الأستاذ بوشعيب الساوري يترجم: رحلة قصيرة بالمغرب 1883

 

صدر عن منشورات الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل (2024) ترجمة جديدة للأستاذ بوشعيب الساوري تحمل عنوان «رحلة قصيرة بالمغرب 1883» للدبلوماسي الفرنسي موريس باليالوك (Maurice paléalogue)، في 128 صفحة من القطع المتوسط.
والمؤلف فرنسي، اشتهر بصفته الديبلوماسية، تقلد عدة مناصب ديبلوماسية، في المغرب من عام 1898 إلى عام 1901، وفي دول أخرى كثيرة، وخلال أوقات حرجة، كما اشتهر كمؤرخ، وكاتب مقالات.
السياق التاريخي
تم نشر الكتاب بفرنسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي إبان التوسع الاستعماري الأوروبي حيث كانت اللغة الاستعلائية للغرب عموما مسلمة تكاد تكون من مسلمات العلوم الحقة.
كان المغرب بلدًا مستقلًا، لكنه كان يعاني تحرشا امبرياليا، وأطماعا متزايدة لدول الجوار الأوروبي لاحتلاله، وكانت الظروف مهيأة لذلك، متمثلة في تخلفه التكنولوجي، واهتراء أنظمته، وتخلف جيوشه، وضعف اقتصاده، إلى جانب تقوقعه على ذاته، وانغلاقه على نفسه، والأدهى من ذلك أن الساحة الداخلية كانت مطبوعة بالانتفاضات الشعبية وأعمال الشغب التي كان يقودها بعض العصاة، مستغلين الضعف العام للدولة. فكان الوضع ممهدا للتدخل الأجنبي، الأمر الذي انتهى بإعلان الحماية الفرنسية والإسبانية عام 1912.
وقد أشار المؤلف «باليالوك» إلى الحالة التي كان عليها المغرب في ديباجة كتابه، حيث أكد بأن دول العالم كلها خضعت للتحضر بدرجة ما، وكلها دخلتها الآلات والتكنولوجيات، وتطورت أنظمتها، في أروبا وإفريقيا وآسيا، باستثناء بلد واحد ووحيد، يقع على أبواب أوروبا ظل ممتنعا عن الحداثة والتحضر، يعيش بقيم وأنظمة عتيقة، لم تغزه التكنولوجيا، ولم تتطور أنظمته، وهو المغرب الذي ظل على حاله التي كان عليها قبل خمسة قرون، ولم يتطور.
محتويات الكتاب
تطرقت المذكرات التي دونها الرحالة إلى عدة قضايا، نوجزها فيما يلي:
الوصف الجغرافي: عرض صورة حية عن المكونات الجغرافية للمغرب، من طبيعة، وحديث عن المدن الكبرى مثل فاس ومكناس ومراكش، وطنجة، والرباط. جانب التطرق للحديث عن الأرياف.
ولم يغفل عن التعرض للبنيات التحتية كالطرق والمسالك السهلية والجبلية، والقناطر والموانئ، والأنظمة والأشكال المعمارية. وأولى الآثار المعمارية التاريخية اهتماما خاصا، بذكرها، وظروف إنشائها، وشكلها ومكوناتها ومميزاتها المعمارية، وما ألف الناس من حكايات حولها.
وصف المجتمع المغربي: يصف المؤلف الحياة اليومية للمغاربة المعيشة للمغاربة، وعاداتهم، ومعتقداتهم، وتقاليدهم. كما تطرق إلى التنظيم الاجتماعي، والطبقات الاجتماعية المختلفة. ومظاهر التنوع العرقي والثقافي، وظروف عيش الطوائف، كالعرب، والأمازيغ، واليهود، والسود. وحديث عن السجون، وظروف حياة السجناء فيها، وتكلم أيضا عن قوافل المسافرين، وركب الحج. وأعرب في فصول كثيرة عن إعجابه بالتقاليد المغربية الأصيلة، وبغنى وتنوع وجودة مائدة الطعام المغربية، وبأناقة ومراسيم البروتوكول السلطاني المغربي.
كما تطرق في فصول عديدة إلى الحديث عن الأسواق التي زارها بعدة مدن، وما تشهده ساحاتها من عروض فنية فولكلورية، كعروض رواة الحكايات، ومروضي الثعابين.
السياسة المغربية: بصفته دبلوماسيًا، يولي المؤلف اهتمامًا خاصًا للوضع السياسي في المغرب، والصراعات على السلطة بين الفصائل المختلفة والتدخل الأجنبي. ويصف التوترات بين السلطان والقبائل المتمردة، والتنافس بين القوى الأوروبية، وجهود فرنسا لتعزيز نفوذها. ويذكر أيضًا الإصلاحات التي قام بها السلطان المولى الحسن الأول. ويقدم أيضا نظرة نقدية لها، بإبراز عيوبها التي تجعلها غير فعالة ولا ناجعة.
الوجود الأوروبي في المغرب: ويتناول المؤلف أيضًا القضايا السياسية والدبلوماسية المرتبطة بالحضور الأوروبي في المغرب. ومن ألطف ما جاء في المذكرات، محاولة المؤلف تتبع حياة وإقامة الفنانين الأوروبيين في مدينة طنجة مثل هنري مورو، وموريس لومبارد، وديلاكروا، التي أنتجت عددا مهما من اللوحات الفنية الثمينة، التي تحتل مكانة بارزة في تاريخ الفن الاستشراقي الحديث، كما تعرض لتنافس القوى الأوروبية حول المغرب المغرب، وطموحها لاحتلاله، وهو الذي صمد متشبثا باستقلاله إلى زمن متأخر. ولم يغفل المؤلف حادثة الهجوم العسكري الإسباني على تطوان، وموقف بريطانيا من المعركة، موردا عدة شهادات ذات قيمة تاريخية عالية. ويتساءل عن مستقبل البلاد وعواقب الاستعمار.
ملاحظات وذكريات، يصف المؤلف ملاحظاته وتجاربه أثناء إقامته في المغرب. ولقاءاته مع شخصيات مغربية مهمة، ومع ممثلين أوروبيين. وحفلات القنص التي كان ينظمها أفراد السلك الديلوماسي الأوروبي. وتكشف مذكراته عن تعقيدات العلاقات بين المغاربة والأجانب.
أهمية العمل
يعكس الكتاب تكوين المؤلف «باليالوك» الأكاديمي كمؤرخ وخبرته الدبلوماسية، ودقة ملاحظاته وأوصافه، وسعة معرفته بحقيقة الصراعات التي كان ينخرط فيها المغرب طوعا أو كرها.
فالمؤلف يعبر عن وجهة النظر الأوروبية، وإن أبدى إعجابه بالمغرب، وأظهر تعاطفا مع المغاربة في عدة فصول، وحرص على فهم المجتمع المغربي، على الرغم من ذلك، فإن الكتاب لا يخلو من الأحكام النمطية التي راجت آنذاك عن المغرب في أوروبا، التي تتأسس على جهل بحقيقة المغرب، وعلى مضامين الفكر الاستعماري، الذي يتكئ على التفوق الأوربي وادعاء تمدنه وتحضره. ما يضفي قيمة على الكتاب، لدى المؤرخين والباحثين، ويجعله مصدرا قيما عن تصورات الأوروبيين للمغرب وعن الأحداث التي أدت إلى إخضاع المغرب للحماية الفرنسية.
باختصار، يعد كتاب موريس باليالوك بمثابة سجل رحلة آسرة ووثيقة تاريخية، تكشف القضايا السياسية والثقافية في المغرب في بداية القرن العشرين. ويكتسب قيمته وأهميته من دقة الملاحظة الثاقبة التي تمتع بها المؤلف، على الرغم من نظرته الاستعلائية التي لم يخفها في فصول الكتاب، الذي حاول جاهدا أن يبرز قوة بلده فرنسا، ودعوة المغرب إلى الاحتماء بها.
الكتاب الذي يعد من كلاسيكيات أدب الرحلة الأوروبية إلى المغرب، قدم له الأستاذ موليم العروسي. ومما جاء في هذا التقديم: «تكمن أهمية هذه النصوص في كونها تضيء لنا عقلية نظرة الأوروبي اليوم وما يعتبره مغربا حقيقيا. فهذه النظرة ما زالت هي السائدة في اختيار المغرب الذي يريد الأوروبي مشاهدته (في السياحة، في السينما، في الفنون التشكيلية) وما يريد قراءته (في الرواية، في الشعر وفي جميع أصناف الأدب.) لذا لا نستغرب عندما نرى إقبالا، بل وتشجيع الدور الفرنسية والأوروبية للنشر ترجمَة ونشَر أعمال أدبية وسنيمائية وتشكيلية تعيد إنتاج هذه الرؤية».


الكاتب : سعيد منصوري

  

بتاريخ : 25/02/2025