابة عن أسئلة عميقة حول استراتيجياتها، واختياراتها، وإنجازاتها، وبالأساس حول خلفيات كل قراراتها.
هل كان الصالح العام هو الدافع، أم تكديس المواقع والمصالح؟ لا عجب أن هناك من يجزم اليوم بأن جزءًا، على الأقل، من هذه الحكومة يتعامل بمنطق «الشركة»، بمنطق الربح للمؤسسات السياسية التي أنتجتهم في غفلة من الزمن المغربي.
وعلى أي حال، سيبقى للمغاربة دائمًا آمال وآمال لتجاوز كل العثرات التي يسقطنا فيها البعض. فبلدٌ يضع خارطة طريق للمستقبل، عبر التوجهات الكبرى التي يرعاها الملك شخصيًا في السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها، لن يعرف غير التميز.
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 20/02/2025