على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت محورا للجدل والخوف والدهشة.
تُعرف قرية بلاكلي، الواقعة في مقاطعة كِنت بإنجلترا، بأنها «القرية الأكثر مسكونة بالأشباح في إنجلترا»، وفقا لما ورد في كتاب غينيس للأرقام القياسية عام 1989. اكتسبت هذه السمعة بسبب تسجيل أكثر من 12 «ظهورا شبحيا»، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من التجارب الخارقة للطبيعة التي عاشها السكان والزوار.
ومن أشهر الظواهر الخارقة في بلاكلي: سيدة الأحمر (The Red Lady)) ويقال بأنها الروح الأكثر شهرة في القرية، ووصفها العض بأنها امرأة ترتدي فستانا أحمر أنيقا من زمن قديم، تُرى عادة وهي تتجول في مقبرة كنيسة سانت نيكولاس ليلا ، ويُعتقد أنها كانت سيدة نبيلة من سكان المنطقة، وماتت بشكل مأساوي، كما تشير بعض الروايات إلى أنها توفيت أثناء الولادة، بينما تقول أخرى إنها انتحرت بعد فقدان طفلها، ويروي الشهود أنهم رأوا هيئتها المضيئة بين القبور، وسمعوا بكاء عند اقتراب منتصف الليل.
هناك أسطورة أخرى، وارتبطت هذه المرة ب»سيدة الأبيض» (The White Lady)، وغالبا ما ترتبط بسيدة الأحمر، رغم أنهما تعتبران روحين مختلفتين. وصفها البعض بأنها امرأة ترتدي ملابس بيضاء بالكامل تظهر داخل كنيسة سانت نيكولا، ويُعتقد أنها امرأة دفنت في ثلاثة توابيت، واحد من الرصاص، وآخر من الخشب، وأخير من الحجر، ربما خوفا من عودتها للحياة.
وقال بعض الزوار إنهم شاهدوا طيفها المضيء بالقرب من المذبح، ويشعرون بأن هناك من يراقبهم.
هناك أيضا أسطورة أخرى حول ما سمي ب»الرجل المشنوق» (The ، Hanging Man) ويشاع بأنها روح ترتبط بالغابات القديمة في بلاكلي، وخاصة في مكان يعرف باسم «ركن الرعب» (Fright Corner). ووصف بأنه ظهور رجل يتدلى من شجرة. فوفق للموروثات الشعبية المحلية، فقد شنق رجل نفسه في هذه الغابة، وظلت روحه عالقة هناك، وادعى البعض رؤية شكله يتأرجح بين الأغصان، وسماع صوت حبل يتأرجح في ليالي الضباب.
ومن أكثر الحكايات إثارة للرعب في بلاكلي ، الرجل الصارخ (The Screaming Man)، وذلك بسبب صرخاته المرعبة التي يقال بأنها تُسمع في الحقول القريبة، وتقول الأسطورة إنه كان عاملا مات تحت الأنقاض بعد انهيار محجر الطوب المحلي، ولذلك ادعى الكثيرون سماع صرخات ألم ونداءات استغاثة صادرة من الأرض، رغم عدم وجود أحد.
وتستمر الروايات المحلية المشوبة بكثير من الإثارة، وهذه المرة الأسطورة المتعلقة ب»شبح المعلم (The Schoolmaster’s Ghost)
وقصته مرتبطة بطريق ريفي شهير يدعى «ديكي باسز لين» (Dicky Buss’s Lane).: ويُقال إن معلما قديما شنق نفسه في هذا المكان بعد مروره بحالة اكتئاب شديدة، وادعى البعض أنه شاهد طيفه يسير على الطريق بوجه حزين، كما يُسمع همس وخطوات خلف الزوار.
كانت بلاكلي تضم طاحونة هواء دمرت بفعل صاعقة قبل أكثر من قرن، ويقال إن الطحان مات حرقا في الحريق الذي التهم الطاحونة .وفي بعض الليالي، يقول السكان إنهم يرون الطاحونة تظهر للحظات، ويسمعون صوت شفراتها تدور رغم عدم وجود المبنى.
هناك أيضا أسطورة «العربة الشبحية» وهي إحدى أقدم الحكايات في بلاكلي. ووصفها البعض بأنها عربة سوداء تجرها خيول شبحية، تسير بسرعة عبر شوارع القرية. ويؤكد الشهود سماع صوت حوافر الخيول على أرض مرصوفة، رغم عدم وجود أي عربة.
ويشاع ايضا أن هناك عدة منازل تاريخية في بلاكلي معروفة بنشاطها الخارق مثل بلاك هورس إن (The Black Horse Inn): وهي حانة يقال إن الأشياء تتحرك فيها من تلقاء نفسها، وتُسمع أصوات، ويُشعر بوجود خفي.
هناك أيضا ديرينغ آرمز (The Dering Arms): وهو منزل نبيل قديم تحول إلى حانة، ويدعي بعض الزوار أنهم رأوا ظلالا تتحرك بين الغرف، وأضواء تطفأ وتضاء وحدها
بالإضافة إلى الحالات المذكورة،، نقل عن بعض زوار القرية أنهم عادة ما يختبرون أمورا غريبة، ومنها تغيرات مفاجئة في درجات الحرارة (برودة مفاجئة)، سماع همسات وأصوات بين الأشجار وفي الشوارع الخالية، أضواء غريبة تسبح فوق الحقول وظلال تتحرك بين القبور في المقبرة.
زار القرية العديد من المحققين في الأمور الغامضة، ومن بينهم فرق تلفزيونية مثل برنامج «Most Haunted» والتي سجلت، حسب قولها، أصواتا غامضة خلال التصوير،. كما أكد «الوسطاء الروحيون» أنهم يشعرون بوجود أرواح وطاقات محبوسة.
ورغم شهرتها المرعبة، وربما بسبب ذلك، أصبحت بلاكلي وجهة سياحية، حيث يتم تنظيم جولات ليلية يقودها مرشدون يروون هذه القصص.هواة التحقيقات الخارقة بدورهم يزورون الأماكن الرئيسية بكاميرات ومسجلات، وخلال احتفالات «الهالوين»، تستقبل القرية زوارا من مختلف أنحاء إنجلترا.
وعن أسباب انتشار هذه الظواهر في بلاكلي، هناك عدة تفسيرات، ومن بينها تاريخ القرية المأساوي، حيث شهدت حالات وفاة عنيفة، انتحارات، وحوادث عمل، وغيرها ، بالإضافة إلى أن شهرة القرية تؤثر على تصورات الناس، فيفسرون أي صوت أو ظل على أنه خارق.
وعموما تظل بلاكلي واحدة من أكثر الأماكن غموضا في إنجلترا، بطابعها الخاص، حيث الضباب الكثيف، الشوارع المهجورة، والهواء العتيق، ظواهر تخلق خلفية مثالية لقصص الأشباح.