رسالة ملك لبى نداء شعب … كان ينتظرها!

عبد الحميد جماهري
لعلها المرة الأولى التي يختار فيها ملك البلاد التوجه إلى الشعب المغربي عن طريق .. رسالة !
لا هي بلاغ صادر عن الديوان، ولا هي خطاب محكوم باشتراطات دستورية، ولا هي جلسة عمل يتفرع عنها بيان إخباري، بل هي الشكل الرسالي في التواصل مع المغاربة حول قضية روحية يترابط فيها الاجتماعي بالسياسي بالعقائدي بالرمزي بالثقافي…
لغة الرسالة منتقاة بدقة بالغة، خوف المحاذير التي تقودنا إليها الخدعة اللغوية، فهي رسالة لا تلغي العيد، لأن أمير المؤمنين يعي بأن ليس له أن يلغي عيدا دينيا، ولا هي تلغي الشعيرة، بل يهيب الملك بالشعب أن يختار الاختيار الأصوب في سياق صعب، اجتماعيا واقتصاديا.
لم يختر الملك الخطاب، لأن له تبعاته التنفيذية واعتباراته الدستورية التي تجعل منه متنا لا يناقش . ولا تعليمات إلى الحكومة، فقد أسقط الملك «الوساطة» بينه وبين الشعب، في موضوع ربما كانت الوساطة من بين ظروف التشديد فيه.
الرسالة جعلت كرة الأضحية بين يدي الشعب، ونجزم بالعقل بأنها أرسلت إلى صاحب العنوان.. الذي كان ينتظرها.
هكذا نفهم رسالة الملك، ودعوته إلى عموم المغاربة لاستحضار ظروف بلادهم ثم الظروف الصعبة التي يمكن أن تفرض على قطاع واسع من الناس…
ما من شك أن العديد من الباحثين في الأنتروبولوجيا السياسية، وعلوم الدولة في المغرب خصوصا، يستحضرون من هنا، »الهندسة الرسائلية« أو التراسلية في الحكم في المغرب. وقد يجدون في ما كتبه ابن زيدان مثلا، بعضا من الوثائق السياسية للرسائل، في »تدبير قضايا الدولة أو شؤون الأمة«. Prince
épistolaire بمعنى أن الملك «أمير رسائلي»، يحكم بواسطة الرسالة. ومن وظائفها الرمزية والتراتبية خلق وشيجة قوية أو فعالية اجتماعية لممارسة الرسالة ولا تخفى فعاليتها السياسية. ومن مهامها هنا الاتفاق على الوضع الذي يعشيه المغاربة والمغرب، وتبادل المعلومة الوثيقة بين الشعب وملكه، في موضوع يثير الكثير من الحساسية والعواطف والحسابات السياسية واللغط. فالرسالة وسيلة لممارسة الوظيفة الإمامية وسياسة الحكم، في الوقت ذاته….
بل تكشف الرسالة، في سياقها الحالي، المعرفة العميقة بالمجتمع وبنبضه كما نقول عادة. لغتها أيضا لغة مقننة واضحة ودقيقة. لهذا لا تتحدث عن إلغاء الشعيرة بل تتوجه إلى المواطنين ليتفاعلوا معها في هذا الاختيار . الرسالة تلعب على المسكوت عنه، ومن ذلك الأسباب الكامنة والوضعية والضمنيات المرافقة له، إذا صح التعبير.
في التعليل أو التسويغ نجد ترتيب عناصر التأويل للوصول إلى الوضعية الحالية في عنصرين اقتصادي وطبيعي، كما ورد في الرسالة الملكية: تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية«. في التعليل الأول نستحضر أننا أمام أسوأ دورة جفاف تعيشها المملكة منذ مطلع الثمانينيات. وهو معطى مناخي، وفي الجانب الاقتصادي، يعزى تراجع القطيع الوطني إلى سوء تقدير الحلول ولا شك . واتضح أن ما قررته الحكومة من دعم مالي لمستوردي المواشي لم يحد من ارتفاع الأسعار، كما كشف عجزها عن تدبير تراجع الأسعار، الشيء الذي خلق احتقانا اجتماعيا لا يخفيه سوى الهروب الحكومي إلى الأمام.
العنصر الثاني الذي انبنت عليه الرسالة هو الآثار السوسيواقتصادية على فئات بعينها من الشعب وهي الفئات الهشة: وفي هذا تقول الرسالة إن الوضع المناخي والاقتصادي:«سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود«.
في الرسالة توصيف أزمة مرحلية بسبب وضع مناخي اقتصادي. وهذه هي الخلاصة التي تعالت عليها الحكومة.
وفي تدبير الحكومة، اختلالات :
لم تر معاناة الناس، بل إن رئيس الحكومة كان إلى حدود شهر فقط يتحدث باطمئنان وثقة في أن (العيد كاين) ( وهو يقصد الكبش وليس العيد المناسبة ) وأن الحكومة ستستورد الأضاحي، بدون أن يكلف نفسه الجواب عن سؤال الوساطة التي تقتل الأمل في أثمنة معقولة.
كان هاجسه الأساسي هو الاستيراد لضمان الوفرة على حساب الأثمنة والضرر الواسع لفئات كبيرة!!
لقد عالجت الحكومة الموضوع بالهروب إلى الأمام، واستسلمت “للشناقة”، استسلاما كليا، حتى إن الوزراء أصبحوا يتذرعون بوجودهم في كل المجالس بلغة العجز والرهبة( وزير يعلن وجود18 مضاربا ولا يقدم أسماءهم إلى النيابة العامة..كنموذج ).
كان تجاوب الناس كبيرا للغاية، وهم يرون المضاربين يصبحون بلا أسنان ولا مخالب، التي تمزقهم كل مرة !
الرسالة الملكية، رفعت الحرج عن المآت من الآلاف من المغاربة، جماعات وأفرادا، ولعل الحكومة تجد فيها نموذجا، للقرار الجريء، المعالجة البراغماتية واللغة السليمة في الحديث عن وجود وضع صعب، عوض نفخ الأرقام والصدور والقرب المثقوبة للإنجازات..
الحكومة أعطت الدليل أنها اختارت أن تكون المناسبة الدينية في خدمة مشروعها الاقتصادي لإسناد من يطلبون دعمها( المحدودين على رؤوس الأصابع والمحظوظين على رؤوس المال)، وليس أن تجعل خدمتها الاقتصادية في خدمة الشعور الديني !
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 28/02/2025