من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب

محمد الطالبي

إذا كانت مقولة إن “الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك” مقولة حقيقية وذات مضمون واضح وبين، فهي حتما تنطبق على الأخطار والتحديات في الماضي والحاضر التي تواجهها الشعوب عامة، فاليوم في وطننا الطيب يجب أن ندرك بوضوح أن التهديد الإرهابي لبلدنا كامن بيننا، يترقب الفرصة لتوجيه ضربة جديدة، بعد الهجمات المباغتة التي شهدتها الدار البيضاء في 16 ماي، ولم يكن اختيار هذا التاريخ اعتباطيا، بل تزامن مع احتفال المغرب والجهاز الأمني بعيد ميلاد الأمن الوطني، في محاولة لترويع الوطن والشعب وإعلان التحدي. وبعد التدخل الأمني في المنطقة الصغيرة بحد السوالم المتاخمة للدار البيضاء، تأكد أن الخطر لا يزال قائما، مما يستدعي المزيد من اليقظة والتعاون لحماية أمن واستقرار الوطن.
كما أن البروتوكول الأمني الصارم الذي تم تطبيقه يومها، وأعيد تكراره في تسعة مواقع، أسفر عن أول عملية إجهاض للمخطط واعتقال 12 مشتبه بهم، مما يؤكد نجاعة المقاربة الأمنية في التصدي لهذه التهديدات. ورغم أن هذا البروتوكول بدا للعموم إجراء صارما وضروريا، إلا أن بعض الأصوات تعالت معتبرة أنه كان استعراضا للقوة بشكل مبالغ فيه، وهو ما يفتح النقاش حول التوازن بين الأمن والحقوق الفردية في مواجهة المخاطر الإرهابية.
لكن الأمر يتطلب تقديم المعطيات وشرح طبيعة التحديات التي تبرر هذه الاحتياطات الكبيرة، خاصة أن هذه التدخلات تُنفَّذ من قبل فرق نخبة عالية التأهيل والتكوين، ومن مختلف التخصصات، مما يستوجب حمايتها وتأمين ظهرها، فهي ثروة وطنية لا تُقدَّر بثمن. هؤلاء الأبطال يستحقون أن نوفر لهم التكنولوجيا والموارد المالية واللوجستية بلا تردد، لأن الحرب الاستباقية رغم تكلفتها العالية من الناحية الاستخباراتية والمادية، تبقى أقل ثمنًا من المخاطر التي قد تنجم عن أي تهديد إرهابي.
لكن في النهاية، يجب أن نتفق جميعًا على أن أي جهد يُبذل لا يساوي جناح بعوضة أمام أمن الوطن وسلامة المواطنين، سواء داخل البلاد أو خارجها. فالدولة مسؤولة عن حماية أبنائها أينما كانوا، وهذا واجبها، ومن واجبنا على الأقل تقدير هذه الجهود ودعمها بكل الوسائل الممكنة.
وبالعودة إلى البروتوكول الأمني الصارم، الذي أصبح سمة لكل التدخلات الاستباقية، فقد كشف عن معطيات أساسية تؤكد أننا أمام عدو متحول، يتخذ أشكالًا تتطور باستمرار، ويستغل التكنولوجيا المتاحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى استخدام مواد متوفرة في السوق المغربي لتشكيل تهديد بالغ الخطورة.
كما أن هذا التهديد شهد تحولات خطيرة، حيث انتقل من استراتيجية “الذئاب المنفردة” إلى “الخلايا الأسرية”، مما يعقد مهمة الأجهزة الأمنية. ولا ندري ما هي الخيارات المستقبلية التي قد يعتمدها هذا التنظيم الذي لا هوية محددة له، ولا لون، ولا عقيدة ثابتة، بل هو شبح متغير يهدد استقرارنا ويستعد لفعل أي شيء في سبيل زرع الفوضى وبث الرعب. وقد أكدت هذه المعطيات تصريحات المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ) خلال لقاء سابق في سلا، حيث شدد على أن مواجهة هذا الخطر تستوجب تطوير آليات الرصد والمراقبة، وتعزيز القدرات الاستخباراتية، من أجل التعامل بفعالية مع التهديدات المتزايدة، والتصدي لها قبل وقوعها.
ليس مطلوبا منا شيطنة بعض ممن يتحدثون بحسن نية ولا يستوعبون خطورة الوضع بقدر ما نحن مطالبون باليقظة الجماعية تجاه المروجين الحقيقيين الخطاب الإرهاب وخطاب الكراهية والعنصرية وتجفيف منابعهم ماديا وتكنولوجيا، من البيت والمدرسة والجامعة، مع يقظة إعلامية حقيقية، بإعلام حقيقي وليس بإعلام يتماهى ويدعي عكس ما يقوم به، بشكل يومي، لأن المعركة معركة الجميع ومعركة الوطن، بكل بناته وأبنائه، والإعلام واحد من أدوات العقلانية والشفافية والوضوح، والإرهابي ليس شخصا واحدا أو مجموعة أشخاص محددين في الزمان والمكان، وإلا لكانت مهمة الجهاز الأمني فقط، ونغلق الحكاية، لكن الإرهاب فكرة تروج بيننا تتسرب إلى بيوتنا وإلى عوائلنا مستترة بالدين وبالسياسة وبالاقتصاد، وبكل ما يمكن أن يبرر، على الأقل، في اعتقاد أصحابه، لكن ما لا يبرر، أن قتل الناس وترهيبهم جريمة شنيعة تمس جميع الناس، تمس الإنسان من حيث هو إنسان، في أي مكان. لماذا ركزتُ في الخِتام على الإعلام؟ لأن بعض المتابعة لمواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن الإرهاب، ومنذ سنوات، يقدم مواد خطيرة جدا تسلب عقول المتلقين، بل يكاد يجزم البعض بأنها تصنع إرهابيين خلال أيام فقط. هذه السرعة الصاروخية خطيرة جدا ويصعب مواكبتها حالة بحالة، لذلك فإن التوعية عبر الإعلام العمومي والخاص، وبكل أنواعه، هي قبل كل شيء نوع من الالتزام المهني، وهي فعلا من صميم أخلاقيات مهنة الصحافة.

 

 

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 22/02/2025