لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك 03- شلال تكيينداما: كولومبيا

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

 

يقع شلال تكيينداما على بعد حوالي 30 كيلومترا جنوب غرب العاصمة بوغوتا، في بلدية سواشا بكولومبيا، وهو شلال مهيب يبلغ ارتفاعه حوالي 157 مترا، يسقط في هاوية صخرية يشقها نهر بوغوتا. يعد هذا المكان من أبرز المناظر الطبيعية في المنطقة، لكنه أيضا معروف بتاريخه المظلم.
ويعرف قصر الشلال الذي يقع على حافة الهاوية باسم «بيت متحف شلال تكيينداما». تم تشييده عام 1923 بأسلوب معماري فخم مستوحى من الطراز الفرنسي. في البداية، كان يعمل كفندق فاخر، يجذب السياح من النخبة البوغوتية الذين كانوا يأتون للاستمتاع بمشاهدة الشلال والاسترخاء في أجواء الجبال.
لكن بمرور الزمن، تراجع الاهتمام بالمكان بسبب تلوث نهر بوغوتا وانخفاض أعداد السياح. أُغلق الفندق في التسعينيات، وبقي مهجورا لسنوات طويلة. ومؤخرا، أُعيد ترميمه وتحويله إلى متحف، لكن الأساطير والقصص المرعبة لا تزال تحيط به.
وقد أصبح شلال تكيينداما مكانا مشهورا بحالات الانتحار. كان الأشخاص الذين يعانون من اليأس يتوجهون إلى حافته ويلقون بأنفسهم نحو الموت. هذا الأمر ولد اعتقادا بأن أرواح المنتحرين ظلت حبيسة في المكان، مما جعله نقطة مشحونة بالطاقة الروحية وحوادث الظواهر الخارقة، حسب البعض.
وهناك العديد من الشهادات لأشخاص أكدوا أنهم رأوا أو شعروا بأشياء غريبة في المكان، ومن بين أشهر هذه الروايات، رؤية أشباح تظهر من النوافذ، حيث يزعم بعض الأشخاص أنهم رأوا أشكالا بشرية ضبابية تطل من نوافذ الفندق، حتى عندما كان مهجورا.
ومن أشهر الأساطير، ما نقل عن بعض الشهود أنهم رأوا رجلا مقطوع الرأس يتجول على شرفة الفندق القديم أو يظهر واقفا ينظر إلى الهاوية عبر النوافذ.
كما أبلغ زوار وعمال عن سماعهم صرخات وبكاءً آتيا من الفراغ المحيط بالشلال، وقال كثيرون إنهم يشعرون بجو كئيب ومخيف، خاصة عند حلول المساء.
ومن أكثر الروايات شهرة، شبح المرأة ذات الرداء الأبيض، ويُقال إنها تظهر عند الغروب، واقفة قرب الهاوية، تبدو حزينة، وأحيانا تمشي ببطء نحو الحافة ثم تلقي بنفسها، ولكن عندما يقترب الناس لا يجدون شيئا، ويعتقد أنها روح امرأة انتحرت بعد أن هجرها زوجها، أو شابة من السكان الأصليين ألقت بنفسها هربا من المستعمرين الإسبان.
من جهة أخرى، ذكر حراس الفندق القديم أنهم كانوا يسمعون في الليالي الباردة صرخات وأصوات ارتطام أجساد بالصخور، وأحيانا تُسمع خطوات شخص يجري في الممرات باتجاه الهاوية، يتبع ذلك صمت خانق.
أما ما يشاع عن الرجل بلا رأس، فهو لم يشاهد فقط في الشرفة والنوافذ، بل أيضا في ممرات الفندق خلال ليالي الضباب. يُقال إنه يحمل رأسه بين يديه، وتتحرك شفتاه وكأنه يحاول قول شيء، لكن لا يسمع صوت. وتؤكد بعض الشهادات أنه يظهر في الليالي التي تقع فيها حالات انتحار، وكأنه يأتي ليأخذ روحا أخرى.
ورغم أن المنطقة غالبا ما تكون مغطاة بالضباب الكثيف، فقد أبلغ الزوار عن رؤيتهم لظلال تتحرك قرب حافة الشلال أو حول القصر، وعندما يقتربون، تختفي هذه الظلال أو تهوي إلى الهاوية بصمت.
وخلال فترة إهمال الفندق، تحدث المغامرون الذين دخلوا لاستكشافه عن سماعهم أبوابا تفتح وتغلق بعنف، رغم عدم وجود رياح. كما سمعوا همسات وأحاديث من غرف فارغة، وشعروا بأنهم مراقبون.
وحتى بعد ترميم المبنى وتحويله إلى متحف، قال بعض العمال إنهم يسمعون خطوات في غرف مغلقة، ويرون الأنوار تضيء وحدها، ويشعرون بوجود أشخاص غير مرئيين.
أحد الحراس الليليين قال إنه كان يسمع كل ليلة في الساعة الثالثة فجرا صوت خطوات على الشرفة، وعندما يخرج ليرى، لا يجد أحدا.عامل آخر أكد أنه رأى أضواء الشموع تتحرك خلف نوافذ الطابق الثاني، كما لو أن حفلة من زمن آخر تدور داخل الفندق. سكان المنطقة أبلغوا بدورهم أنهم رأوا أحيانا زوجين يرقصان على الشرفة، لكن وجهيهما كانا ضبابيين، وكأنهما من عالم آخر.
يرتبط شلال تكيينداما أيضا بأساطير شعب المويزكا، وهم السكان الأصليون للمنطقة. تقول إحدى الأساطير إن الآلهة فتحت الشلال لتحرير المياه من فيضان هائل أنقذ شعبهم. هذه المزج بين الميثولوجيا القديمة والمآسي الحديثة جعل الموقع مكانا مليئا بالرموز والمعاني.
وفي الوقت الحالي، يسعى «بيت متحف شلال تكيينداما» إلى تحقيق التوازن بين تقديم التاريخ والتراث البيئي، وبين جذب السياح المهتمين بالظواهر الخارقة. فرغم الإصلاحات، لا يزال الغموض يحيط بالمكان، مما يجذب الفضوليين وصائدي الأشباح.

 

 


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 04/03/2025