الصحراء في المخططات الإرهابية.. بين « تنظيم الدولة » و « دولة التنظيم »!

عبد الحميد جماهري

 

ليست كنية زعيم التنظيم الداعشي الموجود في الساحل، المدعو «عبد الرحمان الصحراوي» من جنسية ليبية، هي العلاقة الوحيدة بين صحرائنا الوطنية المسترجعة وبين مخططات داعش، فقد سبقه عدنان أبو الوليد الصحراوي، المزداد في العيون والعضو النشط السابق بجبهة «البوليساريو»، والذي تبنى خلال سنتي 2016 و2020 عددا من العمليات الإرهابية في المنطقة.
يمكن القول بأن الصحراء هدف للتنظيم لاستنبات جذوره ومخططاته، كما تدل عمليات التقدير الأمني الدقيق لمشاريعها.
فقد كانت مدينة العيون، من بين تسع مدن اختارها التنظيم لاستقطاب عناصره، بل كوجهة للعمل الإرهابي الذي يرمي إلى إحداث ترويع وضحايا في وسط المغاربة في علاقة مع آخر خلية تم تفكيكها، وإذا كان المخططون لم يميزوا بين العيون وباقي المناطق، كما كل من سبقوهم، فهم ولا شك يعرفون في نهاية التحليل بأن القضية الوطنية الترابية من بين كل نقط الاستهداف التي تجتمع عندها المخططات العدوانية.
أولا، بسبب ما يعتبرونه منصة قريبة من الساحل، بل نجد أن الصحراء هي المنطقة الجيوسياسية والترابية لأي عمل يمكن أن تستفيد منه دول الساحل حيث داعش والتنظيمات الإرهابية لها مراكز وأعداء، والأمنيون المغاربة مقتنعون بأن»المنطقة تعد اليوم التهديد الإرهابي الذي يرخي بثقله على المملكة«.
والعناصر التي تدفع بهذا الاتجاه كثيرة: الصحراء كهدف، تعني قطع التواصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وهو هدف حاضر كمشروع سياسي منذ الحرب التي خيضت ضد المغرب في صحرائه منذ 1975.
ثانيا: يعد خلق الاضطراب في الصحراء مفيدا لإعادة انتشار الورم الإرهابي في شمال إفريقيا، ومن ثمة ربط شمال إفريقيا بالساحل وجنوب الصحراء، والعودة إلى أحد المعاقل السابقة عن التمركز الجديد.
ثانيا، العنصر الآخر في حسابات الإرهابيين هو الترابط بين الانفصال والإرهاب في إفريقيا كلها، ولعل المناطق التي انطلقت منها التوجيهات والتخطيطات نموذج حي على هذا الترابط، وقدرته على زعزعة الدول وتعطيل فعاليتها سواء في مالي،المنطقة الحاضنة حاليا، ودول بوركينافاسو وتشاد والنيجر والبحيرات الكبرى وخليج غانا، وهي المناطق التي تعيش على واقع انفصالي، وهو ما يجعل الإشارة تذهب في مناحي عديدة، لا سيما إلى الدول التي ترعى الانفصال حيث أن أقلية تحتضن 189 حركة انفصالية في تقاطع مع 27 تنظيما انفصاليا من فروع المنظمات الكبرى…
ثالثا، يتبين من أحداث سابقة، ولعل أهمها اكتشاف خلية القاعدة وقتها في 2011، والتنظيم الداعشي لم يعرف هذا الانتشار ولا استقطب كل عناصر القاعدة السابقين، أن القارة لوحدها تضم فروع ثلاث منظمات إرهابية كبيرة منها القاعدة وداعش. ونذكر هنا اكتشاف مخبأ للأسلحة بمنطقة أمغالا، على بعد 25 كيلومترا من الجدار الأمني وعلى بعد 220 كلم من مدينة العيون بالصحراء، في يناير 2011، وإعلان الأمن المغربي، وقتها، عن تفكيك خلية تتكون من 27 فردا يوجد من بينهم عضو في «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، تم إيفاده من قبل هذا التنظيم بغية إنشاء قاعدة خلفية داخل المملكة وإعداد مخطط للقيام بعمليات إرهابية.
إلى ذلك، لا تخفى العلاقات بين الإرهابيين والانفصاليين، ولعل أول المقتنعين بالتمفصل بين الصحراء كهدف للإرهابيين والرغبة في الانفصال، هو مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الشرقاوي حبوب، الذي سبق له في حوار خص به مجلة «جون أفريك»في 2021، »أن كشف أن أزيد من 100 انفصالي ينتمون لجبهة «البوليساريو»، ينشطون في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي«.
وشدد حبوب على أن هناك تأطيرا داخل مخيمات تندوف وتلقينا عقائديا يقوم به أئمة المخيمات، ما يعد أيضا عاملا جعل منطقة الساحل على ما هي عليه اليوم: تهديد للمغرب كما بالنسبة للدول الأخرى«، ومن البديهي أن وجود عناصر جبهة»البوليساريو» في المجموعات الإرهابية المصغرة، أو داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، لا يروم التواجد المشهدي أو الاستعراضي، بل يسعى إلى توظيف الرأسمال الإرهابي في عملية استهداف المغرب، ولا يستبعد أن تكون رغبة داعش هي جعل الصحراء ولايتها المخطط لها والمرجاة.

في مضمار العمل بترويع المغاربة في بلادهم، ومن ذلك تصريحات الراحل خالد نزار والمخطط للأعمال الإرهابية »داخل حدود المغرب«، وهي خطوة تم تقديمها إلى رئاسة الجمهورية في منتصف الثمانينيات وتم إحياؤها من بعد في منتصف التسعينيات حسب ما صرح به .
ولا يكفي كذلك أن البعض مما يسمى قدماء المجاهدين دعوا إلى الفعل الإرهابي داخل المغرب وفي الدول الأجنبية حتى… وهو ما يعني أن »تنظيم الدولة» يمكن أن يشتغل تحت رعاية غير رسمية ولكنها منطقية لدولة التنظيم« التي من مصلحتها أن تصبح الصحراء منطقة حرب من جديد، بعد أن فشلت فيها بالأسلوب الحربي التقليدي، حيث تسعى إلى الاستئناس بالحروب الهجينة كما يقال.
لا يمكن أن نفصل، موضوعيا، بين المخططات المعلنة والمتبناة رسميا في المحافل الدولية، وبين المخططات التي تتم في الظلام، وفي مناطق اللادولة في القارة، حيث الأيادي المعادية تعمل ليل نهار…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/02/2025