واش حنا هوما حنا.. 01 – الكنيسة والفقيه والمنتخب

هي مظاهر ومشاهد إما عشناها أو واكبنها كأحداث ، منها ما يدخل في إطار نوسطالجيا جمعتنا ومنها ما هو حديث مازلنا نعيشه ، في هذه السلسلة نحاول إعادة قراءة وصياغة كل ما ذكرنها من زاوية مختلفة ، غير المنظور الآني في حينه لتلك المظاهر والمشاهد والتي يطبعها في الكثير من الأحوال رد الفعل والأحكام المتسرعة ، وهي مناسبة أيضا للتذكير ببعض الجوانب من حياتنا ، وببعض الوقائع التي مرت علينا مرور الكرام بدون تمحيص قي ثناياها…

 

الكنيسة والفقيه والمنتخب
بالرجوع إلى كتب تاريخ التراث المسيحي نجد أنه مر بصراعات كثيرة ومحتدمة، وهي الخلافات التي ولدت ماهية كل كنيسة حسب قناعات كل طائفة، والكنيسة، بحسب ما يقوله التاريخ، لا تعني البناية، وإنما تعني المجمع أو تجمع المؤمنين المسيحيين، في ما بعد ستأتي البناية مجسدة لاعتقاد كل طرف داخلها، اليوم لدينا الكاثوليك والأورثودوكس والبروتيستانت، المدارس الثلاث القوية، رغم أن هناك طوائف أخرى في الأرض لكنها أقل قوة من الكنائس الثلاث.
اقد وصلت الكنائس إلى ماهي عليه اليوم، كما ذكرنا، بعد مرورها بأزمات واصطدامات واختلافات ونقاشات وعراك، من أجل التوحد حول كنيسة واحدة، فقد مر على رؤوس المؤمنين بالمسيح فترة عصيبة سميت بعصر الاضطهاد، خاصة من قبل»الفريسيين»، وهم المتعصبون من اليهود، الذين لم يقبلوا بأن تغفل المسيحية التقاليد والتعاليم اليهودية، وصولا إلى الاختلاف بين المعتنقين للمسيحية المحظة حين اختلفوا على طبيعة المسيح هل هو أزلي وجوهر الأب وما إلى ذلك في «مجمع نيقية»، وستليها تجمعات أخرى لتحديد الأناجيل القانونية، وما سيعتبر دونها هرطقة، ما يهمنا هنا هو أن الصراع الكنسي امتد منذ القرون الميلادية الأولى، في أفق تحديد شكل كنيسة جامعة لكل المؤمنين، ومع ذلك تفرقت الآراء للوقوف عند أقل الأضرار.
لم يكن الآباء والقساوسة الذين تشابكوا طيلة تلك القرون، يتوقعون أن فقيهًا ومنتخبًا في إحدى المدن الكبرى المغربية سيكون لهما دور في إعادة تشكيل الكنيسة حتى يتوحد الإخوة المسيحيون المؤمنون.
بدلًا من الانغماس في البحث عن المخطوطات القديمة للعهد الجديد، وتحديد الرسل والتلاميذ الذين خطّوها، ومواجهة «الغنوصيين» وما يشبهها من كتابات وُصفت بالأبوكريفا لإزالة الشوائب عن الكتاب المقدس، كان لهما ما يساعدان به في هذا المسار.
الفقيه والمنتخب بعد أن تسلمت المدينة كنيسة من لدن راهبة ظلت متمسكة بعقيدتها وكنيستها إلى آخر رمق، وحين أرادت أن تغادرها، أهدتها للسلطات البلدية، لأن عهد الحماية الذي شيدت فيه قد ولى، لم يكن أحد يعلم بأنهما يخططان للإسهام في النقاش الدائر منذ القرن الأول الميلادي حول الكنيسة، إذ بعد مرور سنوات من تسلم الهدية، سيتحول جزء من الكنيسة إلى مسجد، وهذا أمر عادي وطبيعي في بلد إسلامي، وتم نصب فقيه على رأسه ليؤم الناس، لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن الناس انتبهوا إلى أن سيارة «بي كاب» ، كانت تدخل «كاراج» البلدية ليلا وتخرج محملة بـ»الكياس والسيما»، وحين تتبعوا آثار عجلاتها، وجدوها ترسو في الكنيسة القديمة، بدأت الألسن تتساءل، هل من ترميم للمسجد ؟ أو هل سيتم إقامة متحف أو كتاتيب أو مرفق له علاقة بخدمة بيت الله ؟؟؟ لا لم يكن الأمر كذلك، بل خلال صلاة الفقيه والمنتخب مع جمهور المسلمين في المسجد ذاك، كان خشوعهما يهندس لأمر أكبر، فقد وقف المفتشون على أن الرجلين كانا يبنيان غرفا أرادا كراءها «للرواسيين» من العمال الذين يقصدون هذه المدينة أو لحديثي الزواج، بذلك كان مجمعهما يروم الدلو بدلوهما في الخلافات التي مرت في «نيقية» وغيرها من المجامع، حتى أنهما لم يكثرتا للجامع الذي يتقربون فيه إلى الله، لذلك كانا يريان أن «السيما» هي حل لكل خلاف عقائدي ولا حاجة لمخطوطات وتطويل كلام في الإقناع، فمعبد النهش العقاري كاف ليذوب كل الخلافات !


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 01/03/2025