الشاي يُحلّي السهرة في رمضان بالصحراء 

يعد الشاي أحد العناصر الأساسية في الحياة اليومية في المغرب، إذ يرمز إلى الكرم والضيافة ويشمل جميع المناسبات الاجتماعية. وعندما يحل شهر رمضان المبارك، تكتسب طقوس تقديم الشاي في مناطق عديدة من المملكة المغربية طابعا خاصا، خاصة في الصحراء التي يصبح فيها الشاي أكثر من مجرد مشروب؛ إنه طقس ثقافي وروحي يعكس ارتباط السكان الصحراويين بعاداتهم وتقاليدهم في شهر الصيام.
تاريخ الشاي المغربي طويل ومعقد، إذ دخل إلى المغرب في القرن الثامن عشر، ليصبح جزءا من الثقافة المغربية بعد توسع طرق التجارة. ومع مرور الزمن، أصبح الشاي بالنعناع رمزا للضيافة المغربية، إذ يُقدّم أولا للضيوف في كل المناسبات، سواء كانت عائلية أو رسمية.
ويختلف تحضير الشاي من منطقة إلى أخرى، إلا أن الشاي الصحراوي يبقى مميزا، إذ يتم تقديمه بكأس صغيرة تحتوي على كمية قليلة من السائل، في إشارة إلى الاقتصاد في الماء في بيئة الصحراء القاسية. ويبدأ سكان المنطقة في تحضير الشاي بالنعناع مع اقتراب موعد الإفطار، بحرص شديد، حيث يتم اختيار مكونات ذات جودة عالية، مثل “شاي الدرجة” الأخضر، الذي يتميز بنكهته بالنعناع الطازج والسكر.
تحضير الشاي في الصحراء يتسم بالبطء والدقة، مما يعكس التقدير الكبير لهذه العادة، خاصة في شهر رمضان. في هذا السياق، تصف فاطمتو، إحدى سيدات الصحراء، طريقة التحضير قائلة “لا يخلو منزل صحراوي من الشاي، إنه جزء من حسن الاستقبال، ويُقدّم في جميع المناسبات.” وتتضمن عملية التحضير العديد من الخطوات التي تتطلب الصبر والدقة، حيث يُغلى الشاي ثلاث مرات ليصبح سميكا وقويا.
ويستغرق إعداده وقتا قد يُناهز نصف الساعة، ليُصب في آخر المطاف في كؤوس صغيرة جدا، ثلاثة أرباعها رغوة بيضاء اللون، أما سائل الشاي فلا يحتل سوى الرُبع الأسفل من الكأس
ويتم تقديمه على ثلاث دفعات، كل واحدة لها طابع خاص، فالدفعة الأولى تكون سائلة جدا وقوية المذاق، بينما الدفعة الثانية تكون أكثر توازنا وأقل كثافة، أما الدفعة الثالثة، فغالبا ما تكون أخف وأقل تركيزا، وتُعتبر الأكثر نعومة في الطعم. وتكمن الرمزية في هذه الدفعات في أنها تعكس مراحل الحياة، حيث تكون البداية صعبة وقوية، تليها مرحلة أكثر توازنا، ثم تنتهي بنهاية هادئة وسلسة.
وقد وضعوا لشُرب الشاي عدة قواعد، أجملوها في ثلاث كلمات، تبدأ كُل واحدة بحرف الجيم، ثُم أطلقوا عليها اسم “الجيمات الثلاث”. فأول هذه القواعد، هي “الجر”، والتي يُقصد بها في اللهجة الحسانية، لسان أهل الصحراء المغربية، طول مُدة إعداد الشاي، حتى تتفاعل مُكونات الشاي مع الماء، وتُنتقع فيه بشكل جيد، والنتيجة في الأخير، سائل داكن اللون، بمذاق فريد.
طول المُدة تزيد منه النار المتقدة التي يوضع فوقها الإبريق، إذ تُشدد القاعدة الثانية، من خلال اسمها، على ضرورة إعداده فوق “الجمر”، وهو الفحم الذي خفتت ناره فصار قريبا من الرماد. ةأما ثالث القواعد، فهي “الجماعة”، والتي لا يرى الصحراويون فائدة للشاي من دونها، وهي التجمعات سواء كانت عائلية أو بين الأصدقاء، نساء ورجالا.
ولا تخلو هدايا الزفاف في المناطق الصحراوية من معدات الشاي التي يتفنن الصانع التقليدي في ابتكارها وتنويع أجهزته وفق الجودة والثمن ويحرص ضيوف الزفاف على تقديم هدايا تراثية ومن بينها أواني الشاي ولوازم إعداده.
طقوس الشاي تساهم أيضا في تعزيز الروح الجماعية والتضامنية في المجتمع الصحراوي، ففي لحظات الإفطار، بعد يوم طويل من الصيام في حرارة الصحراء، يتجمع أفراد الأسرة والجيران حول المائدة لتناول الشاي، فهذه لحظات تعزز من الروح المعنوية للصائمين وتضفي أجواء من السكينة والهدوء.


بتاريخ : 03/03/2025